دفعت الجماعات المتطرفة والمتأسلمة، وعلى رأسها جماعة «الإخوان» الإرهابية، عددًا من الشباب، للإلحاد - عدم اعتناق أى دين أو الاعتقاد بوجود إله - كنتيجة طبيعية لتشددهم ضد مخالفيهم ولجوئهم للعنف والإرهاب ضد الدولة, وتصديرهم صورة غير حقيقية لسماحة الدين و رحمته! دار الإفتاء استعانت بمؤشرات مركز «ريد سى» التابع لمعهد جلوبال فى عام 2017 لمعرفة عدد الملحدين فى مصر، والذى وصل ل 866 شخصًا، وهو الأعلى بين الدول العربية. وبحسب المؤشر العالمى للأديان والإلحاد بمركز «ريد سى» فإن 32.4 % من ملحدى مصر فى الفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة و36 % فى الفئة العمرية (25 - 34 سنة) و18.9 % فى الفئة العمرية (35 - 44 سنة) و9.2 % فى الفئة العمرية (45 - 54 سنة) وحوالى 2.5 % فى الفئة العمرية (55 - 64 سنة) و1 % أكثر من 65 سنة، وحسب أرقام ذات المركز فإن 73.8 % من الملحدين ذكور و26.2 % نساء. وقالت دراسة أمريكية صادرة عن مؤسسة «بورسنمارستلير» بنيويورك، بالمشاركة مع جامعة «إيسترن ميتشجان الأمريكية»، كشفت عن أن تعداد الملحدين فى بلدان الشرق الأوسط يتزايد باستمرار, مرجعة أهم أسبابه لسلوكيات الجماعات الإرهابية و الإسلام السياسى. «صباح الخير» تفتح ملف «الإلحاد» الذى عبر خلاله الشباب عدة محطات قادتهم للوصول إلى اضطراب فى مناهج الدين بعد معاناتهم مما رأوه من الجماعات المتطرفة، وفقًا لآراء عدد من المتخصصين فى شئون الإرهاب الدولى وعلماء الاجتماع. التطرف سبب الإلحاد منير أديب خبير شئون الحركات الإسلامية والإرهاب الدولى قال: إن وصول جماعة «الإخوان» الإرهابية، لسدة حكم مصر سابقًا كان سببًا فى أن تطفو ظاهرة «الإلحاد» فى مصر على السطح، ويثار حولها الجدل مرة أخرىمع أن المصريون ميالون للتدين على اختلاف فئاتهم. مؤلف كتاب «الإلحاد بين أفكار أصحابه وهجرة أتباعه»، قال: «حدث تمرد على كل شىء، على القيم الثقافية والاجتماعية، وتمرد على الأوضاع الاقتصادية، ولكن لم يكن هروب الناس من فكرة الدين المتسبب فيها سوى وجود المتأسلمين على رأس السلطة فترة ما. إن المتعارف عليه أن الشعب المصرى متدين بطبعه، فحدوث مثل هذا التمرد على الدين والخروج منه إلى الإلحاد وتزايد أعداد الملحدين كان السبب فيه التطرف الشديد فى الدين ووصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى الحكم». وتابع «منير» قائلاً: «زاد الأمر سوءًا انتشار العديد من الفتاوى السلفية التى تحرم تهنئة الأقباط بأعيادهم أو مناسباتهم، وفتوى تحريم الاحتفال بشم النسيم وغيرهما من الفتاوى التى جعلت فئة تكفر بهؤلاء المتأسلمين وما يؤمنون به، وقد واجهت شخصيًا نموذجًا لامرأة كانت متزوجة من سلفى ومنتقبة ووصل بها الحال الى الإلحاد، فعندما يرى المجتمع أن من يمثل الدين بهذه العقلية والتشدد حتمًا سنجد فئة منهم تبتعد عن الدين، وعندما يرى المجتمع المتأسلمين والمتشدقين باسم الدين يفجرون أنفسهم فى رجال الشرطة، الجيش أو الأقباط، فمن المؤكد أن فئة منهم سترفض هذا المفهوم الدينى المزعوم». احترام العقل حسام سمير طنطاوى، الباحث الشرعى قال: إن كل وسط هو فضيلة بين رذيلتين، مؤكدًا أن الإسلام الحقيقى هو الوسط بين رذيلتى التطرف والتشدد والإلحاد، لافتًا إلى أن «الإلحاد» هو مذهب فكرى ينفى وجود خالق الكون، واشتقت التسمية من اللغة الإغريقية (أثيوس atheos) وتعنى من دون إله. ويرجع «طنطاوى» سبب ظهور فئة الملحدين بسبب الفجوة بين الدعاة والشباب والخطاب الدينى الجامد والضعيف، الذى لا يتفهم قضايا الشباب وواقعهم، مطالبًا بأهمية أن يخاطب عقول الشباب. وتسببت هذه الفجوة بين الدعاة والشباب فى وجود فراغ روحى صحبه فراغ علمى، فى ضوء الشبهات التى تحاصر هذا الجيل من جميع النواحى - بحسب «طنطاوى». وطالب الباحث الشرعى أولى العلم والمسئولين بضرورة صياغة خطاب دينى يلبى حاجات العقل والقلب، ليتحول شباب الأمة من مجرد التقليد فى دينه إلى القناعة والفهم والوعى والطمأنينة التامة التى تجعله قادرًا على مواجهة المخاطر الفكرية بكل قوة وصلابة. حرية المعتقد د. ثريا عبدالجواد، أستاذ علم الاجتماع بقسم الآداب جامعة المنوفية، طالبت بضرورة التعامل مع ظاهرة «الإلحاد» بشكل علمى سليم، بعيدًا عن النظرة السلبية التى يتعامل بها الكثيرون مع «الملحدين»، لأن نبذهم والسخرية منهم ليس حلاً للمشكلة. وأرجعت أستاذ علم الاجتماع ظهور الإلحاد كنتيجة طبيعية لوصول جماعة «الإخوان» الإرهابية لسدة الحكم فى مصر، فالتشدد فى أمور الدين والبعد عن الوسطية، كان سببًا رئيسًا لهذه الظاهرة. وتؤكد «ثريا» أن الخالق سبحانه وتعالى كفل للجميع حرية الاعتقاد فى أكثر من موضع فى القرآن الكريم فقد قال فى محكم تنزيله «لكم دينكم ولىَ دين»، الأمر الذى يفرض علينا عدم الحجر على حرية المعتقد أو الإيمان بعقيدة معينة، فقد كفل للجميع حرية الاختيار والاعتقاد لكن حرية الاعتقاد التى كفلها الله للبشر لا بد أن تكون مسبوقة بفهم حقيقة الإسلام الحقيقى.