كانت هذه هى المرة الأولى التى أزور فيها موسكوالعاصمة الروسية.. وصلت إلى هناك وفى مخيلتى تلك الصورة التى رسمتها السينما الأمريكية عبر سنوات طويلة عن الروسيين واستعددت نفسيًا لمقابلة وجوه جامدة تكسوها الحمرة من كثرة شرب الفودكا ومشاعر باردة وعيون زجاجية فارغة من أية مشاعر .. كما تهيأت نفسيا أن أكون مراقبة طوال الوقت، حيث إننى فى بلاد الجواسيس بامتياز حسب الدراما الأمريكية. وصلت إلى مطار موسكو وأنا أنظر حولى بريبة أتطلع إلى الجاسوس الذى سيتولى مراقبتى ولحسن الحظ تم توفير مترجم لى ليصاحبنى طوال فترة تواجدى حيث كنت مكلفة بالتغطية الإعلامية لرئيس وزراء مصر آنذاك د. أحمد نظيف. خرجنا من المطار واتسقللنا سيارة إلى حيث الفندق.. أسندت ظهرى إلى مقعد السيارة وأطلقت نظرى عبر النافذة لأدرك بعد قليل أنى أتجول داخل كتاب عريق يفوح منه عبق التاريخ.. فعلى الرغم من ازدحام المدينة وتكدس السيارات، فإننى لم يزعج أذنىّ صريخ أبواق السيارات .. فالصفوف منتظمة تسير ببطء وهدوء وكأن هناك اتفاقا غير معلن على احترام التاريخ القابع بين الجدران والشوارع.. وصلت إلى الفندق وتقدمت بجواز سفرى إلى عاملة الاستقبال فنظرت فيه ثم نظرت إلىّ بشىء من التعالى وقالت: عربية؟؟ قلت: بل مصرية.. قامت بتسجيل اسمى وبياناتى وسلمتنى مفتاح الغرفة الذى كان عبارة عن كارت ممغنط وقالت لى عليك أن تعلمى أن نظام الفندق أن تدفعى الإقامة يوما بيوم وليس فى نهاية المدة وإلا لن يعمل مفتاحك.. نظرت إلى المترجم وسألته عن سبب هذا التعالى أجاب بابتسامة خجلة: ربما مجهدة من العمل فنحن فى نهاية اليوم.. لم أقتنع لكننى تجاوزت.. بعد عدة أيام من العمل المرهق ذهبت إليها لأقول لها أننى سأدفع الإقامة كاملة الآن لأننى أعود مجهدة وأريد أن أصعد إلى غرفتى فورا بدلا من الوقوف هكذا يوميا لأدفع ثمن الإقامة يوما بيوم.. فى الحقيقة أنها وافقت فورًا وكأنها تخوفت أن أتراجع عما قلت.. أثناء دفع الحساب اكتشفت أن المبلغ الذى معى لن يكفى قلت لها سأصعد لأحضر لك بقية المبلغ.. ترددت قليلا ثم قالت لا بأس فلتحضريه غدا.. وسلمتنى الفاتورة بكامل المبلغ.. فى اليوم التالى ذهبت لأسدد باقى المبلغ .. كان هناك موظفة أخرى.. قلت لها أن هناك مبلغا متبقيًا علىّ دفعه فى فاتورة الفندق.. نظرت إلى شاشة الكمبيوتر وقالت سيدتى ليس عليك أية مبالغ، ودار حديث بينى وبينها فى محاولة منى لإقناعها أن هناك جزءا من المبلغ متبقى وهى رافضة لأن الوثائق لديها تقول إن كل شىء تمام.. فى النهاية طلبت منها أن تتصل بزميلتها التى كانت مكلفة بدوام الأمس، وبالفعل اتصلت ووجدتها فى حالة انهيار تام.. فقد كان هناك عجز فى ميزانية أمس ولا تدرى من أين أتى هذا العجز وقد قامت إدراة الفندق بخصم المبلغ من راتبها ولم يكن بالمبلغ اليسير.. وعندما أبلغتها زميلتها بالحديث الدائر بيننا وأننى أصررت على أن هناك خطأ فى الفاتورة طلبت أن تحادثنى على الهاتف وقالت لى أعتذر لك عن سوء استقبالى ومعاملتى .. فأنا كانت لدىّ صورة خاطئة عن المسلمين والعرب.. كنت أتصوركم أفظاظ القلوب لا تعرفون سوى العنف والإرهاب.. أشكرك أنك أصلحت هذه الصورة.. لقد علمتنى أن أحكم على الأمور من خلال المواقف وليس الأفلام.. شعرت بالخجل فلم تكن هى فقط من رسمت صورة للآخر عبر الأفلام والروايات.. أنا أيضا فعلت.. لم يكن هذا هو الموقف الوحيد الذى تعرضت له فى موسكو.. وللحديث بقية.