الخيال يصنع العالم، كما أنه يتمرد على ظروف الزمان والمكان، وكما يقول ألبرت أينشتاين «المنطق سوف يأخذك من ألف إلى باء، والخيال سوف يأخذك إلى أى مكان»، ولأن الكتابة حالة إنسانية يمتزج فيها الواقع بالخيال، نهرب بها من سوء الواقع إلى مثالية الخيال، فإن المتخيل نتاج المخيلة، أو نتاج خيال الفرد المبدع، سواء فطريًا أو مكتسبًا من الجماعة المحيطة به أو المجتمع، لينتج صورًا وتمثلات وسرود وحكايات تقترب من الواقع أو قد تبتعد عنه. والخيال يحول الفكر الإنسانى إلى صور بلاغية، يصوغها فى صورة إبداع إنسانى متميز، وبهذا فالمتخيل الإبداعى تتضافر فيه الذاتية مع الموضوعية، ويتشابكا لخلق رؤية فنية إبداعية ذات أثر جمالى، يتجاوز فيه المتخيل من المادة الإبداعية لصنيعة شكل أو طريقة أو بناء أو صيغة. والرواية هى أحد الأشكال الأدبية الإبداعية المعتمدة على سلسلة من الأحداث يسردها الروائى واصفًا شخصياته الخيالية أو الواقعية لخلق حالة من الصراع بين أبطالها لتغذية الحبكة القصصية، وأحد الأسباب الرئيسية للمتعة بالرواية ذاك المتخيل السردى الذى يجعل المتعة مقترنة بالأحداث والشخصيات للوصول إلى المجهول فى خيال الروائى. ومفهوم المتخيل السردى فى الرواية شائك ومعقد حيث تعددية الدلالات، لذا يصعب تحديده، لكن المتخيل ينزاح عن الواقع ويتجاوزه كمًا وكيفًا، وقد يتلاءم معه أو يستلهم منه بعض الظواهر والأحداث. والحقيقة فى معية المتخيل السردى سبحن فيها خلال جلسات ملتقى الشارقة للسرد فى دورته الثامنة عشرة والتى انطلقت فى دار الأوبرا المصرية، وشارك فى هذه الجلسات نخبة من الروائيين والأدباء والمثقفين الذين أثروا تلك الأوقات بخبراتهم، وتفسيراتهم، وعطاءاتهم الفكرية والتى امتزجت فى رسم لوحات إبداعية فكرية متمايزة فى المحتوى، هادفة للمتعة التى تتحقق فى الغوص فى بحر الرواية ولتفعيل حراك ثقافي مقدر برعاية الشيخ سلطان بن محمد القاسمى حاكم الشارقة راعى الثقافة والمثقفين، وبحضور الدكتور عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة بالشارقة، والدكتور هشام عزمى أمين عام المجلس الأعلى للثقافة. تناول الملتقى جلسات فتحت الآفاق لمناقشات عدة لمفاهيم كإشكاليات الحداثة، السرد وأزمة الحضارة، الرواية بين المتخيل والواقع، تحولات البناء، والرؤية السردية فى الرواية النسائية. موضوعات أثارت الانتباه وأفسحت المجال للعقل النقدى باتساع الرؤى الفكرية حول طبيعة هموم السرد وتطبيقاته. إسهامات ثقافية وتنويرية حقيقية تقوم بها إمارة الشارقة المشرقة بما لها من رصيد وباع فى الوسط الثقافى العربى والدولى، يرسخ من دعائم المشروع الأكبر للمثقف الحكيم أبوالثقافة العربية وأبوالشارقة المصرى الهوى السلطان القاسمى، صاحب الإسهام الأكبر والعطاء الأعظم لاحتواء الفنانين والمثقفين وزيادة الاهتمام من خلال المهرجانات والمعارض والملتقيات والمسابقات التى تقيمها الشارقة فتنير العقول وتبصر القلوب. تعاون مثمر ومقدر بين الشقيقتين مصر والشارقة، ولتظل مصرنا الحبيبة قبلة لدعم ركائز التنوير والتثقيف لكل مبدع حقيقى يقصدها لينثر عبيره على هذه البسيطة.