بملامح دقيقة، وحساسية تلحظها من نغمات صوتها، للحظة تتصور أنك تحدث أنغاما، النبرة ذاتها ومخارج الحروف.. طريقة النطق والضحكة.. حرفا الراء والشين اللذان يميزان طريقة كل منهما، وربما هما فقط! نورا ناجى، روائية مصرية، درست الفنون الجميلة. وعملت بالكتابة لعدة مواقع صحفية إلكترونية.. والحائزة على جائزة ساويرس لهذا العام لفئة الكتاب الشباب عن روايتها «بنات الباشا». وهى أم لطفلة «فاطيما» تعتبرها إنجازها الحقيقى. «رغم كون الكتابة مؤنثة، إلا أن نصوص الرجل تحظى بقبول عربى أوسع. لاعتبارها كتابة رصينة وذات ثقل. يأتى هذا من كون كتابتهم عاقلة، منضبطة. تجيب فقط عن أسئلة، وذات مشاعر محسومة. أما المرأة فنصها عاطفى، متسائل، يكشف علاقتها المختلفة بكل شىء». حظيت بتكوين ثقافى واجتماعى مختلف تمامًا كطفلة. تقول: «كنت مصابة بسعال طول الوقت. فقضيت طفولتى بالبيت لا أستطيع الخروج. بالأحرى بيت جدتى لسفر والديّ للخارج.. شاحبة وضعيفة من كثرة الأدوية.. إلى أن أنهيت دراستى بالمرحلة الإعدادية واكتشفنا السبب الحقيقى للسعال «الجيوب الأنفية» فأتت الأدوية بثمارها أخيرًا. فى البيت كل تلك السنوات ليس أمامى سوى القراءة». بدأت ممارسة الكتابة صغيرة «فى ابتدائى». لما كانت تعيد كتابة ورسم قصص الأطفال بعدما تغيرها كما تحب، فلم تكن سندريللا المستكينة بجوار المدفأة تعجبها، ولا القدرات الخارقة للساحرة الشريرة تقنعها.. «كتبتها من وجهة نظرى وغيرت صوت وصورة المرأة بها.. كانت مضحكة جدًا. وحين رأيت إعجاب صديقتى بها ودهشتها لها أعجبنى ذلك الشعور. وانتبهت لرغبتى به. أريد أن أكتب وأن أحظى بالدهشة الرائعة التى تمنحها الكتابة.. ودهشة من يقرأ تكمل دهشة الحكاية ذاتها.. وبدأ الاكتشاف والشغف». الكتابة تطهير نفسى، ورحلة للتشافى.. «بعد زواجى وسفرى لكوريا ثم دبى أصبح لدى فراغ كبير، ولم يكن من حل سوى بالكتابة، ومع تزايد الأحداث السيئة بالعالم ومصادفة حملى ووحدتى أصابتنى هواجس، كانت ظروفًا إنسانية صعبة للعالم كله. وكانت الكتابة حلًا أيضًا.. كتبت رواية الجدار وتحررت من ثقل تلك الفترة على نفسى». • بنات الباشا.. الكاتبات حول العالم يعانين من كبت وقيود ما، لذلك تأتى كتاباتهن محملة بأفكار ومشاعر هذا سبيلها الوحيد فى الظهور؛ لذا نصوصهن أكثر عمقًا وذات أبعاد نفسية صادقة ربما أكثر من الواقع. فى الرواية «بنات الباشا» عالم حقيقى وخفى للنساء.. المكان الآمن حد التعرية.. حقيقة ومجازًا.. الكوافير. حيث تصبح جميع النساء امرأة واحدة، تشعر بذات الضعف وتطمح للجمال نفسه، وتخشى الخطوط الزمنية جميعها.. تتخلى كل واحدة عن أية صفة غير أنوثتها، طبيعتها الخاصة، الشفافة الرقيقة.. هشاشتها الرهيفة.. عالمها الكامل. «الجائزة أسعدتنى وأكدت لى أنى بمسارى الصحيح. لكنها ليست هدفا أثناء الكتابة. الهدف هو الإخلاص للأدب بشكل أساسى». تكتب الآن رواية جديدة. وتهتم بشئون صغيرتها «أصبح للزمن معنى متجسد فى ابنتى بعدما كان لغزًا غير مفهوم. وأحب من صفاتها كونها طيبة ودودة وخفيفة الظل». تخفى بابتسامتها الدائمة كثير من الوحدة.. ولا يخفى كل هذا القدر من المشاعر الحساسة. •