حكايات البشر أروع من الخيال، أبطال الظل الذين ينسجون أيامهم بالكد والشقاء، بالعناء والصبر، بكل ما يملكون من إصرار على مواجهة الصعاب المتتالية هم بحق أبطال من نور، فبطولات الناس الشقيانة فى مواجهة الحياة بظروفها القاسية وتحدياتها المتكررة. فى أبيس تلك القرية القابعة على حدود مدينة الإسكندرية بها من قصص النجاح ومحاولة التغلب على عثرات الحياة والخروج من النفق الضيق إلى النور والبراح فكم من بيوت كان شبح السجن يهددها بسبب ديونها المتراكمة وعجزهم عن السداد وتحولهم إلى غارمين مطاردين بالفضيحة والحكم عليهم ودخولهم خلف الأسوار. كانت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى بأهمية تحويل حياة من هم أشد احتياجًا إلى حياة كريمة وحياة منتجة خير مرشد لفريق عمل مصر الخير الذى ما لبث أن أخذ على عاتقه البحث فى سبب تراكم الديون وتعثر أكثر القرى من حيث عدد الغارمين وكانت توجيهات الرئيس بحل مشكلتهم بشكل جذرى وشبه نهائى وذلك عن طريق تحويلهم إلى منتجين وليس فقط تسديد ديونهم، فجاءت فكرة تحويلهم إلى منتجين فى مجالات خبراتهم. البداية من أبيس قرية أبيس التى ارتبط اسمها من قديم الأزل بالسجاد اليدوى الرائع من الحرير والصوف، وجد فريق مصر الخير أن بها عددًا كبيرًا من الغارمين يكاد يصل بالقرية لأكبر نسبة من الغارمين بين قرى مصر بعد أن توقفت المصانع وجفت ينابيع الرزق، وندرت الدخول وزادت الديون والغارمين. وكان قرار مصر الخير بتشغيل هذه المصانع ذات الجودة والتميز بأهل البلد وتسديد ديونهم وتحويلهم إلى منتجين وحل مشاكلهم من جذورها، كما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبالفعل بدأت فى فتح أول مصنع للسجاد اليدوى الرائع وعلى خط موازٍ تفتح أسواق عربية لتسويق هذا السجاد لتستمر المصانع وتزداد، وبالفعل توالت افتتاح المصانع حتى وصلت إلى خمسة مصانع يعمل فيها نساء ورجال وبنات القرية التى تبدلت حياتهم من البؤس إلى الشعور بالنجاح والإنتاج وكذلك البهجة. طاقة خير بوجه صبوح باسم وجسم نحيل وجلباب وردى بلون الزهور التفتت لى وحدثتنى وهى تعمل على النول قائلة: بدأت العمل بالمصنع من ثلاث سنوات، فى المصنع يوجد محو أمية، وتحفيظ قرآن، ومطبخ يتم فيه عمل وجبات ساخنة يوميًا وفق جدول أسبوعى للوجبات المتنوعة ما بين يوم فراخ، يوم لحمة، يوم كفتة يوم بطاطس وعدس ويوم بطاطس وأرز وسلطة، إضافة إلى كوب لبن يوميًا يوزع علينا فى الصباح، إضافة إلى الرعاية الصحية، هذا ما قالته لى ذات الوجه الباسم الشقيانة وهو ما شاهدته على أرض الواقع خلال زيارتى لقرية أبيس ومن خلال كلامى مع سيدات وبنات القرية العاملات بالمصنع، منهن بطلتى ذات الوجه النحيل وتواصل وهى تعمل على نول الصوف سرد قصة حياتها: تزوجت وأنا عمرى 19 عامًا وأنا أم لأربعة أبناء أكبرهم فى أولى إعدادى وأصغرهم فى الحضانة، وقد أصريت على العمل رغم اعتراض زوجى ووقفت بقوة وأقنعته وأقنعت إخوتى، فقد شعرت بذاتى عندما التحقت بالمصنع فهو طاقة خير فتحت لنا أبواب العيش الكريم والقدرة على مساعدة أولادى على التعليم والعيش الكريم وهو شغل حياتى وجعلنى أشعر بالفخر وبأنى منتجة وأحسن من مستوى حياتى وحياة أولادى وفى إجازة المدارس تأتى بناتى للعمل معى. غارمة من زواج ابنتها لم أسالها عن عمرها لكنها تبدو قد انفرط عقد عمرها الأربعينى، وجهها أسمر عليه ملامح الشقاء والمعافرة فى الحياة حكت لى: إنها كانت غارمة بعد أن عجزت عن سداد كمبيالات بمبلغ 4500 جنيه فتفاوضت مصر الخير مع التاجر الذي كنت قد اشتريت منه جهاز ابنتى، ودفعوا له 4000 جنيه وأخذوا الكمبيالات وكمان شغلونى بمرتب نحمد ربنا عليه، وكمان قدرت من شغلى إنى أجهز بنتى التانية، بس هما ما ساعدونيش فى جواز ابنتى التانية علشان كل واحدة ممكن يساعدوها مرة واحدة فقط. زهرات المصنع عدد من البنات يعملن فى المصنع هن زهرات المصنع اليافعات الباسقات اللاتي يملأهن الحلم والرغبة فى العلم فهناك قابلتهن بوجوههن الصاحبة والراضية، يعمل آباؤهن فى فلاحة الحقول وهن تطلعن لتعلم صنعة تنفعهن فى مستقبلهن، حكت لى بدرية أن العمل على النول يختلف من بنت إلى أخرى فهى تدربت حتى أصبحت «ماسكة نول» وبنت أخرى قالت لى أنا مساعد مدرب وأجد نفسى فى العمل الذى تتواجد فيه من الساعة 7.15 صباحًا إلى الساعة الخامسة عصرًا، ولدينا يومان إجازة هما الخميس والجمعة، ونعود يوم السبت ونحن مشتاقون إلى المصنع والعمل. أبلة حليمة زيان خلال حديثى مع البنات وجدت اسمها يتكرر على أنها المشرفة والأم الكبرى لهن تستوعب مشكلاتهن وظروفهن وتعاملهن بحزم وحنية فى ذات الوقت، فهى كما قالت لى إحدى البنات اليوم الذى أذهب لصرف دواء السرطان لأمى لا تخصمه أبلة حليمة فهى ملاك الرحمة فى هذا المصنع، وتبتسم أبلة حليمة وهى تسمع البنات وهن ينادين عليها لالتقاط صور تذكارية معهن، وأبتسم أنا لأنهن كن رافضات للتصوير، أبلة حليمة التى تأتى يوميًا من الإسكندرية فى تمام السابعة لتشرف على بنات المصنع بمجرد أن وقفت للتصوير التفت حولها البنات فى فرحة خاصة «شهد» أصغر فتيات المصنع فعمرها 12 عامًا وابتسامتها الخجلة تملأ وجهها وضحكن جميعًا لتطلع الصورة حلوة. وأخيرًا سجاد قرية «ابيس» المغزولة بأيدي أبطال الظل فى مصانع استطاعت مصر الخير تعميرها وبعث الروح فيها مرة أخرى يُصدّر لدول أوروبا وأمريكا وفى دول الخليج فتحية لمن حولوا قصص الكفاح إلى قصص نجاح مبهرة.•