أول ما يتبادر إلى الأذهان عند ذكر العمارة الأفريقية، هى أنها عمارة فقيرة، تعتمد على مواد البناء الطبيعية المتوافرة فى البيئات المحلية، فى شكلها البسيط، وأشكال الأكواخ المغطاة بنبات البامبو والبوص المتناثرة بين الغابات. لكن الدارسين للعمارة يرصدون أشكالًا متعددة من العمارة فى دول أفريقيا، تميز كل منطقة، ليس فقط بمواد البناء المستخدمة والأشكال التقليدية، لكن بتأثرها بثقافات من `الطويلة، خاصة فى المدن الرئيسية كما فى ليجوس عاصمة نيجيريا، وداكار عاصمة السنغال، وكيب تاون وجوهانسبرج فى جنوب أفريقيا،وغيرها، وكأن عمارة أفريقيا تحكى تاريخ وجغرافية الناس والمكان. المهندس المعمارى عماد فريد، الحائز على جائزة الدولة التشجيعية فى العمارة عامى 2004، و2016، وجائزة حسن فتحى فى العمارة من مكتبة الإسكندرية 2010، والمتخصص فى العمارة البيئية، من القلائل الذين درسوا العمارة الأفريقية وزاروا ولمسوا أشكالها فى البلاد المختلفة، يرسم خريطة العمارة الأفريقية، ويجملها فى أربعة أشكال منتشرة فى مختلف الدول. الأول: نمط عمارة البحر المتوسط، المنتشر فى دول شمال أفريقيا، المطلة على البحر، مثلما فى مصر وشمال تونس والجزائر، وهو نمط متأثر بالعمارة اليونانية وعمارة جنوبإيطاليا وإسبانيا، مثل تلك المبانى التى لا تزال باقية فى مرسى مطروح والإسكندرية، التى يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، ومثل كبائن البحر، وهى المبانى المطلية باللونين الأبيض والأزرق والتى تتميز بالبلكونات والتراسات الواسعة المفتوحة، لتناسب أجواء البحر الخلابة. مبانى الملح والطين الأخضر أما الشكل الثانى، فهو نمط عمارة الصحراء، وهى الصحراء الممتدة من سيوة فى مصر شرقا إلى مالى غربا، وتشترك معهما ليبيا والجزائر والنيجر، ومدينة مراكش بالمغرب، وتبنى مبانيها فى شوارع ضيقة، ترمى ظلالها على المارة، ليحتموا من أشعة الشمس، وتتميز مبانيها بالفتحات الصغيرة، والحوائط العريضة العازلة للحرارة، كما تتميز مساجدها بالمآذن المخروطية الشكل، وتستخدم كوسيلة إعلام لبعد الأماكن الصحراوية عن الحضر والمدن الكبيرة. وعمارة الصحراء كما يوضح المهندس عماد، تستخدم الخامات المتوفرة فى البيئة المحلية، كمواد بناء، ففى الصحراء المصرية «سيوة مثلا» تستخدم مادة الكرشيف، وهى خليط من الملح الصخرى والطينة الصحراوية الخضراء، كما تستخدم مناطق أفريقية صحراوية أخرى، الطَفْلَة كمادة بناء. أكواخ البامبو أما الشكل الثالث من العمارة الأفريقية-عمارة بلاد وسط أفريقيا، وتعتمد كما يقول الاستشارى المعمارى عماد فريد، على الأخشاب المتوافرة فى الغابات، مثل البامبو والغاب والبوص،وتنتشر فى الكاميرونونيجيريا وغانا وجنوب السودان، والمعروفة بعمارة الأكواخ، فتنتشر الأكواخ فى تجمعات سكنية فى السودان، وانتشر فى مصر فى الماضى البناء بالبوص ببراعة فى مصيف رأس البر، على شكل عشش بسيطة للتصييف، على هيئة مبانٍ فاخرة، كالتى ظهرت فى فيلم شاطئ المرح لنجاة الصغيرة، وعشش بسيطة أخرى مبنية بالبوص فى المنزلة بدمياط. أما عمارة دول غرب أفريقيا، فهى امتداد لعمارة الصحراء، والمبانى والتجمعات التى على هيئة أكواخ. مبانٍ أوروبية فى قلب أفريقيا أما النمط الأخير من أشكال العمارة الأفريقية، فمعروف بعمارة جنوب القارة، المتأثرة بعمارة المستعمر، وهى عمارة أوروبية، تشبه مبانى الريف الإنجليزيى، وهى المتميزة بالأسقف المائلة المغطاة بالقرميد الأحمر» طين محروق يشبه الفخار»، والمنتشرة فى أنجولا وبتسوانا وجنوب أفريقيا، وبعض أجزاء من كينيا،، كما تأثرت المدن الحضارية بقارة أفريقيا بالعمارة الأوروبية فى القرن التاسع عشر، نتيجة الاستعمار الذى اهتم بالعواصم، كالقاهرة والدار البيضاء ونيروبى، وجوهانسبرج وكيب تاون وهى مناطق التجارة والصناعة المشهورة فى القارة. وبشىء من التفصيل يشرح المهندس عماد فريد الفرق بين العمارة الأوروبية والمبانى أوروبية الشكل فى المدن الأفريقية: «نعم طور المستعمرون شكل المبانى الأوروبية لتناسب البيئات المحلية فى أفريقيا، لكنه لم ينتج نهضة معمارية ضخمة فى المناطق التى احتلها، فلم نجد فى أفريقيا حاكمًا محليًا أحدث نهضة معمارية مثل الخديوى إسماعيل، ولم تقتصر تلك النهضة على المدن المصرية، وإنما تأثرت بها بعض المناطق التى توسع فيها الخديوى فى أفريقيا، وفى مقدمتها، ميناء سواكن بالسودان، الذى تشبه مبانيه، مبانى وعمارة مدينة القصير المصرية، المطلة على ساحل البحر الأحمر، وتتميز تلك المبانى، بطابعها الأوروبى الممزوج بالثقافة المحلية، فنجد المبانى مشيدة بطابقين أو ثلاث، بها تراسات وبلكونات من الخشب، يستخدم فى بنائها الحجر والطين وبقايا الشعب المرجانية والأخشاب فى الشرفات، وهى عمارة تعود للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر». ويكمل: فى مصر تنتشر عمارة البحر المتوسط وعمارة الصحراء فى سيوة والواحات الداخلة والخارجة، ولدينا عمارة خاصة بنا، وهى عمارة القاهرة التاريخية،التى تعتمد على الأحواش والمشربيات النابعة من ثقافتنا المصرية العربية، ونتفرد بمساجد مثل السلطان حسن وقلاوون فى التخطيط وطريقة البناء والضخامة وغيرها، ثم العمارة العثمانية التركية التى تأثرت بالعمارة البيزنطية، ثم يأتى عصر محمد على الذى تأثرت فيه العمارة بأوروبا، ثم تأتى قمة فنون العمارة مع عصر الخديوى إسماعيل، الذى بنى مصر الخديوية على النمط الفرنسى، مستقدمًا بنائين من فرنسا وباقى أوروبا.