أقامت الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة يوم الأربعاء الماضي احتفالية كبري لتكريم بعض رموز الثورة ودعت إليها عناصر من رجال الجيش لتكريمهم تقديراً لدورهم في حفظ أمن الوطن واستقراره كما دعت عددا من أسر الشهداء الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الحرية للاحتفال معهم بها أنجزه أبناؤهم الأبطال، وأيضا لحث الموجودين علي المساهمة في بناء مصر من جديد. وقد حرصت الكنيسة الإنجيلية علي إقامة القداس أكثر من مرة في قلب ميدان التحرير خلال أيام الثورة. وبدأ القس سامح موريس راعي الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة الحفل بتقديم التحية والشكر لثوار التحرير، وكل من ساهم في إحداث هذا التغيير، وقال لسنوات طويلة والكنيسة ترفع العلم وتصلي بانتظام لأكثر من عشر سنوات كنا نطلب خلالها من الرب توفير حياة كريمة تملؤها الحرية والكرامة، وهذا ما حدث بفضل ثورة الحرية التي تحققت بها مطالب وآمال كثير مادعونا الرب لتحقيقها. فقام الموجودون بالكنيسة بالتصفيق الحاد الذي تبعته لحظات تسبيح وابتهالات وترانيم يشارك فيها كل الحضور فقالوا بصوت عالٍ: - ملك الملوك وجلالك مالي الوجود حوالينا وجبال بتدوب قدامك اسمك عالي يا فدينا دي الأنهار بتصقف لك كل الآلات تعزف لك ويارب بكلمة منك كل الملوك تخضع لك إنت عالي.. فوق كل اسم مهما يكون عالي.. فوق السحاب ومالي الكون عالي.. ما تشوف ملكك كل العيون وبعد انتهاء الترانيم قال القس موريس إن الهدف من الاحتفال هو التعبير الصادق عن تقدير الكنيسة للشباب الذي شارك في التغيير. وأضاف موريس: يوم السبت 12 فبراير احتفلت الكنيسة احتفالاً كبيراً عبرت فيه عن فرحة أبنائها ببداية شعب لحياة جديدة نبدأ فيها بالبناء القائم علي أسس من الكرامة والمحبة والتسامح، ولكن شعورنا بعدم كفاية هذا الاحتفال كان سبباً للتفكير في إقامة احتفال آخر لتقديم كلمات الشكر والتكريم لكل من ساهم في ثورة الحرية. وأوضح موريس أن هذا الاحتفال ليس مشهدا سياسيا لإيماننا في الكنيسة بأهمية الفصل بين الدين والسياسة لكن هذا لا يمنع كل فرد في هذا البلد من المشاركة في العمل السياسي كل تبع إتجاهه فخرج الناس في المظاهرات كل شخص يعبر عن موقفه السياسي دون إملاء من الكنيسة عملاً بمقولة (المسيح أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله). وقال موريس في تقديم الاحتفال أن المسيحية تحثنا علي حب الناس جميعاً كحب النفس، ولذا ليس لنا أعداء أو خصوم كما أن الكنيسة تدعونا إلي الإيمان بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، والإيمان الحقيقي بالمبادئ والأفكار التي يقنع بها الإنسان، والدفاع عنها كما تحثنا علي حب الآخرين والتعبير العملي لهم عن هذا الحب، وهذه أشياء قامت عليها الثورة، ودعا إليها الثوار في مطالبهم، فنجحت ثورة الحرية. وقال موريس عندما أغلقت الكنيسة بسبب وجود الثوار في ميدان التحرير ذهب شباب الكنيسة للصلاة في قلب الميدان وفيه ظهرت العديد من مظاهر الحب الرائعة من إخواننا المسلمين، ومن رجال القوات المسلحة. فتعالت الهتافات داخل الكنيسة وردد الحضور «الجيش والشعب إيد واحدة». وأضاف موريس إن شهداء الثورة هم من حولوا مسار الثوار فأصبح المليون خمسة عشر مليوناً كما أن دماءهم الطاهرة دفعت الشباب إلي الصمود والصبر حتي تحقق النصر وطلب موريس من الحضور ترديد كلمات الأغنية التي لازمت الثوار خلال ال 18 يوما فوقف الجميع يرددون: - «في كل شارع في بلادي.. صوت الحرية بينادي نزلت وقلت مش راجع وكتبت بدمي في كل شارع رفعنا رأسنا للسما.. والخوف مبقاش بيهمنا أهم حاجة حلمنا.. نكتب تاريخنا بدمنا لو كنت واحد مننا.. بلاش تيجي وتقول لنا نمشي.. وسيبنا نقول حلمنا ثم ترك موريس الحديث لعدد من شباب التحرير التي قامت الكنيسة بتكريمهم ومنهم «سالي تومة»، وهي واحدة من الشباب الذين تم اختيارهم لتمثيل ائتلاف شباب الثورة. - مش هنسيبها وبدأت سالي تومة حديثها بتقديم التحية قائلة مساء الحرية والكرامة من كنيسة التحرير التي وقفت معنا في رحلة التحرير، وأضافت: في ميدان التحرير كنا نغني جميعاً «بلادي بلادي.. لك حبي وفؤادي»، وفي الميدان أيضاً كان المسلمون يؤدون صلاة الغائب، وفي ذات الوقت كان إخوانهم المسيحيون يقومون بأداء القداس، وكلهم في قلب الميدان بجوار بعضهم البعض. وأعلنت تومة بدموعها تقديرها لأم كل شهيد داعية لها بالصبر، وللشهداء بالخلود في الجنة، وحثت تومة عائلات الشهداء بالعمل علي مواصلة الحياة بحرية وكرامة لأن هذه الحرية هي الجوهرة التي دفع أبناؤهم دماءهم ثمناً لها، وطلبت منهم ألا يتركوا حقهم في هذه الحرية قائلة «مارسوا الحرية والعيش بكرامة»، وأكدت تومه أن دماء الشهداء خلقت لنا مصر جديدة سنعيش فيها حياة جديدة، وأكدت أنها بعد أن كانت تفكر في السفر قالت مش هأسيب بلدي وكلنا مش هنسيبها وقال «أنا قاعدة علي قلبكم». ثم قدمت سالي تومة أحد شباب الائتلاف وهو عبدالرحمن سمير الذي قال: إن هذه هي المرة الأولي التي أدخل فيها كنيسة فالظروف الماضية خلقت نوعاً من التحفظ ضد الآخر، لكن في ميدان التحرير عرفت أننا جميعاً مصريون، مسلم ومسيحي الدين لله، والوطن لنا مسلمين ومسيحيين، وأضاف بعد اليوم لن يوجد احتقان طائفي، ولكن وحدة وطنية لأننا بالفعل شعب واحد، ووطن واحد، ودم واحد حتي مياه النيل التي نشربها واحدة، فالثورة قربت بيننا وجعلت من وحدتنا شيئا حيا وملموسا، فلنعش معاً في مصر الجديدة التي تتسع للجميع تحت ألوية من الاتحاد والحرية. - بداية وليس نهاية وقال طارق الخولي أحد شباب الائتلاف إن الائتلاف ليس الثورة، ولكنه تجمع من خمس مجموعات حاولت نقل دعوة ال FACE BOOK إلي أرض الواقع وحتي حدثت الثورة. وأضاف: اليوم نحتفل بالثورة، وهذه ليست النهاية بل هي البداية لمرحلة جديدة كانت أولي خطواتها تغيير النظام، ونحن الآن في حاجة إلي الحب والتسامح والإحساس بأن مصر بلدنا فالمرحلة الأولي لم ننجزها إلا بأرواح الشهداء لكن المشوار القادم طويل في حاجة إلي الصبر والدماء وسواعد الشباب حتي نبني مصر الجديدة. وقال محمود سامي: نحن في حاجة إلي تشكيل وزارة تعبر عن الشعب المصري، فنحن لدينا أناس في حاجة إلي العلاج والتعليم والطعام، أمامنا عدالة اجتماعية نحتاج إلي تحقيقها، وتعديلات دستورية نحتاج إلي خروجها بما يتناسب مع طبيعة المرحلة القادمة مرحلة الحرية؛ ولذا نحن في حاجة إلي التفكير والتنفيذ السريع من أجل صالح البلد مع الحفاظ علي حريتنا وتكاتف أبناء الشعب المصري جميعاً. - تدبير إلهي أما وليد صلاح أحد الشباب المكرمين فقال إن هذه الثورة تدبير إلهي فقربت بين المسلمين والمسيحيين فكان المسلمون يقفون لحماية المسيحيين أثناء القداس، والمسيحيون يحمون المسلمين وقت الصلاة ورأيت بعيني أحد المسيحيين يضع أوراق الجرائد أمام المسلم حتي يسجد عليها. وفي نهاية حديثه دعا صلاح لشهداء الثورة بالرحمة والغفران وأن يتمتع الشعب المصري في مستقبله الجديد بالتسامح والمحبة. - ابحث عن حقك.. ولا تنتظره ثم قام القس موريس، بتكريم عدد ممن حضروا من شباب ائتلاف الثورة منهم محمود سامي زياد العليمي إسلام لطفي، عبدالرحمن فارس، عبدالرحمن سمير، طارق الخولي، سالي تومة، سيمون وفيق، هذا إلي جانب تكريم خاص للسيدة إكرام يوسف، والدة زياد العليمي التي عاونت الثوار، وعملت علي رفع معنوياتهم أثناء الثورة. وقالت إكرام يوسف علي كل شخص من اليوم أن يبحث عن حقوقه ولايجلس في بيته في انتظار من يأتي إليه بها، وعلينا جميعاً أن نمارس حقنا في المواطنة والحياة بكرامة وحرية. وأضافت: جدي الكبير كان مسيحيا، ولا أعرف قصة إسلامه لكنني أصبحت مسلمة، ولذا أقول للجميع مسلم ومسيحي نحن شعب واحد، ودم واحد. وفي هذه اللحظة تعالت هتافات الحضور «مسلم ومسيحي.. إيد واحدة» - جمهورية الخوف وكانت الكنيسة قد وجهت عدة دعوات لعدد من المثقفين منهم دكتور عمرو الشوبكي الذي قدم التحية لرجال القوات المسلحة التي لم تطلق رصاصة واحدة علي أي مواطن، وحرصت علي تقديم التحية العسكرية لشهداء الثورة كما قدمت تحية تقدير لأسر الشهداء وقال الشوبكي الثورة لم تكن مجرد إسقاط لنظام سياسي لكنها حملت قيم جديدة، فرأينا في ميدان التحرير نهاية جمهورية الخوف، ولم نر حادثة تحرش واحدة، ولا رأينا سيارة محطمة، ولم نر خلال ال 18 يوما سلوكا واحدا سيئا فشعرنا جميعاً بميلاد جديد لبلدٍ جديدة بعد الثورة. وأضاف الشوبكي إن التحدي الحقيقي هو كيفية نقل ذلك لخلق حياة سياسية جديدة تقوم علي المشاركة والبحث عن الحقوق، وليس انتظارها في الفترة القادمة أمامنا مهام كثيرة، وهي كيفية تأسيس نظام سياسي جديد، وتأسيس دولة مدنية تقوم علي المواطنة الحقيقية. وبتأثر شديد قال القس سامح موريس لايوجد منظر أجمل من مناظر المسلمين والمسيحيين «الدايبين في بعض»، وأضاف:نحن في حاجة إلي استكمال مشوار الحرية ثم طلب من الحضور القيام للصلاة، رافعين أيديهم للرب فردد الجميع: «مهما كان علي الأرض ضلمة السماء مليانه نور أنت فوق الكل سيد رب عالي في سماك صرخة المظلوم بتسمع بارك بلادي.. بارك بلادي يا سامع الصلاة في قلوب كل البشر التفت لصراخ قلوبنا وأرسل لينا المطر من قلوبنا بناديك بالألوف نصرخ إليك إيد واحدة وقلب واحد واضعين حياتنا بين إيديك لما صوت الحق يعلي يهرب الخوف والضلال نزرع الحب في بلادنا نحصد الخير والسلام بارك بلادي.. بارك بلادي يا إله الحب اسمع دعانا أجمعين خللي مصر بلدنا جنة رد حق المظلومين ارفع الخوف والمظالم اطرد الجوع والفساد انشر الحب في وطننا والعدالة في البلاد - صحوة وقال الأب فوزي خليل أحد خدام الكنيسة: بعدما رأينا دماء الشهداء تتساقط في قلب ميدان التحرير، ونحن بجوارهم، ومنا من تعطرت ثيابه بدمائهم الطاهرة رأينا أهمية هذا الاحتفال لتكريم كل من ساهم في هذه الثورة بل إن هذا الاحتفال واجب ديني ووطني، فكان التكريم لعدد من شباب ائتلاف الثورة، ورجال الجيش الذين قدموا الدعم للثورة والثوار، ورجال الإعلام الحر والمفكرين والمثقفين إلي جانب تكريم بعض أسر الشهداء، الذين لم تجف دماؤهم في ميدان التحرير، والسويس وكل محافظات مصر. وأضاف خليل: بعد حدوث الثورة التي غيرت النظام السياسي علينا الاتجاه لتحقيق نهضة اقتصادية للقضاء علي الفقر والبطالة ونهضة قضائية لتحقيق قضاء حر حتي لايشعر المواطن بالظلم، وعلينا العمل لإحداث صحوة اجتماعية بعيدة عن حالة التهميش التي عاشها البسطاء لفترات طويلة، وعلينا المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة حتي نختار برلمانا حرا يعي مشاكل الشباب ويبحث عن حلول لها. وقال خليل: تقوم حالياً الكنيسة بتنفيذ بعض الأفكار للمساهمة في عملية بناء مصر الجديدة منها تدريب ثلاثة آلاف شباب علي وسائل التكنولوجيا الحديثة كالتدريب علي الكمبيوتر والتنمية البشرية وتنمية روح العمل في الفريق إلي جانب تدريب ثلاثة آلاف شاب وفتاة في العمل السياحي لتقديم خدمات سياحية علي مستوي عال من التمييز بالإضافة إلي تدريب ثلاثة آلاف شاب في مجالات الرياضة ومراكز الشباب كما عنيت الكنيسة بنظافة الشوارع البعيدة عن ميدان التحرير، وزيارة بعض أسر المرضي والشهداء وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم. وفي ختام الاحتفال قال القس سامح موريس إن الوقت القادم هو وقت البناء والاتحاد وتحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع. ووقف الجميع في نهاية الاحتفال يرددون بلادي .. بلادي لك حبي وفؤادي