فى 25سبتمبر الماضى،أعلنت رئيس مجلس النواب الأمريكى، نانسى بيلوسى، رسميًا، بدء إجراءات عزل الرئيس دونالد ترامب ومحاسبته، وذلك على خلفية اتصاله بنظيره الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، من أجل حث الأخير على فتح تحقيق بشأن عائلة منافسه الديمقراطى فى رئاسيات 2020 «جو بايدن». «نانسى» أكدت فى كلمة متلفزة آنذاك أن «مجلس النواب سيمضى قُدُمًا فى تحقيق رسمى مع ترامب، يجب محاسبة الرئيس، ولا يوجد أحد فوق القانون»، مضيفةً إن «ترامب اتصل بدولة أجنبية من أجل التدخل فى شئون بلدنا، وهذا خرق للقانون». سريعًا جاء رد ترامب عبر الفضاء الإلكترونى عبر حسابه فى موقع «تويتر»، إذْ كتب «ما يقوم به الديمقراطيون هو «تحرُّش بالرئاسة»، وأضاف فى تغريدة أخرى: «إنه يوم مهم فى الأممالمتحدة، وهناك كثير من العمل والنجاح، والديمقراطيون تعمدوا تعكيره بمزيد من أخبار قمامة مطاردة الساحرات، هذا أمر سيئ جدّا لبلادنا»، وتابع فى تغريدة ثالثة: «أنا الآن فى الأممالمتحدة حيث أمثل بلدنا، ولكنى سمحت بأن ينشر المحضر الكامل لمحادثتى الهاتفية مع الرئيس الأوكرانى». لم يكتف «ترامب بذلك»، وإمّا أقر بأنه تحدّث مع الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينكسى، بشأن منافسه الديمقراطى جو بايدن، خلال مكالمة هاتفية فى يوليو الماضى، ونقلت شبكة «سى إن إن» عن ترامب قوله «أجرينا محادثة رائعة، وكانت تهنئة إلى حد كبير، تحدثناعن الفساد.. وحقيقة لا نريد أن يكون شعبنا مثل بايدن وابنه»، وهى التصريحات التى أثارت قيادات ديمقراطية بضرورة فتح تحقيق جديد بشأن تواصل ترامب مع جهة خارجية، بهدف التأثير على سير الانتخابات الأمريكية. وفى السياق كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن ترامب ضغط على رئيس أوكرانيا مرارًا للكشف عن معلومات بشأن نجل خصمه الديمقراطى جو بايدن؛ حيث حَثَّ زيلينكسى، خلال مكالمة هاتفية فى يوليو الماضى، على فتح تحقيق فى كيفية حصول هانتر بايدن، على وظيفة فى شركة غاز أوكرانية، كما حثه على العمل مع رودى جوليانى، المحامى الشخصى للرئيس الأمريكى؛ لفتح تحقيق فى المسألة. وكان ترامب وعدد من أعضاء الحزب الجمهورى تساءلوا عمّا إذا كان حصول نجل بايدن، على وظيفة عضو فى مجلس إدارة شركة «بوريسما» الأوكرانية، يمثل تعارضًا فى المصالح. وفعليّا انضم «هانتر» إلى الشركة المذكورة عام 2014، بعد فترة وجيزة من زيارة قام بها والده لأوكرانيا. ويحتاج الديمقراطيين إلى دعم من الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ حتى يتمكنوا من المُضى قُدُمًا فى إجراءات عزل ترامب. والسؤال: لماذا وافقت «نانسى» الآن على بدء تحقيق بهدف عزل ترامب، رُغم أن الحديث مُثار منذ وصوله للبيت الابيض قبل نحو 3 سنوات، ودومًا ما كانت «بيلوسى» ترفض البدء فى إجراءات العزل، مشيرة إلى أنها تفضل هزيمته سياسيّا عبر صندوق الاقتراع، إذ كانت «بيلوسى» ترفض الأمر بسبب مزاعم عرقلة العدالة والتواطؤ مع روسيا، وذلك بعد انتهاء روبرت مولر- المحقق الأمريكى الخاص فى التدخل الروسى- من تحقيقاته، وتعلن أنها تفضل هزيمة ترامب فى الانتخابات الرئاسية العام المقبل. ولكنها قالت إن ما دفعها لتغيير موقفها هو «وجود الحقائق التى تستوجب حماية الدستور، وأنه لا أحد فوق القانون»، فى إشارة للمزاعم حول استخدام ترامب سُلطته كرئيس للضغط على رئيس أوكرانيا فى قضية (بايدن). وجو بايدن هو منافس ترامب، وتمتلك أسرته أعمالًا فى أوكرانيا، ودعا نائب الرئيس الأمريكى السابق، جو بايدن، الرئيس الجمهورى دونالد ترامب إلى التعاون بشكل كامل مع التحقيقات التى يجريها الكونجرس فى قضية اتصاله بالرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى. وإذا كان الدستور الأمريكى يمنح الكونجرس سُلطةَ عزل الرئيس، لكن لم يحدث أن تم عزل أحد رؤساء الولاياتالمتحدة من خلال تلك العملية. والحقيقة أن منصب الرئيس الأمريكى- ليس مُحَصّنًا- حيث تم إدراج عملية العزل كجزء من الدستور خشية إساءة استخدام سُلطاته، ومنح الدستور مجلس النواب السُّلطة الحصرية لتوجيه الاتهام للرئيس، ومجلس الشيوخ السُّلطة الحصرية لنظر دعوى العزل، كما كلف رئيس قضاة المحكمة العليا برئاسة جلسات العزل فى مجلس الشيوخ. ويجوز عزل الرئيس الأمريكى بمقتضى الدستور بسبب «الخيانة أو الرشوة أو غيرهما من الجنايات الكبرى والجُنح»، لكن لا يوجد تعريف جامع مانع لتوضيح معنى ذلك على وجه الدقة، ومن الناحية التاريخية يمكن أن يشمل ذلك الفساد وغيره من مظاهر إساءة السُّلطة بما فى ذلك محاولة تعطيل الإجراءات القضائية. وقال جيرالد فورد، وهو نائب للرئيس قبل أن يصبح رئيسًا فى 1974: «المخالفة الموجبة للعزل هى ما تقرره الأغلبية فى مجلس النواب فى أى لحظة فى التاريخ»، وحلّ فورد محل الرئيس ريتشارد نيكسون الذى استقال قبل أن يتحرك الكونجرس لعزله. تبدأ إجراءات العزل فى مجلس النواب الذى يناقش الأمر ويجرى تصويتًا على توجيه اتهامات للرئيس من خلال الموافقة على قرار بذلك أو الموافقة على بنود العزل بأغلبية بسيطة فى المجلس المكون من 435 عضوًا، وإذا وافق المجلس على القرار تجرى وقائع المحاكمة فى مجلس الشيوخ. ويقوم أعضاء مجلس النواب بدور المُدّعين وأعضاء مجلس الشيوخ بدور هيئة المُحلفين ويرأس الجلسات كبير القضاة. ويشترط الدستور الموافقة بأغلبية الثلثين فى مجلس الشيوخ المكوّن من 100 عضو لإدانة الرئيس وعزله، ولم يسبق قَط أن حدث ذلك. وسبق أن وجّه مجلس النواب اتهامات للرئيسين أندرو جونسون فى 1868 وبيل كلينتون فى 1998 لكنهما احتفظا بمنصب الرئاسة بعد تبرِئتهما فى مجلس الشيوخ. ولا يجوز للمحكمة العليا إلغاء قرار العزل.. ومن ثم فإن حديث «ترامب» على «تويتر» إنه سيطلب من المحكمة العليا التدخل إذا حاول مجلس النواب توجيه الاتهام إليه، غير مُجد؛ حيث لا يسمح باستئناف قرار الإدانة الصادر من مجلس الشيوخ أمام القضاء الاتحادى. بلغة الأرقام وجد 235 عضوًا من الديمقراطيين و197 من الجمهوريين فى الكونجرس، بالإضافة إلى 3 مقاعد شاغرة فى مجلس النواب، ولذلك فإن بوسع الديمقراطيين توجيه الاتهام لترامب دون أى دعم من الجمهوريين. وفى عام 1998 عندما كانت الأغلبية للجمهوريين فى مجلس النواب صوّت أعضاء كل حزب من الحزبين بما يتفق مع سياسة حزبه، وكانت النتيجة توجيه الاتهام لكلينتون الديمقراطى. ويوجد فى مجلس الشيوخ الآن 53 عضوًا من الجمهوريين، و45 عضوًا من الديمقراطيين، بالإضافة إلى اثنين من المستقلين يصوّتون فى العادة مع الديمقراطيين. وتتطلب إدانة الرئيس وعزله 67 صوتًا، ولذا فإن عزل ترامب يحتاج موافقة 20 على الأقل من الأعضاء الجمهوريين وكل الديمقراطيين والمستقلين. ومن الممكن أن تصوت الأغلبية الجمهورية فى مجلس الشيوخ على الفور بإسقاط التهم الموجهة لترامب دون النظر فى الأدلة. ولكن ماذا إذا تم عزل ترامب بالفعل؟ إذا خطا مجلس الشيوخ الخطوة غير المتوقعة بإدانة ترامب فإن مايك بنس نائب الرئيس سيصبح رئيسًا فى الفترة المتبقية من ولاية ترامب، التى تنتهى فى 20 يناير 2021. وهناك وسيلة أخرى لعزل ترامب، فبحسب التعديل ال25 للدستور الأمريكى من الممكن إبدال الرئيس بنائبه إذا عجز الرئيس عن القيام بمهامه لأسباب مثلًا لإصابات الطبية المعوقة والحالات النفسية، وتبدأ تلك العملية بإخطار من نائب الرئيس وأغلبية من وزراء الحكومة الكونجرس أن الرئيس عاجز عن أداء مهام منصبه.