نجحت ثورة الشباب في إسقاط النظام القديم.. وبقي أن نقطف ثمارها في نظام جديد.. يحررنا من ثقافة القطيع.. ويحول طاقة الشباب إلي عمل.. والحرية إلي إبداع.. والهتاف في المظاهرات إلي مواقف في أحزاب فاعلة.. وكانت أول ثمرة فرحنا بها هي أننا بدأنا نتطلع إلي المشاركة في صنع مستقبلنا.. بعد أن كانت أبصارنا تتعلق بأحذية لاعبي كرة القدم.. وأدركنا أن إسقاط النظام القديم لا يتحقق بمجرد تغيير أشخاص.. وإنما بتغيير ثقافة الناس وطريقة تفكيرهم.. وعندما كنت أتابع المساجلة التي دارت بين علاء الأسواني.. وهو أديب صنعه مجده بمداد قلمه وليس بمناصبه وحصوله علي جوائز الدولة.. وأحمد شفيق رئيس الوزراء السابق.. كان القلق يساورني لأن أحمد شفيق استطاع أن يستولي علي مشاعر الناس.. بتواضعه وبساطته.. لأنه لم يتكلم بتقعر مثل حملة درجة الدكتوراه.. والضابط الذي وصل إلي رتبة الفريق.. ولكن الطمأنينة عادت إلي نفسي.. عندما استطاع الأديب علاء الأسواني أن يكسب العقول بالجرأة والندية.. التي تحررت من ثقافة القطيع.. ثقافة تحرير الإنسان المصري من هيمنة حاكم مستبد.. ينتظر الجميع توجيهاته وتكليفاته.. ورئيس مجلس شعب يصيح «موافقون موافقون» بين التصفيق والتهليل.. ويتحدي أحكام القضاء بدعوي أن المجلس سيد قراره.. كانت المساجلة بين عقلية نظام قديم.. وعقلية تواجه النظام القديم بالجرأة والندية.. وتصارع الضدين الذي يصنع التقدم.. بدلاً من محاولة التوفيق التي تنتهي بالجمود.. وفي أيام الثورات كان الصراع بين الضدين.. بين رب السيف ورب القلم.. تخلق فيه إنسانا جديدا.. يحمل السيف والقلم.. مثل شاعرنا محمود سامي البارودي في ثورة أحمد عرابي.. وكان سعد زغلول زعيم ثورة ,19. يفرد مكاناً إلي جانبه لعباس العقاد رجل الفكر.. الذي يحمل القلم.. قبل رجال السلطة الذين يحملون الصولجان.. وفي الجامعة كان طه حسين يجمع بين السلطة والفكر.. وهو يدعو إلي تحرير العقل.. وإلي التعليم المجاني وهو وزير للمعارف في حكومة الوفد.. وفي تراثنا القديم كان عنترة بن شداد شاعراً وقائداً للجيوش.. وهو يتحدي من يعيرونه بسواد لونه.. وكان عمرو بن كلثوم شاعراً وفارساً وهو يدافع عن قومه أمام ملك الحيرة. نجحت ثورة الشباب عندما تطلعنا إلي آفاق مستقبلنا.. بعد أن كانت أبصارنا تتعلق بأحذية اللاعبين في المباريات الكروية.. وتصدي علاء الأسواني حامل اللقب بجرأة وندية.. لرئيس الوزراء أحمد شفيق وهو يحمل الصولجان.. ويدافع متقهقراً عن ثقافة قديمة.. كان حملة الأقلام فيها مجرد كتبة.. يكتبون بأقلام غيرهم من كبار المسئولين.. ويتحدثون بصوت غير أصواتهم.. وبقي أن نحول الفكر إلي عمل.. والحرية إلي إبداع.. كما فعل محمد غنيم في إقامة مركز عالمي لعلاج الكلي في المنصورة.. ومجدي يعقوب في إقامة مركز عالمي لعلاج القلب في أسوان.. ونجيب محفوظ في إقامة أكبر صرح روائي للحرافيش.. فضح فيه من اغتالوا أحلامهم من المرتشين والفاسدين والانتهازيين. بقي أن ندرك أن الثورة ليست حكراً لمجموعة من الشباب.. وأن ثمارها من نصيب أهل الفكر والعمل.. الذين يحررون عقولنا من ثقافة القطيع.. ولا يكتفون بإسقاط النظام القديم.. لأن إسقاط النظام القديم لا يتحقق إلا بإقامة النظام الجديد..