لأطقم الطبية بقيادة الأطباء تخوض حرب ضروس ضد فيروس «كورونا».. لذلك صفقت لهم شعوب العالم.. فى الحروب التقليدية تزود الجيوش عن حدود الدول، ووحدة وسيادة أراضيها.. فى الحرب ضد «الوباء» تدافع «الجيوش البيضاء» عن حياة البشر.. منظمة الصحة العالمية رصدت إصابة 22 ألفا من الأطقم الطبية فى 52 دولة ب«كورونا» حتى 10 مايو.. إيطاليا أعلنت وفاة 120 طبيبا و30 ممرضا جراء الإصابة ب«كورونا» حتى منتصف أبريل، وإسبانيا 133 طبيبا.. أطباء العالم يقضون أوقات راحتهم على أرض المختبرات، وفى طرقات المستشفيات، وقد ينامون ساعات قليلة على مقاعدهم.. االطبيب الصينى «لى وينليانغ » الذى حذر من انتشار «كورونا» ديسمبر 2019، توفى فى فبراير الماضى، جراء إصابته بسكتة قلبية، بعد عمله ل10 أيام متواصلة، دون أن يتمكن من نيل قسط من الراحة، أو العودة لمنزله.. كل دول العالم المتقدم عانت من انهيار المنظومة الطبية، رغم ذلك كانت نقابات الأطباء فيها جزءاً من الدولة، لم يخرج منها أحد ليشكو من قصور، أو يحرض على الإضراب، فهى تعى دورها الوطنى، وتقف بخندق الدولة.. فى مصر عدد المصابين ب«كورونا» من الأطقم الطبية 685، من ضمنهم 291 طبيبا، عدد شهداء الأطباء 19 فقط، لكن النقابة حاولت توظيفهم لأهداف مشبوهة.
الأزمة
الدكتور وليد يحيى عبدالحليم بمستشفى المنيرة العام كان الشهيد رقم 16 بين الأطباء، لم يحظ أياً من ال15 الذين سبقوه، أو الثلاثة الذين لحقوه، بمثل ما حظى به من اهتمام إعلام المؤامرة فى الدوحة واسطانبول، وذلك لسببين: الأول.. أنه عقب الوفاة نشر أحد الأطباء بمستشفى المنيرة استقالة لم يتقدم بها فعلياً على صفحته على الفيس بوك، وحاكاه طبيب آخر بمستشفى بالشروق العام، وذلك بحجة عدم توفير المستلزمات الطبية والوقائية.. الغريب أن يخرج أمين عام نقابة الأطباء ليحذر من المزيد من الاستقالات!!، ويتهم وزارة الصحة بالتقاعس عن القيام بواجبها فى حماية الأطباء.. متجاهلاً أن الطبيب الأول من أصل فلسطينى، يسب مصر فى كل مناسبة بأبشع الألفاظ، ولا يتوانى عن التشفى فى أى مصيبة تحل بها، وعلى صفحته الشخصية صور توثق علاقته الوطيدة بجماعة الإخوان الإرهابية، ومشاركته فى اعتصام رابعة.. الثانى.. أنه بالرجوع إلى صفحة الطبيب المتوفى نفسه نجدها أيضاً تقطر كراهية وعداء للدولة والجيش والرئاسة.. لا نريد أن نزيد هنا، فهو بين يدى الله، الذى نأمل أن يستقبله وقد قدم رحمته على عدله.. اهتمام إعلام الإخوان بالقضية إذن له ما يبرره، على الرغم من أنه لم يتقدم أى من أطباء مصر الشرفاء «وعددهم 200 ألف» بالاستقالة، بل استنكروا أى دعوة لذلك، واعتبروها انسحابًا من المعركة، وهو درب من الخيانة.
دور النقابة
نقابة الأطباء أصدرت بياناً حمَّل وزارة الصحة المسئولية الكاملة عن ازدياد حالات الإصابة والوفيات بين الأطباء نتيجة تقاعسها وإهمالها فى حمايتهم، واصفة التقصير بأنه يصل لدرجة جريمة القتل بالترك!!.. بيان نقابة الأطباء انطوى على خطورة بالغة.. إذ بدأ بجملة تفتح الباب للعصيان، دون مراعاة لظروف الدولة وقدرات المنظومة الصحية، إذ ناشد الأطباء بعدم العمل بدون توفير الحماية الكاملة لهم.
نقابة الأطباء خضعت لسيطرة الإخوان مدة ثلاثة عقود، تبوأت خلالها قيادات التنظيم المسئولية داخلها؛ عبدالمنعم أبو الفتوح، عصام العريان، حلمى الجزار، وأنور شحاتة.. لم تتحرر النقابة منهم بصورة جزئية سوى 2013، ولذلك فلا غرابة من أن تصدر عنها مواقف يشْتم منها دائماً رائحة الخطاب السياسى للإخوان.. عندما تنفذ الجماعة خطة مضادة للدولة، وتكون هناك عضوة منتخبة ومؤثرة داخل مجلس النقابة، متزوجة من عضو بالجماعة، وكريمتها على قناعة بعقيدتهم، ومتزوجة من قيادى إخوانى، فماذا ننتظر غير أن تلتزم هذه العضوة بتوجهات الجماعة، وأن تكون مواقفها ضد الدولة، وذلك إلى حد دعوتها عام 2016 صراحة إلى عدم علاج مصابى الشرطة من الضباط والأفراد فى المستشفيات الحكومية.. هذا يعنى شيئاً واحداً، هو أن على الأطباء أن يختاروا مستقبل مجلس نقابة يناسب احتياجاتهم المهنية، وأن يتخلصوا من عناصر التسييس والتحريض.
تحقيقات الوزارة
الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة شكلت لجنة تقصى حقائق وفتحت تحقيقا عاجلا وفوريا فى واقعة وفاة الطبيب وليد يحيى وذلك للوقوف على أبعادها، وقد أكد التحقيق أنه بتاريخ 18 مايو 2020 ارتفعت حرارة المذكور فتم إجراء مسحة له فى نفس اليوم، ظهرت نتيجتها إيجابية للفيروس، وتم إعطاؤه العلاج اللازم طبقاً للبروتوكول العلاجى.. لكنه حضر إلى مستشفى المنيرة بتاريخ 22 مايو 2020 نتيجة معاناته من آلام بالصدر وضيق بالتنفس، وتم حجزه بالمستشفى فى نفس اليوم.. ثم تم نقله إلى مستشفى مدينة نصر للتأمين الصحى صباح يوم السبت 23 مايو للاستفادة من التجهيزات الخاصة بها، والتى تناسب الحالات المتدهورة، حيث تم إعطاؤه الأدوية اللازمة طبقا لبروتوكولات العلاج المتبعة، إلا أنه حدث توقف فى عضلة القلب ولم يستجب لمحاولات الإنعاش القلبى الرئوي، ووافته المنية صباح يوم الأحد 24 مايو 2020.. التحقيقات أكدت وجود بعض أوجه القصور الإدارى فى التعامل مع الحالة داخل مستشفى المنيرة، والدولة حريصة على تحديد المسئول عنه، واتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية بكل شفافية.
خلفية الأزمة
النقابة منذ بدأت جائحة «كورونا» وهى تتنمر للوزارة.. تحفظت على سلبيات القرار الإدارى رقم 1 لسنة 2020 والخاص بتقسيم العمل بين أطباء العزل إلى مجموعتين أو 3 تعمل بالتناوب، على أن تعمل المجموعة الواحدة لمدة 15 يوماً بدون انقطاع، وتلتزم المجموعة الثانية بالعزل الذاتى دون مخالطة أى عنصر بشري، وقد تساءلت النقابة عن كيفية انقطاع عضو الفريق الطبى عن الحياة العامة وعن رعاية أسرته طوال فترة غير معروف مدتها، وليس معروفاً كيف سيعيش ويقضى حياته خلالها، وكيف سيعول أسرته البعيدة عنه، كما اعترضت على أن من يثبت إصابته بالعدوى أثناء فترة العزل الذاتى لمخالفته قواعد العزل يتم منحه إجازة إجبارية لمدة أسبوعين، واتخاذ الإجراءات التأديبية نحوه لتأثير ذلك على سير العمل!!، النقابة رأت قى ذلك رسالة سلبية بالغة السوء لجنود يخوضون أقوى وأشرس معركة، لكنها لم تحاول أن تفتح حواراً مهنياً مع الوزارة لتصحيح ما تراه من أخطاء، والوزارة تعالت على الرد، وتركا الكرة تدور وتتضخم.
وزارة الصحة تقدمت فى 8 فبراير ببلاغ رسمى للنائب العام ضد النقابة، متهمة إياها بالسعى لإفشال جهود الوزارة فى الارتقاء بالمستوى التعليمى والمهنى للأطباء، من خلال إثارة وتحريض أعضائها على عدم الاستجابة لمناشدتها بالتقدم لتلقى التدريب على كيفية التعامل مع أى حالات محتملة للإصابة ب«كورونا» ونجاحها فى التأثير على بعض المتدربين؛ ما تسبب فى تراجع البعض عن الموافقة على الالتحاق بالحجر الصحى المخصص للعائدين من دولة الصين، بعد انتهاء التدريب، وهو ما كان من شأنه إهدار المال العام وضياع مخصصات التدريب هباء، فضلاً عن نجاحها فى منع نحو نصف دفعة سبتمبر 2019 من التسجيل فى برنامج الزمالة المصرية.
النقابة ظلت تتربص بالوزارة؛ فى 11 مايو تم تسريب خطاب نقيب الأطباء، ونقيبة أطباء القاهرة، بشأن مطالبتهما بفرض حظر شامل فى البلاد للسيطرة على انتشار العدوى ب«كورونا».. هذا الخطاب فجّر أزمة داخل المجلس، نتيجة تجاهل النقيب له وإصداره دون علم الأمين العام للنقابة، أو توقيعه، وكذلك دون تصويت أو موافقة المجلس أو هيئة المكتب عليه.. وفى 13 مايو تحدثت نقابة الأطباء عن «تفاقم مشكلة التأخير فى نقل الأطباء وأعضاء الفريق الطبى المصابين إلى مستشفيات العزل»، وخاطبت الرئيس عبد الفتاح السيسى ل«تخصيص مستشفى لعزل الأطباء وباقى أعضاء الفريق الطبى» ، وهو ما تمت الاستجابة له بالفعل.. كل الطلبات المنطقية بدوافع مهنية مقبولة، إلا ما يحركه الهوى وتتلاعب به السياسة.
مؤامرة الإخوان
الإخوان منذ أن أجج مسلسل «الاختيار» فى رمضان الروح الوطنية، وكشف دورهم فى خيانة الوطن، وهم يبحثون عن وسيلة للفت الأنظار إلى اتجاه آخر، ويبدو أنهم وجدوها، فى تلك المقارنة بالغة السخافة، بين فنانة كبيرة وطبيب شاب أصيبا بفيروس «كورونا»، ولكن فرض كبر سن الفنانة وشهرتها الواسعة أن يكون التجاوب أكثر سرعة.. وقد استند ذلك الطرح على سخافته إلى توجيهات مكتب إرشاد الجماعة فى اجتماعه بتاريخ 19 مارس 2020، الذى تعلق بالعمل على توظيف تفشى وباء «كورونا» فى خلق حالة من الارتباك داخل الدولة، تعتبرها الجماعة «فرصة لتوحيد الصف، والإجهاز على النظام»!!.. وركزت على «تنشيط الدعوات بين المواطنين بعدم الاستجابة لدعوات المكوث بالمنازل حتى يتم إرباك النظام وإفقاده السيطرة على مفاصل الدولة، وتبنت الجماعة خطة لنشر الخوف والقلق من تفشى الوباء، لتعزيز حالة الهلع التى تنعكس على الأسواق والسلع والمنتجات الغذائية الرئيسية، وذلك لإفقاد النظام القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية».. هكذا يتصرف الخونة داخل قطاعات الدولة لاستثمار أزماتها.
الرعاية التركية
موقع «تركيا الآن» كشف دور المخابرات التركية فى محاولة إشعال الفتنة بين أطباء مصر، استغلالاً للأزمة العالمية الناتجة عن انتشار «كورونا».. الخطة التركية يتولى تنفيذها الدكتور يحيى موسى المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية فترة حكم الإخوان، الهارب لتركيا، المتورط فى قضية اغتيال النائب العام، واستهداف الكنيسة البطرسية بالكاتدرائية المرقسية المصرية وكنيستين فى طنطا والإسكندرية.. يشاركه فى تنفيذ الخطة مستشار الرئيس التركى ياسين آقطاي، والإعلامى التركى الموالى للنظام متين توران مراسل قناة «TRT» التركية الحكومية، الذى سبق القبض عليه خلال أحداث رمسيس ومسجد الفتح 16 أغسطس 2013.. الخطة تعتمد على تحريك بعض العناصر التابعة أو المتعاطفة مع الجماعة، للمشاركة فى تحركات على الأرض، بهدف افتعال مشاكل بمراكز العزل الصحي، وتنشيط دور اللجان الإلكترونية للعمل من خلال وسائل التواصل الاجتماعى على التشكيك فى أداء وزارة الصحة، وتحريض نقابة الأطباء من خلال عناصرهم، وكذا الأطباء بصورة فردية ضد الوزارة. التحقيقات أثبتت وجود جوانب قصور فى الأداء، وهذه الجوانب عادة تمثل الثغرات التى تنفذ منها المؤامرات الداخلية والخارجية.. تصحيح الأوضاع الذى تم، كان تنفيذاً لتوجيهات الرئاسة، ولكن عندما كانت الأزمة مشتعلة، وقنوات الإخوان فى الدوحة واستانبول تقوم بتوظيفها ضد مصر، كانت الوزارة وإعلامها فى غياب تام.. الوزير ممثل للحكومة.. والمتحدث الإعلامى ناطق بلسان الوزارة، وعندما يغيب الاثنان فى أزمة كهذه فالدولة تصبح فى أمس الحاجة لتنصيب من يملأ الفراغ.
الطرف الثانى من الأزمة النقابة، وهى تدار بصورة فردية، ما يخضعها للهوى، مهمتها الأولى حالياً تصيّد وإبراز جوانب قصور الوزارة، لكنها لم تفكر فى طرح أى تصور للمعالجة، لأنها لم تدع لعقد اجتماع واحد للجنة آداب المهنة لإجراء تحقيق قبل إصدار بيان.. قصور النقابة على هذا النحو يفقدها المصداقية، ويضفى على مواقفها صبغة سياسية.. أما على الصعيد المهنى فقد هاجمت النقابة برامج تدريب الوزارة، وحرضت ضدها، دون أن تؤدى دورها فى الارتقاء المهنى، حيث لم تنظم مؤتمرا أو ورشة عمل واحدة تضم خبراء المهنة حول الوباء وأنسب البروتوكولات العلاجية له، ومدى الحاجة لإدخال أى تعديل على البروتوكول المعمول به حاليا.
وأخيرا، فقد قصرت النقابة فى تنظيم الأمور الاجتماعية والخدمية لأعضائها، ويكفى أن مشروع العلاج بالنقابة هو الأسوأ بين كل النقابات المهنية، ثم تخاطب الدولة للنظر فى صرف تعويضات للمصابين بالفيروس، رغم أنها نقابة غنية وقادرة على أداء هذا الدور بكفاءة.. استقيموا يرحمكم الله.
خاتمة:
بعد الانتهاء من كتابة المقال، وتماثله للطباعة، بادر د.مصطفى مدبولى رئيس الوزراء باستقبال د.حسين خيرى نقيب الأطباء، بحضور د.عوض تاج الدين مستشار الرئيس للصحة والوقاية.. بدبلوماسية وإدراك واع بأبعاد الظروف الراهنة التى تمر بالوطن، وأولويات أمن مصر القومى، تمكن مدبولى من نزع فتيل الأزمة، بالتأكيد على حق جيشنا الأبيض فى الحماية من العدوى، وتوافر المستلزمات الوقائية.. وأكد مدبولى على أهمية التوسع فى إجراء تحاليل PCR للطواقم الطبية، وتخصيص أماكن لعزل الأطباء فى كل مستشفى، وشدد على حتمية تجاوز عراقيل الروتين والمعوقات المخزنية، وأبدى استعداده للتدخل الشخصى لحل شكاوى النقابة، تجاوزاً لأزمات لا موضع لها فى ظروفنا الراهنة.. وكشف رئيس الوزراء عن أن صندوق مخاطر أعضاء المهن الطبية الذى أعلن عنه الرئيس عبد الفتاح السيسى سيتكفل بمعاملة الأطباء المتوفين معاملة الشهداء.
الكفاءة السياسية لرئيس وزراء مصر، مكّنت من احتواء المواجهة بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة، والوقوع فى فخ المؤامرة التى حركها الإخوان ودعمتها تركيا.. اللهم احفظ مصر.