كتبت- خلود متولى وأسماء عز الدين وإنجى طه وأسماء محمود: أجمع خبراء فى علم الاجتماع والنفس والدين، أن انتشار ظاهرة الالحاد وزيادة معدلاته فى مصر فى الفترة الأخيرة، سببه الرئيسى التطرف والتشدد الدينى الذى شهدته الدولة فى السنوات الماضية، من قبل جماعة الإخوان. وأوضحوا فى تصريحاتهم ل «الوفد»، أن الإخوان والسلفيين وتبنيهم للعنف وجهلهم بكيفية تقديم الخطاب الدينى المتوازن بضوابطه، واعتمادهم على أسلوب الوعيد والتهديد والعنف والإرهاب، كان وراء نفور الشباب المتمرد بطبعه وابتعادهم وتخليهم عن دينهم. وتعتبر مصر الأعلى عربيا فى نسب الإلحاد، حيث إن بها 866 ملحدا، بينما فى ليبيا ليس بها سوى 34 ملحدا، أما السودان ففيه 70 ملحدا فقط، واليمن فيه 32 ملحدا، وفى تونس 320 ملحدا وفى سوريا 56 ملحدا، والعراق 242 ملحدا والسعودية 178 ملحدًا والأردن 170 ملحدًا والمغرب 325 ملحدًا، وفقًا لمركز «ريد سى» التابع لمعهد «جلوبال»، فى أكتوبر الماضي. قال الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، إن فشل جماعة الإخوان الإرهابية وتبنيهم نهج العنف والتطرف والقتل والإرهاب عقب ثورة 30 يونيو، يُعد سببًا رئيسيًا فى ارتفاع عدد الملحدين فى مصر، لاسيما فى ظل رفعهم شعار «الإسلام هو الحل». وأوضح «فرويز» أن أعضاء الجماعة كانوا دائمًا يرددون أنهم متوحدون مع الله، ويكفرون من يُعارضهم، وحينما أثبتوا فشلهم، أدى هذا إلى إحداث نوع من الاضطراب والاختلال فى عقول الشباب، ما أسفر عن اتجاههم للإلحاد. وأشار استشارى الطب النفسى، إلى أن الملحد فى العصر الماضى، كان يتجه إلى الإلحاد نتيجة القراءة المستمرة والمتواصلة فى مختلف الأديان والثقافات، إلا أنه فى الوقت الحالى ارتبط الأمر بالجماعة الإرهابية بشكل كبير، متابعا: «الاخوان ربطوا نجاحهم وفشلهم بالاسلام، ولما ثبت كذبهم اتجه الكثير من الشباب إلى الإلحاد». وأشار الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، إلى إن انتشار ظاهرة الإلحاد فى الفترة الأخيرة فى المجتمع المصرى، وظهور جماعات على الإنترنت تدعو إليه، يأتى نتيجة انتشار التطرف الدينى عقب فترة حكم الإخوان. وأضاف أن زيادة الالحاد يأتى معه زيادة التطرف الدينى، موضحًا أنه بعد قيام ثورة 30يونيو، انتشر الإلحاد كرد فعل على تصرفات الإخوان والسلفيين، الذين لا يقبلون ولا يتعاملون مع من يختلف معهم فكريا أو دينيًا، بالإضافة إلى التشدد الموجود من بعض القيادات الدينية. وقال «صادق» إنه فى الاربعينات من القرن الماضى كان هناك تسامح دينى، حيث صدر كتاب: لماذا أنا ملحد؟، يقابله كتاب للدكتور مصطفى محمود، لماذا أنا مؤمن؟، ولكن مع ظهور الجماعات الدينية فيما بعد انتشرت الظاهرة، ووضحت للمجتمع مع انتشار «السوشيال ميديا»، فنجد مواقع تحمل اسم «ملحدون فى مصر، والبطة السودا.. وغيرها» تحمل هذا الفكر وتدعو له. واعتبر الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق، أن الإخوان فى حبهم للسلطة، يشبهون كفار الجاهلية فى عبادتهم للأصنام، فكما كانوا يصنعون آلهتهم ويعبدونها، فهم أيضا يصنعون أميرهم ويسيرون خلفه ويطبقون مبدأ السمع والطاعة. وتابع «الأطرش» أن جماعة الإخوان الإرهابية، لا تعى خطورة الإمارة، و لو أنهم نظروا للدنيا والحياة بعين واقعية، لعلموا أن الإمارة ليست بالأمر السهل، حتى أن الصحابة فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا يهربون منها. وأوضح رئيس لجنة الفتوى الأسبق، أنه بالنظر إلى تصريحات الإخوان فى التليفزيون، أثناء اعتصامات رابعة والنهضة، وتصريحات البلتاجى عن التفجيرات والإرهاب فى سيناء، فهذا دليل على تعمدهم له وإعدادهم للعنف، لافتا إلى أن عنفهم، وتصدير مفاهيم خاطئة عن الإسلام، يعتبر من أهم أسباب زيادة نسبة الإلحاد فى مصر. وأشار رئيس لجنة الفتوى الأسبق، إلى أن هناك بعض الفضائيات، التى تناقش الإلحاد بشكل خاطئ، وفى ظل الفراغ الدينى المنتشر لدى الشباب، فمن الطبيعى أن يحيد البعض عن الإسلام، ويقتنعون بالأفكار الخاطئة، مما يزيد من أعداد الملحدين. كما شدد «الأطرش»، على أنه فى حالة الرغبة فى مناقشة قضية الإلحاد، أو أى قضية متعلقة بالدين ومفاهيمه، لابد من الرجوع إلى مجمع البحوث، وإذا أجاز المناقشة تتم و إن وجد أنها تتسبب فى بلبلة فكرية فيجب وأدها فى مهدها. وقالت الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن زيادة ظاهرة الإلحاد فى مصر فى الفترة الأخيرة، له عدة أبعاد، ومنه الخطاب الدينى المتشدد، الذى يُقدم من قبل غير المختصين، الذين يجهلون كيفية تقديم الخطاب الدينى المتوازن بضوابطه. وأوضحت أن الشباب بطبيعته متمرد، وعندما يأتى الخطاب الدينى بعدم فهم سيكولوجية المتلقى أو كيف يُصدر الخطاب الدينى بشكل يؤنس القلوب ويطيب النفوس ويحبب الإنسان فى دينه وعقيدته، فإنه يبعد عنه. وتابعت أن هناك بعض المنابر التى لا تعرف من الإسلام غير النار وعذاب القبر وقسوة الحساب واستخدام لغة التهديد والوعيد، وهذا أسلوب لا يرقى بمفهوم الإسلام، وبعيد تمامًا عن الضوابط النفسية والإنسانية التى يتحلى بها المنهج الإسلامى، مؤكدة أنه إذا وُجد التشدد الدينى المنفر المتوعد يوجد أمامه التنصل من الدين والإلحاد من قبل الشباب. وأكد الدكتور أحمد غباشى، الأستاذ فى تاريخ الجماعات الإسلامية، أن الابتعاد عن الدين هو أحد أهم أسباب انتشار ظاهرة الالحاد، مضيفاً أن الأفكار المغلوطة التى صدرها الغرب للدول العربية كانت دافع قوى للتوسع فى الفكر الإلحادي. وأضاف غباشى، أن الدول الغربية سعت كثيراً لهدم الدين الإسلامى، بالإضافة إلى إستقطاب فئة معينة من الشباب ضعيفى الإيمان، فى ظل عدم رقابة الدولة المصرية فى وقت من الأوقات، موضحاً أن جماعة الإخوان ساعدت فى تصدير أفكار خاطئة عن الدين الإسلامى للناس، خاصة الشباب خلال فترة حكمها، وبعد ثورة 30 يونية. وقال أحمد زغلول الباحث المتخصص فى الحركات الاسلامية، إن جماعة الإخوان كانت من أهم العوامل السياسية التى تسببت فى ارتفاع نسب الإلحاد بين الشباب فى مصر، نظراً لدعوتهم لأشياء معينة باسم الدين، وتطبيق شىء اخر يخالف الدين، وإعلاء مصالحهم الشخصية والسياسية على تعاليم الإسلام عبر الفتاوى الشاذة. وأضاف «زغلول» أن الانفصام الذى حدث بين شيوخ الإخوان والممارسات اليومية، أحدث فجوة بين النظرية والتطبيق، مما تسبب فى إلحاد الكثير من الشباب، الذين وجدوا العديد من التناقضات والأسئلة التى لم يجدوا لها أجوبة لدى المتصدرين للحديث باسم الدين والقرآن والسنة. وأفاد «زغلول»: ليس كل الشباب الملحد لديه أزمات نفسية أو ألحد نتيجة الشهوات، كما يصرح بعض الشيوخ، ولكن هناك حالة من التخبط بين الشباب ويجب توجيههم للطريق الصحيح، مشيراً إلى أن هناك بعض الأشخاص والجمعيات الدولية تروج للفكر الملحد. وتابع الخبير فى الحركات الاسلامية، أننا لا نستطيع أن نصنف «الإلحاد» على أنه ظاهرة، لأنه لم يتفش فى كل الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، لكنه حتى الآن محصور فى عدد صغير، ويمكن السيطرة عليه. وقال الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن انتشار ظاهرة الإلحاد، يرجع بشكل كبير إلى فشل جماعة الإخوان الإرهابية، التى قامت بتشويه صورة الدين الإسلامى، خلال فترة حكمها. وأوضح «كريمة»، ان الإخوان تلاعبوا بالشعار الدينى ولكنهم فشلوا فشلا ذريعًا فأساءوا الى الاسلام، لما كانوا يرتكبوه من ممارسات كارثية، خلال اقحامهم للدين فى السياسة. وقال الدكتور أحمد عبد الحميد، الباحث بمركز دراسات الفكر العربى، إن الإلحاد ظاهرة ناتجة عن التغيير والتحولات الاجتماعية التى تمر بها المجتمعات بعد أى ثورة، موضحاً أن الفكر الداعشى والسلفى والإخوانى هو أساس توغل تلك الظاهرة فى مجتمعاتنا. وأضاف «عبدالحميد» أن تمرد الشباب على المؤسسات التى لا تحتويهم يتبعه الفكر الملحد، نتيجة التناقضات التى يشهدونها، مستشهداً بالجماعة الإخوانية والسلفية، التى كانت تناشد الشباب بقضية معينة وتقوم بعمل عكس ما تطالبهم به. وتساءل «عبد الحميد»: كيف يستوعب الشباب هذا الفكر المتطرف ولا ينشق عن الإسلام ويبتعد عن الوسطية؟، متابعاً أنه من الطبيعى أن يحيد الشباب عن الدين ويلحد كرد فعل عكسى على ما يراه من تشوش. وطالب، بإصلاح الخطاب الدينى الإعلامى، وتبسيط المعلومات الدينية والثقافية، حتى نصحح مسار هؤلاء الشباب، وحتى لا تتفاقم الظاهرة أكثر من ذلك ويخرج الأمر عن السيطرة. وأوضح الدكتور أحمد عبدالله، مدرس الطب النفسى بجامعة الزقازيق، أن السنوات القليلة السابقة، شهدت قلقا وتوتر الكثير من الشعب المصرى، وتوارد أسئلة كثيرة على أذهانهم، متعلقة بالدين، بينما لم يجدوا لها إجابة. وأضاف «عبدالله» أن كلمة «هو كده»، التى اعتاد غالبية المصريون على سماعها عند السؤال عن كثير من المسائل المتعلقة بالدين، لم تعد مرضية عند الشباب الآن، خاصة فى ظل الانفتاح على العالم من خلال الانترنت، فبات كل شئ يفكرون فيه بقوة، ويحتاجون لإجابات مقنعة له، ولا يجدوها. وأشار «عبدالله»، إلى أن العنف الذى مارسته جماعة الإخوان، فضلا عن عنف الجماعات الإرهابية الذى بات جلياً للجميع عقب ثورة 30 يونية وإبان فترة حكمهم، مع رفع شعار الإسلام هو الحل، كل هذه عوامل ساعدت على انتشار الالحاد فى مصر بشكل كبير، ولكن لا يمكن أن نعدها السبب الأوحد لانتشاره، بينما ساهمت عوامل أخرى كثيرة، مؤكدا أن طريقة تناول المسائل الدينية ومناقشتها بشكل عام، أصبحت غير مقنعة وغير مرضية لكثير من الشباب، وانتشار الشيوخ الذين لا يبرزون يسر الدين، بينما يحولوه لقيود كبيرة، مع استخدام صيغة الترهيب وليس الترغيب، جعل الشباب يعزف عن الإسلام، ويقرر رفض كل القيود.