لماذا إذا ضحكنا من القلب دمعت العين؟! الشخصية المصرية تحب الفكاهة لكن لديها الكثير من الشجن .. لماذا تفكر بالحزن فى لحظة الضحك ولماذا نقول أحيانا «هَم يبَّكي، وهَم يضَّحك»؟ لماذا إذا ضحكنا من القلب دمعت العين؟فنهمس: «اللهم اجعله خيرا» نتوجس من الفرح، ونألف الحزن.. أسئلة عديدة أهمها ماذا يُضحك المصريين، وهل ينظرون إلى الكلمة المضحكة أو النكتة بعين العقل أم بعين العاطفة؟ الضحك فى حاجة إلى صدي يرى علماء الاجتماع والأنثربولوجيا أن الفكاهة تعد طابعًا قوميًا يميز الشخصية المصرية، ورأى بعضهم أن الشخصية المصرية ثابتة عبر العصور، ورأى آخرون أنها شخصية متغيرة، ويرى فريق ثالث أنها شخصية غنية ومتراكمة الثقافات كما يقول د. محمد غنيم أستاذ الأنثربولوجيا بكلية الآداب - جامعة المنصورة، ومدير المركز الحضارى لعلوم الإنسان والتراث الشعبى بها. ويضيف: «إن رواد علم الأنثربولوجيا يرون أن لكل مجتمع طابعًا مميزًا لشخصياته هو الطابع القومى الذى يميزها، وقد قاموا بدراسات ميدانية تؤكد ذلك خاصة البعثات التى بدأت تصنف المجتمعات على هذا الأساس وتكون رؤية عن العالم، وأشهر هذه البعثات ما أرسلته إنجلترا وأمريكا، وأساتذة الاجتماع وعلم النفس دائما يراقبون المزاج المعتدل فى مجتمعاتهم، فالمصرى القديم عمل بالزراعة وكان فى الوقت نفسه ينحت التماثيل، وكان يعتقد أنه عندما يلقى بالبذرة فى الأرض فإنها ستصبح طعامًا، وكانت تلك فلسفته فى الصبر وهى قيمة مهمة وعظيمة وعلماء المصريات يؤكدون أن المصرى القديم كان عاشقًا للحياة حتى بعد الموت، ولذا وضع الأدوات التى يحتاج إليها فى مقبرته ليستخدمها بعدما يعود للحياة. ويضيف د. محمد غنيم قائلا: « وفى رأيى أنه أمسك العصا من المنتصف، فهو يحب الحياة ويفكر فى الموت، يزرع ويصنع التماثيل ولا يضيع وقتا. وهناك العديد من الدراسات عن الشخصية المصرية منها دراسة د. فاطمة المصرى التى تؤكد من خلال دراستها لبعض ظواهر الفلكلور المصرى: إن ما يضحكنا لا بد أن يكون إنسانيًا ومتعلقًا بإنسان وموجه لآخر. والجاحظ كان يقول أن الضاحك لا بد ممن يشاركه ويجاوبه حتى يتأثر بالأمر المضحك لأننا لا نتذوق الضحك فى حالة شعورنا بالعزلة فالضحك فى حاجة إلى صدى. الشخصية المصرية تميل إلى الفكاهة، إلا أن لديها موروثًا للشجن لذا إذا ضحك المصرى فإن الضحك عمره قصير عنده ولا يلبث أن يقول «اللهم أجعله خير». والضحك لا يتوقف على الانفعالات والعواطف بل على العقل أيضًا، لا بد من قوة الحدس وسرعة البديهية، والتجرد مما يثير الانفعالات كالرحمة والخوف والشفقة، الكلمة المضحكة ينظر إليها بعين العقل لا بعين العاطفة، فالضحك ليس ضحكًا لذاته بل لا بد من إعمال العقل وجذب المستمع بطريقة الحكى لذا تميز فن الأراجوز المصري، وخيال الظل وكان يؤثر فى الشخصية المصرية بما يثيره من حكايات مضحكة وهادفة، وقد نجحت لجنة الفنون الشعبية فى دعمه واعتبرته عنصرًا ثقافيًا مصريًا لا بد من الحفاظ على بقائه، وتحمست لمشروع د. نبيل بهجت وجهده فى هذا المجال، والذى جعل منظمة اليونسكو تعتبره تراثًا إنسانيًا لا مادى لا بد من الحفاظ عليه. الضحك ضرورة والمصرى يحب من يعبر عنه، وهو فى العادة يلجأ إلى الضحك عندما يشعر بنوع من الإحباط أو الظلم، وهذا يفسر حب الكثيرين لفكاهات نجيب الريحانى بجملته الشهيرة: «نصيبى كده، حظى كده». ويرى علم الاجتماع أن الضحك ضرورة كبرى فى حفظ حياة الفرد وحياة الجماعة، فهو يمنع الملل والكآبة، ويُحدث نوعًا من التوازن النفسى والعقلي، ومن أهم تأثيرات الضحك فى المجتمع: المشاركة الوجدانية فعادة نقول أن فلانا قعدته حلوة، أى يضحك من حوله أما فلان فهو يحملنا هموم الدنيا كلها. والضحك يخفف الضغط النفسى ويرفع عن كاهل المرء بعض أثقال الحياة وتعد الفترة من ثورة 1952 حتى عام 1962 فترة التوهج الثورى التى أثرت كثيرا فى تركيب الشخصية المصرية فى العصر الحديث خاصة بعد قوانين التأميم، والتشبث بالحلم القومى والوطني، ثم أدى الحدث الجلل «نكسة 1967» إلى تأثير سلبى قاومه المصرى بالنكتة السياسية اللاذعة التى تناولت المسببات التى أدت إلى تلك النكسة التى كانت لها ظروفها. وكانت النكتة السياسية مزدهرة قبل سنوات الحسم، وكانت القيادة السياسية والشعب قد قرورا الحرب والانتصار فبدأت حرب الاستنزاف وكانت حربًا مهمة، وكانت إسرائيل لا تعلن عن خسائرها فيها. ومع عام 1973 والانتصار المجيد ارتفعت الروح المعنوية للناس، وازدهرت الأغنيات الوطنية وقصائد النصر. ولم تعد النكتة السياسية بشكل واضح إلا مع الانفتاح الاقتصادي، حيث بدأت القيم المادية والنفعية والاستهلاكية تسيطر على المجتمع، وعبر عن ذلك أحمد بهاء الدين بقوله: «اقتصاد السداح مداح». وتوهج التهكم فى النكتة المصرية التى تتولد عندما يشعر المواطن بالإحباط أو الظلم، وفى هذه الفترة كانت هناك نكات مثل: «إحنا إللى خرمنا التعريفة»، و«إحنا إللى دهنا الهوا دوكو!» وهى كلمات فيها التهكم على ما وصلت إليه أحوال المعاناة من القيم الجديدة الاستهلاكية وبدأت فى هذه الفترة سيطرة النخبة الدينية على كثير من أوجه الحياة، وكانوا يقولون إن البعد عن الدين سبب تدهور القيم الأخلاقية، وانتهت هذه الفترة بمقتل السادات على يد التيار الدينى الذى رأى السادات فى وجوده الحد من سيطرة اليسار المصرى كاتجاه سياسى فى ذلك الوقت. وأصبح من اللافت للنظر أن هناك تدهورًا سياسيًا لكنه يتم فى سكون، وبدأت النكتة تتصاعد، والدعابات تصل إلى حد التهكم بعد أن أمسكت الهيمنة الدينية «الإخوان» بدفة القيادة لولا يقظة الجيش الوطنى للانطلاق فى الاتجاه الصحيح، وتأييد الشعب المصرى له، وفى هذه المرحلة يرصد علماء الاجتماع وعلم النفس حالة من الاستقرار النفسى والمزاج المعتدل الذى يسود الآن عند المصريين رغم ضغوط أحوال المعيشة. النكت الجماعية والأمثال الشعبية أما د. محمد حسن غانم أستاذ علم النفس بكلية الآداب - جامعة حلوان فيرى أن تيار علم النفس الحديث، علم النفس الإيجابي، فقد أكد أنصاره أن الابتسامة والمرح يؤديان إلى تقوية الحالة المعنوية للفرد، وتوصلت الأبحاث أن الضحك والابتسام يمنعان الإصابة بالعديد من الأمراض السيكوسوماتية أى النفسجسمية بمعنى أن المرض قد يتخذ شكلاً عضويًا إلا أن أسبابه تكون نفسية. وتختلف الأمور والأشياء التى تثير الضحك لدى المصريين وفقا للعديد من العوامل والظروف لذا فإن النكت يتم تأليفها تأليفًا جماعيًا مثل الأمثال الشعبية التى نجدها تختلف من عصر إلى عصر. والمرح والفكاهة والضحك تميز كلها الشخصية المصرية، وقد عُرف هذا عن المصرى القديم منذ عصور الفراعنة، فقد وجد علماء الآثار العديد من الرسوم على الجداريات وفيها الكثير من الرسوم الكاريكاتيرية وبها نوع من السخرية مثل وجود ذئب يرعى مجموعة من الأغنام، وغير ذلك من رسوم. والسخرية من المستعمر أو المغتصب سمة من سمات الشخصية المصرية وهى وسيلة للمقاومة أيضًا. كما أن السخرية من الأحداث الحياتية المختلفة هى التى جعلت المصرى يعيش فى أمان وفى صحة نفسية لما يتميز به من فضيلة وفلسفة الصبر، ولعل المثل الشهير «اصبر على جارك السو، يا يرحل لتيجى له مصيبة» خير نموذج لتلك الرؤية فى تفسير أحداث الحياة المؤلمة ومصابها والصبر على الشدائد. وهناك أيضًا النكتة وغالبًا ما تكون لاذعة معبرة، وتعد النكت الجنسية هى من أبرز أسباب الضحك خصوصا بين الرجال لأن هناك كبتًا جنسيًا وقيودًا اجتماعية فى مسائل الحب والزواج، ورؤى سلبية أخرى تؤثر فى ذلك مثل مقولة «الحب شيء والزواج شيء ثان» أو «إذا دخل الفقر من الباب خرج الحب من الشباك»!. وتأتى النكت السياسية فى المرتبة الثانية وتظهر حين تغلق قنوات التعبير عن الرأى والرأى الآخر، وغالبًا ما تطال من يتولى السلطة وأنصاره، حتى الموظف يمثل السلطة الحاكمة، ولذلك إلى وقت قريب كان يتم تحبيذ العمل الحكومي، ويتضح ذلك فى مثلين شهيرين «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه»، و«شريط على كُمى ولا فدان عند أمي». ويرمز الشريط هنا للسُلطة أو الوظيفة القريبة من السلطة وهناك النكت الخاصة بالاقتصاد، عن الشراء والبيع، ومن يملك ومن لا يملك. لكن فى الحقيقة الضحك ضرورة، وهو من الملامح المميزة للشخصية المصرية التى تنظر دائما للكلمة المضحكة أو النكتة بعين العقل لا بعين العاطفة.