الأحد.. "الشيوخ" يناقش الأثر التشريعي لقوانين الضريبة على العقارات والتأمين الصحي    جامعة حلوان تستقبل وفد هيئة مكتب البورد العربي للتمريض    الأردن يوضح الفئات المستثناة من قرار وقف استقدام العمالة الأجنبية    غياب وزير التعليم يثير غضب نواب الخطة والموازنة في مجلس النواب    شعبة النقل: ميناء السخنة إنجاز تاريخي في بنية الموانئ المصرية الحديثة    الحكومة: أجازة عيد الاضحى من الخميس المقبل حتى الاثنين 9 يونيو    وزير الخارجية والهجرة يزور المركز الثقافي المصري بالرباط    حماس: إسرائيل تُهود الأرض الفلسطينية ضمن مشروع ضم صريح    منافس الأهلي.. باتشوكا المكسيكي يعلن رحيل مدربه    ضبط كميات من السجائر مجهولة المصدر وسلع تموينية بالإسكندرية    رئيس الوزراء يتفقد مكونات المقر الرئيسي الجديد لجهاز حماية المستهلك    عاجل- 200 ألف جنيه لأسرة كل متوفى.. و20 ألفًا للمصابين في حادث المنوفية: وزير العمل يوجه بسرعة صرف التعويضات لعمال اليومية    رسائل تهنئة عيد الأضحى 2025 قصيرة ومعبرة وجاهزة للنسخ    عاجل|انخفاض نسبة المدخنين في مصر إلى 14% وسط زيادات متتالية في اسعار السجائر    أسوشيتدبرس: ترك إيلون ماسك منصبه يمثل نهاية لمرحلة مضطربة    السفير خالد البقلى وإلينا بانوفا يكتبان: يحرسون الأمل وسط الصراع حان الوقت لتمكين حفظة السلام التابعين للأمم المتحدة لمجابهة تحديات الغد    بنسبة حوادث 0.06%.. قناة السويس تؤكد كفاءتها الملاحية في لقاء مع الاتحاد الدولي للتأمين البحري    «متضمنش حاجة».. شوبير يفجّر مفاجأة بشأن معلول مع الأهلي    قرار مفاجئ من الأهلى تجاه معلول بعد دموعه خلال التتويج بالدوري    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    الرئيس السيسي يهنئ نظيره الكرواتي بذكرى يوم الدولة    انفجار ضخم قرب مركز توزيع مساعدات في محيط نتساريم وسط غزة    استشهاد وكيل المرور دهسًا في كمين العلمين.. والأمن يضبط السائق    موعد إعلان نتيجة الصف الثاني الإعدادي 2025 في الغربية برقم الجلوس والاسم    مغادرة آخر رحلات حجاج الجمعيات الأهلية بالدقهلية اليوم.. صور    «هكر صفحة زميلته» ونشر صورًا وعبارات خادشة.. حبس موظف وتغريمه أمام المحكمة الاقتصادية    إصابة 7 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    قصور الثقافة تفتتح أولى عروض مشروع المسرح التوعوي ب «لعنة إلسا» (صور)    اليوم.. «القاهرة الفرنكوفونية» يحتفي بمرور 120 عامًا على السينما اليونانية    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    إعلام إسرائيلى: نتنياهو وجه بالاستعداد لضرب إيران رغم تحذيرات ترامب    ندب الدكتورة مروى ياسين مساعدًا لوزير الأوقاف لشئون الواعظات    انتهاء حرب غزة بعد شهرين وخروج سكانها منها، توفيق عكاشة يكشف الخطة    التأمين الصحى الشامل بالأقصر يعقد ملتقى تثقيفيا لأهالى مدينة أرمنت.. صور    انطلاق المؤتمر العلمى السنوى لقصر العينى بحضور وزيرى الصحة والتعليم العالى    تحرير (142) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    الصحة العالمية تقدم خطوات بسيطة لتجنب التعرض للجفاف والعطش خلال الحج    بإطلالة كاجوال.. مي عمر تتألق في أحدث ظهور لها    المطربة أروى تعلن موعد عزاء والدتها في دبي    ما حكم اقتناء بعض الناس للكلب لأسباب نفسية؟.. خالد الجندي يوضح    لأول مرة.. المتحف المصري الكبير يضم كنوز توت عنخ آمون كاملة    توجيهات عاجلة من الري بشأن المخالفات على ترعتي الحمام والنصر    أحمد شوبير يعلن موعد أول تدريب للأهلي تحت قيادة ريفيرو    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن 4 أشخاص    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    الوطنية للتربية والعلوم والثقافة تشارك بدورة المجلس التنفيذى ل"ألكسو" بتونس    ياسر ريان: بيراميدز ساعد الأهلي على التتويج بالدوري.. ولاعبو الأحمر تحرروا بعد رحيل كولر    ارتفاع مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة نهاية الأسبوع    بعد توجيه شيخ الأزهر.. صرف إعانة إضافية بجانب منحة عيد الأضحى اليوم    زيلينسكي يدعو لزيادة الضغط على روسيا لإنهاء حربها ضد أوكرانيا    هل أبلغه بالرحيل؟.. عماد النحاس يفجر مفاجأة بشأن حديثه مع معلول    موعد أذان الفجر اليوم الخميس ثاني أيام ذي الحجة 1446 هجريًا    نشرة التوك شو| ظهور متحور جديد لكورونا.. وتطبيع محتمل مع إسرائيل قد ينطلق من دمشق وبيروت    5 أيام متتالية.. موعد اجازة عيد الأضحى 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    3 فترات.. فيفا يعلن إيقاف قيد الزمالك مجددا    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمى بنت الشيخ أحمد أبوالسعد.. علمتنى الحروف
نشر في صباح الخير يوم 20 - 03 - 2019


كتب: د.عاطف الشيتانى
مستشار السكان والصحة الإنجابية بوزارة التضامن
حبل أفكار الأمومة ممتد ولا ينقطع أبدًا، فالحديث عن الأم ملهم للنفس ومريح للقلوب ويفك عقدة اللسان، ومهما طال العمر بالإنسان وتبدلت أحواله بين السعادة والحزن يظل الحديث عن أمه هو المدد المُعين فى كل الأحوال.
الكلام عن الأمومة تلقائى ومن القلب للقلب بعيدًا عن الرياء والنفاق، من منا لم يتوقع أن يكون هو أحد موضوعات الإنشاء المطلوب الكتابة فيها بورقة أسئلة اللغة العربية، ومن منا لم يجلس مع نفسه فى لحظات الضيق يتذكر أيام الطفولة والصبا والأمان وقت أن كان العطاء فياضًا والحنان دافئًا على الدوام، يكفى استرجاع لحظة واحدة، بعدها تبدأ الأفكار فى التسلل بخفة ثم تنهمر من الذاكرة بسلاسة، ويخرج من العيون ما يفيض منها حبات دموع، فمعظم من هم فى سنى، ذهبت أمهاتهم ولم يتركن لهم سوى الحنين.
أن أتحدث عن أمى أنا، وعلى ورق يقرأه الجميع، شىء مختلف، ما بينى وبينها ليس قصة أو رواية تُحكى، ولكنها دنيا عريضة بدأت منذ امتد الحبل السرى يربطنى بها ويشدنى إليها ويمنحنى الحياة، دنيا ليس من السهل وصفها، فالأحاسيس عميقة بدون قرار؛ والمشاعر جارفة وجياشة؛ والكلمات قليلة وعاجزة، حتى إن وجدت بعض الكلمات فأى منها قادرة على ترجمة كل هذا الحب الخالد الذى يحتوينى وأحتويه لأمى الحاضرة الغائبة.
أمى بنت الشيخ أحمد أبو السعد، الحاصل على عالمية الأزهر، فى 1942 خطبها لأكبر أبنائه الشيخ محمد الشيتانى أحد تجار القطن الكبار فى دسوق بكفر الشيخ، وصاحب محلج قطن يحمل اسمه، عندما كانت أم كلثوم تغنى «هلت ليالى القمر» لأول مرة، كما حكت لى أمى. كان لجدى، رحمه الله، سبعة عشر من الأبناء، ولأخيه عدد مقارب، وكوّنا معًا عائلة كبيرة الحجم وممتدة لأجيال.
لم يكن أحد مهمومًا بالمستقبل، فمعظم أفراد العائلة يعملون بمحلج القطن، مما جعل معظمهم ميسور الحال، يركبون عربات الفورد الشهيرة فى الخمسينيات ويرعى أطفالهم خدم كثيرون، ثم جاء قرار تأميم الشركات والمصانع فى الستينيات كالإعصار الذى هبّ فجأة ولم يترك وراءه سوى الدمار الشامل، وانهار كل شىء فى لحظة، وتبدلت الأحوال، ووجدت أمى نفسها فى مواجهة الحقيقة المرة، ستعيش أوقاتًا عصيبة تهد رجالًا، لكن الغريب أن حبها لجمال عبد الناصر لم يتبدل، وشربنا منها هذا الحب.
كان عليها وبذراعين فقط أن تربى ثمانية أطفال، منهم 7 ذكور لا يهدأون أبدًا، الأيام كانت تمر بطيئة أكثرها مرّ وقليلها حلو، وأمى صامدة ترعى أطفالها فى صبر وجلد، ولم يكن هناك سند، فالكلّ تضرر، ومع هذا لم يغب الإحساس بالدفء والأمان أبدًا عن حياتنا بفضل أمى، نعود من المدرسة ونشم رائحة الخير رغم الظروف.
لم يصب أحد الأطفال بأمراض سوء التغذية التى نسمع عنها الآن، بل إن الابنة الوحيدة انتقلت إلى القاهرة بهيموجلوبين 16 ملجم، وانخفض بعد ذلك عندما تزوجت بالقاهرة.
مثل الكثير من المصريين، عندما يضحكون من قلبهم يصيبهم القلق من حدوث شىء يبدل السرور حزنًا فيعجّلون بقول «خير اللهم اجعله خير» كانت تفعل أمى، ولكن إذا كنت أنا سببًا للضحك كانت تقول «االله يجازيك يا عاطف.. ضحّكتنى وأنا عيانة» ولم تكن وقتها مريضة، ولكنا تعودت أن تكون لحظات السعادة قصيرة، فتتدعى المرض أحيانًا وكأنها تراوغ المجهول عله يؤجل قدوم لحظات الحزن قليلا.
خطها جميل والحروف كبيرة وواضحة
تعلمت كتابة الحروف على يد أمى، كانت هناك حصص للتعليم فى البيت كما فى المدرسة، خطها كان جميلا والحروف كبيرة وواضحة، أخرج من المدرسة الابتدائى لأجرى ملهوفا لأطلع أمى على الواجب، وهى تحكى مع كل حرف من الحروف الأبجدية قصة حتى لا أنساه، لا أذكر أنها استعملت القسوة معى مرة واحدة، وكأن الله قد خلق الحنان ثم خلق له قلوب الأمهات، شكوتها مرة لأبلة سميحة مدرسة الابتدائى، كان علىّ أن أكتب اسمى عشر مرات وبنفس الشكل الذى كتبته لى مدرسة الفصل، واختلفنا أنا وأمى فى طول الشرطة فوق حرف الطاء، وابتسمت أبلة سميحة التى كنت أحبها وأثق فيها جدًا، وقالت «كلام ماما صحّ»، وارتحت لهذا الحُكم وزادت ثقتى فى ماما كمعلمة بديلة، وزاد حبى لأبلة سميحة وكانت لى كأم بديلة.
كبر الأطفال وصاروا شبابًا، وسافر من سافر وتفرق الجمع وخف الزحام داخل البيت، ابن واحد فقط هو من اختار أن يبقى بجوار أبيه وأمه لرعايتهما، واخترت أنا الغربة فى الصعيد ثم القاهرة، لم يجتمع الأبناء مكتملين لعقود، وأصبحت أمى مركز الكون ندور فى فلكها، ووطن لا نهدأ حتى نعود إليه، وتكون عودة أى منا كأنها عودة الروح لأمى.
يومًا ما، فى أحد المستشفيات، كنت أشاهد من بعيد أحد زملائى الأطباء يجلس أمام أمه المريضة وهى فى النزع الأخير، حاول تلقينها الشهادة ولم تكن واعية، فصرخ فى أذنيها على أمل أن تسمعه قبل الرحيل «إتشاهدى يا ماما... إتشاهدى يا ماما» وقفت مذهولا من المفاجأة، ليس من لحظات الموت فأنا طبيب، ولكن من قوة أعصاب زميلى وثباته فى هذه اللحظات، لحظات موت أمّه. لم أتصور يومًا ما أنى أتحمل هذا الموقف مع أمى، وتمنيت من الله ألا أكون موجودًا وقت رحيلها، أو أنتهى قبلها.
عندما أخبرنى الطبيب المعالج أن أمى أصابها المرض الخبيث لم أفهم ولم أستوعب، كنت أستمع وكأنى طفل صغير يتساءل بدهشة: هل تموت الأمهات؟ سألت، راجيًا أمل «ممكن نعمل جراحة يا دكتور؟» «طبعًا» ووجه كلامه لأمى «جراحة بسيطة يا حاجة، وها تخرجى على طول». نظرت إليه وأشارت له بإصبعها بعلامة الرفض، وأكدت عليه ألا يفكر للحظة فى لمسها بمشرطه، ثم بكت وبكيت، ورحلت بعدها بشهور، وشعرت وكأن الحبل السرى لم ينقطع إلا عندما ذهبت!. •


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.