عندما حقق فيلم «أولاد رزق» الجزء الأول نجاحًا كبيرًا منذ خمس سنوات حدث احتفاء شديد بالفيلم به لبراعة المخرج طارق العريان فى الجمع بين العنصرين الفنى والتجارى من خلال فيلم ينتمى لعالم اللصوص من الطبقة تحت المتوسطة بمفرداتهم الشعبية وسلوكياتهم التى تتلاءم مع بيئتهم وما قبل ذلك كانت معظم أفلامه تتحدث عن الأثرياء الخارجين عن القانون، أو الذين بينهم مسافة طبقية شاسعة بينهم وبين الطبقة الكادحة مثل فيلمه «السلم والثعبان». عندما عُرض «أولاد رزق1» منذ خمس سنوات تقريبًا كان بمثابة حدث سينمائى مهم، نحن أمام توليفة جديدة على السينما ضمت أسماء من العيار الثقيل فى مقدمتهم أحمد عز ثُم أحمد الفيشاوى وعمرو يوسف وأحمد داوود وسيد رجب ومحمد ممدوح، ولم يكن هناك اسم واحد لم تكن له حتمية درامية، وكانت فكرة وحبكة صلاح الجُهينى شديدة الذكاء انعكست على رضا الجمهور عن الفيلم ليأتى الجزء الثانى بعمليات نصب مُختلفة وجذابة ينفذها الأشقاء الأربعة: أحمد عز «رضا» وعمرو يوسف «ربيع» وأحمد الفيشاوى «رجب» وكريم قاسم «رمضان» بخفة ظل وذكاء ومعهم صديقهم المُقرب عاطف «أحمد داوود». «استثمار» عادةً الأفلام التى تتناول عالم العصابات واللصوص والنصب تتحمل تنفيذ عدة أجزاء منها كنوع من استثمار نجاح الجزء الأول منها وهذا شىء مشروع تمامًاعلى غرار الأعمال الفنية الأجنبية وشطارة صُناع هذه النوعية من الأفلام تتوقف على هل لديهم جديد يقدمونه فى الجزء الجديد أم لا ؟ وكيف سيقدمونه؟ . وطبعًا اسم بحجم طارق العريان كمخرج مُتميز؛ خصوصًا فى أفلام الحركة ومعه مُمثلون مُحترفون اجتهدوا ليخرج الجزء الثانى من «أولاد رزق» بشكل أقوى من الجزء الأول فهذا يعنى أنك أمام فريق عمل على قدر من تحمُّل المسئولية أمام جمهور واعٍ. لعبة صلاح الجُهينى فى «أولاد رزق2» أكثر جاذبية مع احتفاظه ببريق الفكره الأساسية بالجُزء الأول والتأكيد على الترابط الأسرى فى العائلات الخارجة عن القانون لا يقل عن العائلات الأخرى، ففى الجُزء الثانى شاهدنا العائلة نفسها بخفة ظلها التى أسسها مؤلف الفيلم بالجُزء الأول وكيف استمر ولاؤهم لفكرة «العائلة» وترابطها، وظهر ذلك فى علاقة الأشقاء الأربعة بعدما خططوا لتنفيذ عملية بعيدًا عن شقيقهم الأكبر أحمد عز «رضا»، وعندما باءت بالفشل لم يترددوا فى اللجوء إليه قبل معرفتهم باختطاف ابنه وزوجته.. حوار مؤلف الفيلم الذى جاء على لسان أبطاله من أبرز حسنات الفيلم وقوته اللافتة للنظر فكُل الجُمل حوارية متوائمة مع روح الشخصيات ومستواها الطبقى التى أسسها المؤلف بالجزء الأول لتستمر بنفس الروح بالجزء الثانى ممزوجة بعنصرى التشويق والإثارة، وبخلاف قوة الحوار وحبكة الفيلم الجيدة نجح صلاح الجُهينى فى خَلق حالة ترقب شديدة لدى الجمهور لكشف خيوط اللعبة بنهاية الأحداث. «المُمثلون» أحمد عز مُتألق جدّا هذا الموسم بفيلمين سيذكرهما الأرشيف السينمائى، أولهما «الممر» الذى عُرض منذ أسابيع قليلة وأثبت من خلاله ثُقله كمُمثل ومدى نضجه الفنى ثُم يضيف لنفسه نجاحًا آخر مُختلفًا ومُميزًا فى «أولاد رزق2»، كذلك شهد الفيلم تميز عمرو يوسف فى شخصية «ربيع» الذى يضرب عرض الحائط بقرارات شقيقه الأكبر «رضا» ولا يرتدع إلا بحدوث كارثة تجبرة على العودة ليدور فى فلك شقيقه الأكبرأحمد عز «رضا» مرة أخرى.. أحمد الفيشاوى رُغم تقلص تأثيره الدرامى بالأحداث على عكس الجُزء الأول؛ فإن هذا يدخل فى حدود منطقية الأحداث بعدما نقل مؤلف الفيلم دور الراوى إلى الموهوب أحمد داوود.أيضًا شهد الفيلم حضورًا معقولًا لكُلّ من كريم قاسم ونسرين أمين فى شخصية حنان زوجة أحمد عز «رضا» الرافضة لعمليات زوجها المشبوهة.. ويُعتبرالحوار الذى كتبه مؤلف الفيلم فى المشهد الذى صفعها فيه أحمد عز عندما طلبت الطلاق من أروع المشاهد المكتوبة، التى ضجت فيه قاعة عرض الفيلم بالتصفيق والضحك. أحمد داوود عاطف «العبيط الحقيقى»؛ استطاع جذب المتفرج رُغم أن 90٪ من مشاهده يؤديها وهو جالس على كرسى ويظهر عليه آثار الضرب.. يُحسب لصلاح الجهينى صياغته البديعة لشخصيات جديدة بالجزء الثانى، وهما باسم سمرة تاجر العملات المُزيفة وخالد الصاوى الخواجة الذى يريد معرفة من هم أولاد رزق. «زحمة» «أولاد رزق 2» كان ممكنًا يصل لدرجة «الكمال» لولا إفراطه فى ظهور شخصيات بلا داعٍ.. مبدئيّا نحن أمام خمسة أبطال رئيسيين يتمتعون بموهبة كبيرة وكُل منهم على حدة له جمهور وهم مُجتمعون سويّا فى فيلم بمواصفات «أولاد رزق» ليسوا فى حاجة لمن يسندهم أو لمن يمثل عنصر جذب من وجهة نظر صُناع العمل الفنى، لذلك لم يكن لغادة عادل أى ضرورة درامية ولم تحظ باستحسان جماهيرى بل خصمت من رصيد الفيلم وسببت تشتتًا للجمهور ودفعته للتساؤل عن سبب تواجدها؟ وإذا كان لا بُد من تواجدها كنوع من الاستفادة باسمها لماذا لم تظهر بشخصيتها الحقيقية مثلها مثل أصالة ويسرا وماجد المصرى مع الوضع فى الاعتبار أن وجودهم أصلًا كان بلا داعٍ، وكذلك سوسن بدر ظهرت فى مشهد صامت كسيدة أرستقراطية عاشقة لحضور مزادات المجوهرات، إلا أن تواجدها غير المبرر دراميّا كان محل علامة استفهام؛ خصوصًا أن فكرة وسيناريو وحوار صلاح الجهينى ومجموعة الممثلين الموهوبين جدّا بالفيلم ليسوا فى حاجة لزحمة ضيوف الشرف على الإطلاق. والدليل أن الجزء الأول من الفيلم لم يكن به هذا الكم من ضيوف الشرف وحقق نجاحًا كبيرًا. نحن لسنا ضد ضيوف الشرف ما يعنينا هو مدى أهميتهم بالشريط السينمائى، لذلك لم نسجل اعتراضًا على الأسماء التى ظهرت بمشهد النهاية، وهم: آسر ياسين وسيد رجب ومحمد لطفى؛ خصوصًا أن الأخيرين كانا من أبطال الجزء الأول وخروج أحدهما من السجن أعطى انطباعًا بوجود جزء ثالث من «أولاد رزق»، ما ترك أثرًا طيبًا أثناء خروج الجمهور من الفيلم. ظهور أياد نصار مُنظم مزادات المجوهرات من الخطوط التى برع فى كتابتها صلاح الجُهينى وجسّدها ببراعة أياد نصار بخلاف تميز الشكل الخارجى المتوائم مع مُتخصص فى مزاد مجوهرات. إذا نظرنا لفيلم « أولاد رزق2» سنجد بينه وبين الجزء الأول خمس سنوات، حدثت فيها طفرة هائلة فى التكنيك السينمائى، وهذا كان واضحًا جدّا فى الجُزء الثانى من «أولاد رزق»؛ خصوصًا فى طريقة تنفيذ المخرج طارق العريان لمشاهد الحركة ومطاردة السيارات بين أحمد عز وأياد نصار. وهذا ليس بجديد عليه، فهو «أستاذ» فى هذه النوعية من الأفلام ويجيد توظيف كل العناصر لخدمة فيلمه وجذب الجمهور لشباك التذاكر. وأخيرًا: فى تصورى أن هذا الموسم السينمائى شهد حدثًا يستحق الاحتفاء بة مُتمثلًا فى صناعة أجزاء ثانية لأفلام تنتمى لنوعيات مُختلفة تحمل أسماء نجوم كبار سواء أمام الكاميرا أو خلفها، والمدهش أن الأجزاء الثانية حققت نجاحات فاقت الأجزاء الأولى بخلاف ارتباط جمهور السينما بأبطال هذه الأجزاء ومطالبتهم بتنفيذ أجزاء جديدة، مما يحمل شركات الإنتاج مسئولية أكبر لتنفيذ أجزاء جديدة مواكبة للتكنيكات السينمائية الحديثة.