اعتاد الثلاثة عشر فردًا من نفس العائلة على الاجتماع بكل موسم وعيد ومناسبة تخص أى منهم، هذه المرات التى ينتظرونها كى يرفهوا عن أنفسهم ويجلسون سويًا لسرد حكايات الأصدقاء والعمل، خاصة خلال شهور الصيف، فيوليو وأغسطس وسبتمبر هى شهور أعياد ميلادهم جميعًا، يحضرون بها الحلوى والعصائر، وتزين منازل صاحب المناسبة بالبالونات وفروع الزينة والأنوار معبرة عن فرحتهم وكأنها احتفالًا بزواج. يجلس السبعة شباب الذين لا يفترقون بأى مناسبة منذ صغرهم، ليسترجعوا ذكريات الطفولة والمراهقة وحكايات مصايفهم القديمة وألعاب صغرهم، يجاورهم آباؤهم بحكاياتهم العائلية والنقاش بمشكلات العمل وآخر مستجداته لدى كل منهم، ولكن.. هل غير كورونا هذه العادة وفرق اجتماع العائلة؟ منذ أكثر من أربعة أشهر أصبحوا لا يرون بعضهم إلا لمواساة أحد أفراد عائلتهم بمناسبة لديه وفراق حبيب، تلك المقابلات القهرية المعدة كواجبات مقدسة لابد من التواجد بها، وغابت معالم وجه كل منهم عن الآخر لرؤيته لأخيه وأولاده بكمامة لا تظهر سوى عينيه، وبعدما كانوا يلتقون بالأحضان فى كل تجمع عائلى، أصبح سلام الأيادى ممنوعًا، وغير مسموح بالتقارب حتى أثناء السير بالشوارع. لكن واحدة من شباب العائلة لم تقتنع قط بهذه السلوكيات الجديدة ولم يرق لها هذا الافتراق، لتبدأ فى ابتداع مقولتها بينهم جميعًا «كورونا مايدخلش بين صلات رحم». كانت هذه وجهة نظر مريم الأمير، خريجة إدارة الأعمال، وصاحبة ال27 عامًا، بعد أن امتنع الجميع عن رؤية بعضهم البعض، خاصة بشهر رمضان الكريم، فهى المرة الأولى التى لا تجتمع عائلتها الكبيرة على مائدة طعام واحدة باليوم الأول من شهر رمضان منذ فتحت عيناها على الدنيا، وتوالت أيامه ولم يبادر أى من الكبار بدعوة الآخرين للاجتماع بمنزله وتناول الإفطار معًا كما اعتادوا كل عام. حرمت هى من بهجته، بعدما أغلقت كل أسرة عليها بابها، إلى أن أتى عيد الفطر واجتمعت كل أسرتين بحذر بعد افتراق دام أكثر من ثلاثة أشهر، لكنه كان اجتماعًا فاترًا رغم فرحة الجميع به، فلم يكن هناك سلام بالأيادى وبين كل فرد وآخر مسافة. لكن مريم لم تحتمل ذلك وبدأت بالدخول عليهم بأيام العيد ملقية السلام على الجميع، مهرولة إلى عماتها لاحتضانهن وتقبيلهن ببهجتها وضحكاتها التى اعتادها الجميع، وعند قول أحدهم «خلينا نسلم من بعيد الفترة دى» ترد «كورونا ما يدخلش بين صلات رحم»، ليأتى عيد الأضحى المبارك ويتخلى الجميع عن عاداته، فلم يكن هناك ارتداء للكمامة بالتجمع المعتاد، واكتمل العدد بعد صلاة المغرب وتناول الإفطار يوم وقفة عرفات، ليتقابل الجميع بالقبلات والأحضان غير مكترثين بهذا الوباء اللعين الذى فرق الأحباب ومنع الأقارب من التواجد سويًا بأى مناسبة.