لكل ظاهرة تفسير لدى خبراء النفس والاجتماع، والصراعات التى تدور موسميا حول عبدالناصر ظاهرة ملحوظة كان لا بد أن نبحث لها عن تفسير. فكيف يجتمع الشيء ونقيضه فى آن واحد، ولماذا يسعى البعض لإثارة جدل حول شخصية ما طوال الوقت. دكتور حسن الخولى أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس يفسر خلافات المؤيدين والمعارضين لناصر المتكررة فى ساحات السوشيال ميديا بل فى الساحة الأكاديمية «أى زعيم أو شخص مشهور تظهر حوله العديد من الآراء وفقًا للميول الفكرية للبشر، لكن عبدالناصر أثار جدلًا أكثر من غيره نتيجة لأهمية فترته والأعمال التى حدثت فى عهده، فقد وضع اسم مصر عاليا فى الساحة الدولية وامتد تأثيره لحركات التحرر فى أرجاء العالم، لكن ما قام به ناصر فى الداخل المصرى مس مصالح الكثيرين من الإقطاعيين الذين نقموا عليه، وفى المقابل ظهرت الطبقة الوسطى التى تشيد به وتحلف بأيامه وهى الطبقة التى تخرج منها الجماهير المؤيدة حتى اليوم. ويكمل الخولى: من الطبيعى أن يهاجمه الذين أضر بمصالحهم، أما المستفيدون من قراراته ومع ذلك تشبثوا بالمعارضة يمكن أن نعلل تصرفهم هذا بأنه استقطاب واستجابة لدعاية ضده، فكان من الطبيعى أن يضعف بعض المنتمين لتلك الطبقة المتربحة من الثورة وقرارات ناصر وتنقاد لتلك الدعاية، «عمليات الاستقطاب تلك وتغيير الآراء نتيجة لدوافع وإغراءات موجودة بكثرة حول كثير من القضايا أبرزها الناصرية». يشرح الخولى: النظرة غير الموضوعية لحقبة ناصر امتدت حتى لأوساط المثقفين، الذين من المفترض أن يكونوا على وعى أكبر ويتناولوا الشخصية أيا كانت بما لها وما عليها، يوضح الخولى «من الممكن أن يتم استقطاب حتى المثقفين والأكاديميين، دول تنفق الملايين لتنشر «أبواق» لدعاية ما. فى عالم السياسة كل شىء وارد. وظاهرة الخلاف حول شخص بحجم عبدالناصر، هى ظاهرة موجودة فى العالم كله، تظهر العديد من الجماعات التى تسعى لإثارة الغبار والشكوك حول الكثير من الأحداث ولكل أغراضه ومصالحه». فجوة الشباب دكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس فى حوار مع صباح الخير ألقت الضوء على ظاهرة أخرى متصلة بخناقات مؤيدى ومعارضى الراحل من الشباب، أوضحت أن بعض الشباب الذى يهاجم دون هوادة وينظر للحقبة الناصرية من زاوية واحدة هو نتاج لما يسمى بالفجوة الثقاقية التى حدثت بعد عهده. فبعد أن كانت تلك السنوات تتسم بالاهتمام بالثقافة والتوعية وبث القيم عن طريق المجلات والأفلام وجميع الوسائل المتاحة، اصطدم الشباب بهوة انعدمت فيها مثل تلك التوجهات، أسفرت عن جيل ينقصه الوعى فأصبح يصول ويجول بلا ضابط أو قاعدة يرجع إليها. وتابعت «وطننا يمتاز بنسبة كبيرة من الشباب يحتاجون للتوجيه والإرشاد، كانت الحقبة الناصرية تهتم بهذا الجانب ونأمل أن يعود الاهتمام بهم أفضل مما سبق. انتهى الجيل الذى تربى على أفلام المقاومة والوطنية وأتى جيل آخر يتابع أعمالا لا تحتوى قيما تغرزها فيه، ولذا كانت النتيجة الطبيعية أن ينشأ ليكون معرضا للانجذاب لأى صراع غير موضوعى كصراع ناصر». أكدت خضر على أن رجال الثورة قاموا بجهود جبارة من أجل الشعب، فنشأ حب الثورة وحب ناصر فى قلوبهم وشابوا عليه. الجدل للطمع الصراعات التى قد تحمل طابعا عدوانيا وتتطور للسب والقذف أحيانًا لم تخل من الموقف، وهو ما تناوله دكتور هاشم بحرى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر بقوله.. كون عبدالناصر شخصية تاريخية تحمل ميزات وعيوبا، يتفق البعض على حبه ويختلف البعض هو أمر طبيعى وصحى، كل شخص حر فى مواقفه لكن تقف حريته عند السب والقذف البعيد عن الموضوعية وأدب الخلاف. كل من قرأ تاريخ عبدالناصر يدرك أن حقبته كانت صعبة على مصر بين احتلال واستقلال وموقف عربى وإفريقى ودولى، فقد قام بالعديد من الحركات التى يكون عدم نجاحها قصة كبيرة يجب أن نأخذ أبعادها بعين الاعتبار. تدخلت العديد من الظروف من ضمنها حالة عدم النضج السياسى، فقد كانت أهدافه عبقرية بخستها آلية التنفيذ حقها. وهو من أهم الاعتبارات التى ينساها المعارضون لأجل المعارضة فقط، ويستمرون فى خلافاتهم التى لا تأتى بجديد. أضاف هاشم «إذا قرأ الناس التاريخ بشكل كامل من أول قيام الثورة وظروف البلاد حينها، لتوصلوا للتناول الموضوعى لناصر وحقبته، لكن ما يحدث هو أن يقتطع البعض جزءًا معينًا من حياته مثل حرب اليمن فينظر له على أنه شيطان، ويمكن أن يرى البعض موقفه من إصراره على إلحاق أولاده بالمدارس الحكومية فيراه ملاكا، لكن التاريخ ليس مقطعًا بل فترة طويلة وشاملة فلا يمكن أن نحكم على شخص من يوم واحد فى حياته. وأرى أن الجدل السفسطائى ناتج عن اقتطاع حدث واحد فى حياة أى زعيم أو رئيس وإغفال الباقى، ومن يحبون الجدل يميلون لتلك النظرة». البعض يذهب لتلك الجدالات حول ناصر على ساحات السوشيال ميديا لجذب المتابعين وإثارة الضجة، وهى شخصيات سيكوباتية نكرة تسعى للنجاح دون بذل مجهود، وهى أحد إفرازات الاشتراكية فقد تعود الناس على بعض التصرفات مثل الواسطة والمحسوبية والنفاق ووظائف الحكومة التى تورث، وهو واضح فى فيلم مثل أرض النفاق الذى سلط الضوء على تلك الظاهرة. لذا تعودوا على أن تلك الجدالات لجذب الانتباه تنجح وتضمن الوصول، وهو ما نراه أيضا فى محتويات السوشيال ميديا المثيرة للجدل. ناحية أخرى، هى وجود بعض أفراد الطبقات الفقيرة التى استفادت بشكل مباشر من قرارات ناصر، ومع ذلك أصرت على الذم ونكران الجميل هو نتيجة للطمع فى امتيازات أخرى، فقد كان التصرف بوهب الأراضى للفلاحين بلا أى مجهود هو مثل من أعطى السمك لرجل دون أن يعلمه الصيد.