من قال إن الرثاء يجب أن يكون نثرًا وسردًا عن طيبة قلوب الراحلين ورقة مشاعرهم وحلاوة لسانهم؟! بل من قال إن ما يكتبه البعض فى رثاء من رحلوا هو بالضرورة ما كان يتمتع به الراحلون ويميزهم عن غيرهم؟ بل أدعى أن جانبًا مما كان يكتب فى الصحف ثم المواقع الخبرية فى رثاء كبار رحلوا هو للاستهلاك الإعلامى حيث لا الكاتب يعرف الراحل من الأصل، ولا الراحل كان يود أن يُكتَب عنه ما كُتِب. كتب الراحل مفيد فوزى كثيرًا. ثم قال الكثير بالصوت فقط، وبالصوت والصورة. قال الكثير كمذيع، عفوًا كمحاور. كما قال الكثير كضيف لطالما نجح فى تحويل محاوره إلى ضيف رغمًا عن أنف كليهما. فمفيد فوزى محاور بالفطرة. حتى فى مقالاته وكتاباته ذات الطابع الأدبى، تجده محاورًا لنفسه. «يأخذ ويدى معها» على طول الخط. ومن سمة المحاورين بالفطرة، حتى أولئك الذين لا يعملون فى الحقل الإعلامى، أنهم دائمًا فى حالة لهاث. تعرفهم لأنهم لا يعرفون للهدوء طريقًا، أو الاسترخاء سبيلًا. وبمعنى أدق، لا هم يبحثون عن الهدوء ولا هم يفتشون عن الاسترخاء. وللعلم، قد تجده جالسًا فى هدوء، لكن كل ما حوله من ذبذبات يشى بالصخب. وقد تلمحه «مسترخيًا» على مقعد مريح على شاطئ البحر يقرأ كتابًا أو يستمع إلى موسيقى لكن شيئًا ما فى الأجواء من حوله يشعرك بأنه على أهبة الاستعداد، لا لفعل شىء ما، ولكنها أهبة استعداد فى المطلق. أطلقت العديد من المسميات على القدير المحنك المختلف المتفرد مفيد فوزى. بعضها كان من وصف لما يقدمه من وجبة إعلامية مختلفة، والبعض الآخر كان على سبيل السخرية. لكن الحق يقال إن حتى هذه السخرية أضافت إليه ولم تنتقص منه يومًا. المحاور المستفز والمذيع الهجومى والإعلامى الصاخب والكاتب الصريح بزيادة وغيرها فى عرف الإعلام الحقيقى هى تعريف الإعلامى أو الصحفى كما ينبغى أن يكون «أحيانًا». فالصحفى أو المذيع لو اعتنق مبدأ الطبطبة على الضيف، لا سيما إن كان مسئولًا أو شخصية مثيرة للجدل أو فنانًا أو غيرهم من الشخصيات العامة المساءلة أمام جمهورها، تحول عمله إلى علاقات عامة وإعلان. أو أفسح المجال للبعض لاتهامه بالمجاملة أو النفاق أو الرياء. رحل مفيد فوزى بعد حياة حافلة بالإثارة والجدل. أحبه كثيرون، واحتار آخرون فى تقييم موقفهم منه. فى عز أحداث يناير 2011، وبداية عصر الاستقطاب المريع وفى قمة تجلى ما يعرف بسن القوائم السوداء لكل من يجرؤ ويجاهر برأى أو موقف أو تحليل مناهض لما كان يجرى فى الشوارع والميادين، جاهر مفيد فوزى بما يعتريه من شكوك فى ماهية ما يجرى. لكنه لم يكتف بالشك والمشاعر، بل نزل ميدان التحرير فى عز اشتعاله ليقوم بواجبه الصحفى فى التحقيق والعمل الميدانى. تم احتجازه من قبل «ثوار». وقتها كان فى نحو ال78 من عمره. التجربة القاسية لم تكسره أو تمنعه من إكمال المشوار الذى ظل سائرًا محاربًا متحديًا مستفزًا فيه حتى النهاية. رحم الله الأستاذ مفيد فوزى.