ربما رأيت المشهد من قبل وربما لم تره لكن يمكن وصفه كالآتي، عشرات الدراجات يقودها شباب وشابات صغار وكبار يرتدون سترات صفراء ليميزوا بها أنفسهم، يطوفون شوارع القاهرة فى صفين أطول من أن يستوعبهما البصر مُصطَفّين خلف دراجة واحدة يقودها كابتن يرتدى قميصًا مميزًا عنهم. بعضهم يبدو عليه التعب، والبعض الآخر مازال محافظًا على نشاطه، لكن الجميع يتلقى التشجيع من باقى المشرفين والمشرفات الذين يقودون دراجاتهم حول الصَفَين. تجولنا معهم فى شوارع مصر الجديدة صبيحة أحد أيام الجمعة، «صباح الخير» تشارككم تجربة جديدة مع فريق «يلا عجلة»... الفعاليات الشبابية لا تنتهى والأفكار الجديدة تجذب الجميع، أحد تلك الأفكار تبناها محمد وعمر ومعتز، «محمد ومعتز متخرجان فى كلية الهندسة، أما عمر فمازال طالبًا بها»، جمعهم شغف نشاطهم الترفيهى والرياضى والتشجيعى على حدٍ سواء، وهو ما حاز على إعجاب 51 ألف شخص، عبروا عنه عبر صفحتهم على الفيس بوك. محمد صلاح، أحد مؤسسى المشروع، يسترجع البداية: «فى مايو عام 2014 ، كنا نذهب للعجلاتى ونقوم باستئجار الدراجات مع الأصدقاء، أما الآن فأصبحنا لا نستطيع القيام بمثل هذا النشاط بسهولة، أصدقاؤنا يعيشون فى مناطق مختلفة ولا نستطيع التجمع بسهولة، كما أن العجلاتى لا يفتح فى وقت تكون الشوارع فيه ساكنة، فكرنا فى أن نقوم بشراء عجل لتعود أيام زمان حيث يقود الأصدقاء معًا الدراجات فى الشوارع ليكون نشاطًا رياضيًا وترفيهيًا فى الوقت نفسه». «تنشيط السياحة الداخلية أحد أهدافنا» على صفحة «يلا عجلة» على الفيس بوك، صور للفريق فى أماكن مختلفة يصلون إليها بعد جولة بالعجل، يقضون يومهم استكشافًا لتلك الأماكن التى من الممكن أن تكون قريبة من بيوتنا، لكنها مازالت بعيدة عن أفكارنا لقضاء الإجازة. يشرح صلاح الهدف من تلك الجولات: «أحد أهدافنا تنشيط السياحة الداخلية، بتنظيم جولات لزيارة الأماكن السياحية مثل قصر البارون، شارع المعز، برج القاهرة، قصر محمد علي، ركوب فلوكة فى النيل وغيرها. نتجمع فى نقطة معينة ونركب الدراجات إلى المكان المتفق عليه على صفحة الفيس بوك، ونقضى يومنا فى الجولة ونعود من حيث انطلقنا». قيادة الدراجة مع مجموعة للتغلُّب على الخوف بإمكان الكثيرين قيادة الدراجات على شاطئ البحر فى رحلات المصيف أو فى شوارع الحى الهادئة، لكن القيادة فى شوارع رئيسية وسط السيارات المسرعة والإشارات وغيرها غير معتاد. مشكلة تواجه الراغبين فى امتلاك دراجة واستخدامها كوسيلة للتنقل بدلًا من اختناق المواصلات وزحمة الطرقات المعتادة. فريق يلا عجلة أراد مساعدتهم على التغلب على الخوف، وتعويد الشباب والكبار على قيادة الدراجات فى الشوارع، يقول صلاح: «الشوارع أصبحت زحمة واختنقت بالسيارات لذا اتجه الناس إلى الدراجات، يرغب أحدهم فى شراء دراجة لكنه لم يعتد القيادة فى الشوارع، لذا أحد جوانب مشروعنا تعويد الناس على التعامل مع السيارات». يملك فريق يلا عجلة 60 دراجة لتأجيرها، وينضم له مالكو الدراجات أيضًا ليتضمن النشاط عددًا كبيرًا من المشاركين يصل إلى 100 فرد أو أكثر، يمكن أن يتعب البعض أو يتعرض لسقطة أو غيرها من المشاكل التى تحدث على الطريق، يخبرنا صلاح كيف يتخذ فريقه المكون من 20 مشرفًا ومشرفة التدابير اللازمة لتوفير الأمان فى الجولات: «نؤمِن بالطبع كل هذه النشاطات حرصًا على سلامة المشاركين، معنا إحدى المشرفات فى الفريق وهى كابتن نوران حاصلة على دورة إسعافات أولية من الهلال الأحمر، دراجتها مزودة بحقيبة إسعافات أولية لتتعامل مع أى حادثة قد تواجهنا. سقوط أحدهم من على دراجته أمر وارد وهى حادثة بسيطة نتعامل معها، حدثت مرة أو مرتين من قبل حادثة استلزمت الاتصال بالإسعاف وتم التعامل مع الوضع. تعليمات الفريق التى نلقيها قبل بدء الجولة، تساعد على التقليل من المخاطر، مثل القيادة فى صفين لا أكثر حتى لا نشغل الطريق، ولا يمكنهم تخطى الكابتن، أثناء الجولة نوجه الإشارات بالأيدى حتى لا يخرج أحد عن المسار وننوه لوجود مطب أو منعطف، أحد أهم التعليمات هى عدم استخدام الفرامل بشكل مفاجئ وعبور الطريق بشكل سريع حتى لا نعطل المرور بالشارع». أروى: لا ألتفت لأى رأى سلبى وسأتمسك بالدراجة يشارك فى الجولات مالكو الدراجات، منهم الأطفال والكبار بدفع 10 جنيهات يستلمون السترة الخاصة ب يلا عجلة وينطلقون معهم، المشاركون الآخرون يدفعون تذكرة حسب نوع العجلة من 60 ل 80 جنيهًا، إحدى المشاركات فى النشاط لأول مرة أروى سعيد طالبة بالثانوية العامة تتحدث ل«صباح الخير» عن تجربتها قائلةً: «كنت أتابع صفحة يلا عجلة من فترة وأعجبت جدًا بالفكرة، أقدمت على المشاركة فى النشاط وحدى لأنه لا يوجد فى عائلتى من يجيد قيادة الدراجات، لو كانت إحدى صديقاتى أو قريباتى تجيد ركوب الدراجة كنت سآتى برفقتها لكن المشاركة وحدى لم تكن سيئة، تعرفت أثناء الجولة على فتاة أخرى لم تكن تجيد ركوب الدراجة لكنها تعلمت معهم وشاركت. أنا أحب ركوب الدراجات منذ صغرى تعلمت من دون مساعدة من أحد، أنوى المشاركة فى أنشطة ركوب الدراجات القادمة فهو نشاط ترفيهى ورياضى مفيد» سألنا أروى إذا كانت تحب الدراجات ولم تفكر فيها كوسيلة للذهاب إلى المدرسة أو الكلية فى العام القادم وأجابت: «لطالما رغبت فى امتلاك دراجة أستخدمها كوسيلة تنقل عندما أدخل المرحلة الجامعية لكن تواجهنى مشكلة أننى أقطن بحى شعبى يستغرب قيادة فتاة للدراجة، أتمنى تفعيل مبادرة دراجة لكل طالب سأشارك بها بالتأكيد، فهى ستسهل موضوع تقبل الناس فى المناطق الشعبية لفكرة ركوبى للدراجة، مادمت أحب هذا النشاط فسأتمسك به ولا ألتفت لأى رأى سلبى من بعض الناس الذين يتعرضون لى بالمضايقات عند ركوب الدراجة. أتمنى أيضًا أن يساعد الإعلام فى تعميم الفكرة لتغيير ثقافة الناس حول الموضوع فهو نوع من الرياضات المهمة التى لا يضر الفتاة أن تقوم بها، ومع الوقت والتكرار سيبدأ الناس برؤيتها كشئ عادي». الاستراحة والتقاط الصور قيادة الدراجة رياضة تشبه الجرى لا يمكن أن تستمر فيها بلا توقف للراحة، جولات يلا عجلة أيضًا تتخللها الاستراحات، جولة مصر الجديدة التى شاركنا فيها انطلقت الساعة 8:45 من أمام مسجد خالد بن الوليد بشارع الحجاز لنتوقف فى أولى الاستراحات عند ناصية شارع عمر بن الخطاب لمدة حوالى 20 دقيقة. يتوقف الدراجون لشرب المياه والتقاط أنفاسهم، يجلس البعض على الرصيف فى ظل الأشجار المزروعة فى منتصف الشارع العريض، ثم يعلن الكابتن انتهاء الاستراحة ويعود الجميع للجولة. قد يقابلون فريقًا آخر من راكبى الدراجات أخبرنا صلاح أنه فريق آخر يقوم بنشاط لقيادة الدراجات أيضًا فى شوارع مصر الجديدة. عودة إلى الجولة والاستراحة الثانية يقفون فيها أمام أحد محلات العصير، بين عصير القصب والمانجو تستجمع المجموعة طاقتها وتنتظر عودة المتأخرين وبعد التقاط صورة جماعية يعودون إلى الدراجات ليصلوا إلى حديقة الميريلاند فى الساعة العاشرة وهكذا تنتهى الجولة. تعليم القيادة مع المدارس واتحادات الطلاب يشرح صلاح جانبًا آخر للمشروع وهو أكاديمية يلا عجلة لتعليم قيادة الدراجات: «بعض الناس يواجهون مشكلة أنهم لم يتعلموا ركوب الدراجات فى طفولتهم ويعتقدون أنه أمر صعب، لكن الأمر أسهل عند التعلم فى الكبر يكون الشخص أكثر استيعابًا لأسلوب القيادة. نوفر دراجات ومكان مناسب ومعدات أمان خوذة وغيرها ولا يستغرق الموضوع أكثر من حصة فى الغالب تستغرق ساعتين، 90 % من المنضمين لنشاط التعليم أجادوا القيادة قبل إنهاء حصتهم الأولى». يطلعنا صلاح على نشاطاتهم مع الجهات الأخرى التى تطلبهم: «لم ننظم فعاليات مع وزارة الشباب من قبل لكن نظمنا العديد منها بالتعاون مع مدارس أو جامعات كعين شمس أو القاهرة، مع اتحاد طلاب جامعة عين شس بدأنا الجولة من أمام الجامعة وصولًا إلى حديقة الأزهر، قضينا اليوم هناك ثم عدنا بالدراجات». سألنا صلاح عن رأيه فى مبادرة دراجة لكل مواطن التى تهدف لعميم ثقافة ركوب الدراجات، خصوصًا وأن هدفهم واحد فأجاب قائلًا: «سعدنا بسماع المبادرة ونتوقع أن يلجأ لنا الكثير من الذين سيشاركون بها، سيصبح معهم الدراجات لكنهم قد يحتاجون لتعلم طريقة التعامل مع القيادة فى الشوارع وسط ازدحام السيارات وهو ما نقوم بتوفيره وسنسعد بتقديمة للمشاركين.