هذا كاتب يستحق الاحترام، وكتاب يستحق القراءة! أما الكاتب فهو الأستاذ الكبير «نبيل زكي» أما الكتاب - كتابه - فهو «صحافة.. وصحفيون.. يوميات في بلاط صاحبة الجلالة» الذي صدر منذ أيام عن «مكتبة جزيرة الورد» ويقع في 384 صفحة. الكتاب كما يقول المثل العامي «باين من عنوانه» فهو خلاصة مشوار ومشاهد وذكريات حوالي نصف قرن من العمل الصحفي، تخللها سنوات فصل وتشريد واعتقال وغربة، وكتابة وتحليل وتأليف ورئاسة تحرير جريدة «الأهالي» لحوالي ثماني سنوات. يكتب الأستاذ «نبيل زكي» بحب وتقدير واحترام وامتنان لا حدود له عن عشرات من قمم الصحافة المصرية «شخصيات عديدة شامخة لم تتردد في اتخاذ المواقف اللائقة والجديرة بهذه المهنة، ولم يكن الكبار يفصلون بين المهنة والأخلاق والتعليم». ببساطة شديدة يقول نبيل زكي «كان احترامنا للأساتذة في هذه المهنة جزءاً لا يتجزأ من تكويننا الفكري». ثم يضيف في دهشة: «في زماننا العلاقات سطحية وعابرة وفي بعض الأحيان يغلب عليها طابع المصلحة، لم يعد في الإمكان أن تجد صديقا حقيقياً أو صداقة نموذجية متينة». نبيل زكي طراز من جيل يؤمن بأن كل من يلتحق بمهنة الصحافة ينبغي أن يكون صاحب موقف ورسالة ودور فاعل وتنويري في قضايا الأمة. كتاب الأستاذ نبيل زكي «درس مهم في الوفاء والامتنان لهذا الجيل الرائع من الصحفيين الذين أضاءوا حياتنا بكل القيم النبيلة والرائعة أو كما يقول: «وقع اختياري علي بعض نماذج من هؤلاء الصحفيين والكُتاب الذين فقدناهم في السنوات الماضية، لأنني رأيت من واجبي إحياء وتجديد ذكراهم فهو أقل ما يجب الاضطلاع به نحوهم إذا كنا مازلنا نؤمن بقيمة اسمها الوفاء، ويرجع اختيار تلك الشخصيات إلي سبب محدد هو أنني عرفتهم عن قرب وقادتني تلك المعرفة إلي اكتشاف جوانب في أفكارهم ومواقفهم جديرة بالتسجيل وتنتظر إلقاء المزيد من الضوء عليها». يتحدث الأستاذ نبيل زكي عن «موسي صبري» - ورغم الخلاف الفكري والسياسي بينهما يقول عنه: «من القلة التي كان لابد أن تترك وراءها أشياء لها أثرها ولها قيمتها، وحتي في الأحوال التي كان فيها - موسي صبري - نفسه يعترض علي أفكار واردة في المقالات الانتقادية للحكم فإنه يجد نفسه مستغرقاً في مهمة إقناع الحاكم بأن يخفف من غلوائه وغضبه من تلك الأفكار حتي لا يقع الحاكم في خطيئة تحطيم قلم الكاتب. وعن الراحل العظيم صانع النجوم الأستاذ «حسن فؤاد» أحد ألمع وأنبل نجوم مدرسة روزاليوسف وصباح الخير يقول: «كاتب من الصف الأول يتميز بأسلوب أخاذ ومبدع وجذاب فهو قادر علي أن يجعل من مجرد واقعة مألوفة أو انطباع عابر تجربة حية ذات أبعاد إنسانية عميقة وجديدة. وعن مصطفي أمين «ذلك القامة الصحفية المهيبة يقول: ظل هدفه الدائم أن يجعل الصحافة مهنة محترمة ومهابة وفي أعلي مكان ويحسب لها الحكام كل حساب». ويروي الأستاذ نبيل زكي هذه الواقعة ذات الدلالة البالغة فيقول: دخل مكتبه يوماً صحفي من أقرب المقربين إليه علي المستوي الشخصي وقال له الصحفي: أريد أن تخصص لي يوماً أكتب فيه يوميات الأخبار، ورد عليه مصطفي أمين في الحال قائلاً: من الذي سيكتبها لك؟! وأدرك الصحفي علي الفور أن مصطفي أمين لن يسمح بأن تطغي العلاقة الشخصية علي تقديراته ومعاييره، فإن كان الصحفي غير مؤهل للكتابة في اليوميات، فإنه لن يكتب مهما كانت درجة العلاقة بينه وبين مصطفي أمين». وعن الناقد والكاتب والمبدع الكبير «رجاء النقاش يقول: كان مجرد وجوده يعني استحالة تهميش الثقافة فهو من هؤلاء الذين يعتبرون الثقافة من أساسيات الحياة ومن الأولويات القصوي ولذلك تميزت كتاباته بعمق وشفافية الرؤية إلي الإنسان والحياة، ومن هنا كان رجاء النقاش صاحب قامة كبيرة في عالم النقد الأدبي». وعن الصحفي الكبير الأستاذ «جمال بدوي» يقول إنه المدافع عن الذاكرة التاريخية ومن أقوي المدافعين عن النسيج الواحد وكلماته بمثابة طلقة قوية في وجه كل أعداء هذا البلد ورعاة التفرقة وأعداء التسامح الديني». وعن الكاتب والشاعر والمفكر المستنير الأستاذ «عبدالرحمن الشرقاوي» يقول: «إنه يمجد الكبرياء والشموخ ويشيد بهؤلاء الذين يحتفظون بارتفاع قاماتهم ويحرصون علي ألا تنحني رؤوسهم، إنه يرفض الكذب والمذلة ومهموم دائما بالحق والإخاء والمساواة، إنه ضمير لأمته وقلب نابض يخفق بعشق الأرض، إن الإنسان يستطيع أن يملأ حياته وحياة الآخرين بالخير والحب». لقد أسعدني إهداء الأستاذ نبيل زكي ووصفي بالصديق وقوله لي: «لقد كنت سباقاً في استكشاف ملامح شخصيات في عالمنا - عالم الصحافة وفي التقاط مشاهد تستحق أن تبقي في الذاكرة، ولعلك تجد في هذه الصفحات ملامح ومواقف أخري لبعض الرموز التي غادرتنا لكنها تركت وراءها الكثير والكثير مما ينبغي رصده واستعادته وتقديمه لأجيال جديدة». ومازال في صفحات الكاتب النبيل «نبيل زكي» ما يستحق التوقف عنده!؟