كان ولا يزال السد العالى رمزًا للإرادة الوطنية الحرة والعزيمة وتكاتف الشعوب فى وجه الاستبداد، فضلًا عن أهميته المادية فى قطاعات الصناعة والكهرباء والزراعة والسياحة وحماية البلاد من الجفاف والجوع والظلام. ربما يرى البعض أن السد تسبب فى قلة خصوبة الأراضى بسبب حرمانها من طمى الفيضان وربما يؤدى لتعريض الدلتا لخطر الغرق، لكن على الصعيد الآخر وقف حائلاً بيننا وبين مجاعة أثرت على باقى دول حوض النيل أثناء أزمة الجفاف التى طالت دول أفريقيا ووادى النيل خاصة خلال السنوات العشر من 78-87. فى حواره مع صباح الخير يشرح د. هانى رسلان مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية لشئون السودان وحوض النيل: «السد العالى من أهم المشروعات التى تمت فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وهو مشروع استراتيجى غير مسبوق، رغم كثرة الجدل ومحاولات التقليل من شأنه إلا أنه قد ثبتت جدواه خاصةً أثناء سنوات الجفاف بالثمانينيات التى تجاوزناها باستخدام مخزون المياه فى بحيرة ناصر. لولا السد العالى لتعرضت مصر لمجاعة هائلة نتيجة لبوار الأراضى الزراعية ومن ثَمَّ فقدان قطاع كبير من السكان لمصدر دخلهم، وكانت النتيجة الحتمية لمثل هذه الأزمة هى كارثة اقتصادية وزعزعة الاستقرار الاجتماعى والسياسى إضافةً إلى خسائر أخرى لن تتوقف عند البعد الاقتصادى بل ستمتد لكل قطاعات الدولة». مخزون البحيرة سيمنحنا الوقت الأزمة قد تتكرر مع بدء ملء سد النهضة الإثيوبى والذى سيؤثر بالطبع على حصة مصر والسودان من مياه النهر، ويترك كلتا الدولتين أمام خطر الجفاف أو الغرق إذا ما انهار السد الإثيوبى، كما يشرح رسلان قائلاً: «مرة أخرى نواجه مخاطر استراتيجية بسبب بناء سد النهضة الإثيوبى والتحكم فى مياه النيل، ولولا السد العالى لكان من المرجح أن نتعرض لنفس المصير الذى حال بيننا وبينه السد فى ثمانينيات القرن الماضى. السد العالى سد ضخم يحتجز خلفه أكثر من 100 مليار متر مكعب من المياه وهو أيضًا سد بالمعنى الحقيقى ضد المخاطر التى تحيط بمصر، خاصةً وأن اعتمادنا على مياه النيل مرتفع جدًا يصل لنسبة 95 % أو أكثر وبالتالى السد العالى هو الذى يقف أمام خطر سد النهضة. إذا لم يكن السد العالى قائمًا لكنا الآن نواجه خطرًا ماحقًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بالتالى أصبح الآن جزءًا من الأمن القومى المصرى وصمام أمان لها. المياه المخزنة فى بحيرة ناصر ستحمينا من مجاعة مائية أثناء ملء خزان سد النهضة الذى سيستنزف 75 مليار متر مكعب على الأقل خلال خمس سنوات. الخطر الأكبر سيهدد قطاع الزراعة لأن الاستخدامات الأخرى من مياه الشرب وغيرها تمثل نسبة ضئيلة من احتياجات مصر المائية حوالى 8% والصناعة أيضاً هكذا لكن الباقى تمثله الزراعة. تلك المجاعة التى كان من الممكن حدوثها سيمتد تأثيرها ليسبب بوار الأراضى وزحف السكان على المدن والذين لن يتمكنوا من كسب قوت يومهم لعدم تمكنهم من المهارات الفنية، وبالتالى ستسود حالة من عدم الاستقرار وستبتلع تلك السلبيات كل عوائد التنمية لدعم 6 ملايين أسرة مهددين بفقد أرزاقهم، لأن أمام كل 15 مليار يخرج 3 ملايين فدان من الخدمة». الاحتفال الحقيقى هو أن نعترف بفضائل السد العالى على مصر الاحتفال بالمشروعات القومية هو سنة لا تفوت منذ افتتح الخديو إسماعيل قناة السويس وشهدت البلاد بذخًا لم تشهده من قبل بتكلفة 2 ونص مليون جنيه فى زمن كان للجنيه فيه شنة ورنة، لكن الاحتفال ينتهى وينفض المولد ويبقى الأثر وهكذا يرى رسلان تصورًا آخر للاحتفال بمشروع استراتيجى مهم كالسد العالي: «الاحتفال الحقيقى بالسد هو أن تخرس الألسنة ويعلم الناس أن أفضال السد الآن على مصر أكثر من أن تُحصى، يجب أن يأخذ الاحتفال مظهر تعريف الناس بالسد وفوائده وما وفره لمصر من حماية وأمان. فوائد السد كثيرة أهمها ما يوفره من فرص عمل، وفضله فى تحويل نظام الرى فى مصر من الحوضى للرى الدائم وزيادة الرقعة الزراعية. كما وفر المياه ليتاح لنا استخدامها فى أوقات الشُح المائى. توليد الكهرباء فائدة أخرى عظيمة كان لها كبير الأثر على الريف المصرى الذى كان بأكمله يعيش فى الظلام ولم تدخله إلا من خلال السد العالى، وكان لهذه النقلة آثار اجتماعية وثقافية وتنموية هائلة، من خلال التعريف بكل ما سبق يكون الاحتفال الحقيقى». عن السد والبحيرة • زود السد بأجهزة قياس حديثة تقيس أى حركة فى جسمه و8 محطات هيدرو مناخية على طول بحيرة ناصر لقياس البخر ودرجة الحرارة والرطوبة، بالإضافة الى وجود مركز زلازل السد العالى والذى يقوم برصد أى حركة فى السد العالى على مدار الساعة. • خلال الاحتفال بعيد السد ال48 تم افتتاح معرض خاص بالمعدات التى شاركت فى بناء السد العالى فى المتحف المفتوح أمام رمز الصداقة المصرى الروسى.