لفتوا نظر كل الحاضرين، بأصواتهم المميزة وتمكنهم من النطق السليم والتوافق الموسيقى، إلى جانب مظهرهم الذى بدأ كأنهم أعضاء فى كورال معهد متخصص للموسيقى العربية. لم يصدق الحاضرون أن هؤلاء البنات والأولاد، جمعتهم فقط الظروف القاسية التى مرت بها أمهاتهن من الغارمات، وما مرت به أسرهن، ورغم كل هذا كانوا يغنون بفرح شديد وكأنهم يحلقون فى السماء. غنى الأطفال لأمهاتهم «ليك انت» و«ماما بحبك»، واختتموا الفقرة الغنائية بأغنية «فيها حاجة حلوة» التى تفاعل معها الحضور بمن فيهم الفنانة نيللى كريم ضيفة منتدى «حياة جديدة» الذى تتبناه جمعية رعاية أطفال السجينات، التى أسستها الكاتبة نوال مصطفى. بنات وأولاد عاشوا يوميات صعبة، لكن مشاركتهم فى الكورال والغناء غيرت الكثير من تفاصيل هذه اليوميات، بأكثر مما كانوا يتخيلون. من بين المشاركات فى الكورال «آية محمد» 12 سنة، التى انضمت للجمعية «منذ ثلاثة أشهر، واختارت الاشتراك فى نشاط الغناء، من بين الأنشطة التى توفرها الجمعية لأبناء الغارمات، وجمعها الكورال مع أطفال من مناطق مختلفة، لكن ظروفهم واحدة. عاشت آية لحظات قاسية، لم تشعر فيها بالأمان هى وإخوتها بالمنزل، حين كانت الشرطة تتردد على منزلهم كل يوم، للبحث عن أمهم «هناء»، وكانت الجيران تساعد الأم على الهرب إلى منزل إحدى صديقاتها، إلى أن استطاعت أن تسدد دينها. فى هذه الأثناء خفف عن الصغيرة اشتراكها فى الكورال، «غنائى فى الكورال شجعنى على المذاكرة، كنت فخورة بنفسى بين زملائى بالمدرسة وأشعر أننى أفعل شيئًا مميزًا يسعدنى». أما «رضوى عصام» 13 سنة، فمازالت تذكر مشهد مغادرة والدتها المنزل مع قوات الشرطة، وحزنها هى وإخوتها وانتقالهم للعيش بمنزل جدتها، إلى أن أخذتهم جارتهم إلى الجمعية، ومن خلالها استطاعوا أن يسددوا دين والدتهم، والمشاركة فى الكورال، وحصلت على يونيفورم الكورال من الجمعية «قميص أبيض وجيب كحلى أو بنطلونات بنفس اللون للأولاد»، بالإضافة للأحذية وحقائب المدرسة بكل مستلزماتها. رضوى بانضمامها للكورال، استطاعت أن تحسن طريقة نطقها للكلمات؛ حيث إن مدربهم –جون- كان يساعدهم على تصحيح مخارج الحروف أثناء تدريبات الغناء. عبدالرحمن: «عايز أبقى مطرب مشهور» ومن بين أعضاء الكورال «عبدالرحمن» ابن أربعة عشر عامًا، واختار الغناء لأنه يريد أن يصبح له مستقبل فى هذا المجال بجانب كرة القدم، لذا تقدم للنادى المصرى وقُبل فى فريق الأشبال، ويأمل أن يصبح رياضيًا كبيرًا أو مطربًا مشهورًا، ومشاركته فى هذه الأنشطة غيرت حياته الاجتماعية، رغم الظروف السيئة التى مر بها مع والدته فى سداد دينها. أخو عبدالرحمن الكبير ترك الدراسة من سن صغيرة واتجه إلى سوق العمل خلال أزمة والدتهم، لكن عبدالرحمن قرر تحدى كل ما يعيقه من إنهاء طريقه بالشكل الذى يريده ويأمله. شنودة إبراهيم، مسئول الأنشطة بالجمعية، قال: إن الجمعية رأت أن التركيز على مساعدة الغارمات فقط، لا يكفى، فأطفالهن يحتاجون لتنمية قدراتهم ومواهبهم، وركزنا أنشطتنا مع الأبناء فى خمسة برامج: الرياضية، والثقافية، والتأهيل السلوكى لنبذ العنف، والرسم، والموسيقى، ويقوم على كل برنامج متخصصون كل فى مجاله، واستطعنا أن نكون فريق كورال خاصًا بالجمعية من أبناء الغارمات، وتحدينا العامل الزمنى. واستفاد من برامج أطفال الغارمات، بحسب، سمر أحمد، منسق عام جمعية رعاية أطفال السجينات، فى البداية أكثر من 50 طفلاً، واختار نصفهم تقريبًا الانضمام إلى النشاط الموسيقى، وتم تنظيم جلسات عمل لقياس الأداء الصوتى للأطفال واختيار أكثرهم انضباطًا واستجابة للتمارين، حتى انتهى الأمرب بتكوين كورال من اثنى عشر طفلًا. أمام الميكروفون لأول مرة جون حنا، المدرس المساعد فى معهد الكونسرفتوار، هو مدرب كورال أطفال الغارمات، أكد أنه اختار أفضل الأصوات، الذين يمكنهم تقديم نتيجة جيدة، واستطاع خلال فترة وجيزة تدريبهم على الغناء بطريقة سليمة، بالإضافة إلى تمكينهم من تنظيم النفس أثناء خروج الكلمات، وأصبح لديهم قدرة على قياس المدى الصوتى الخاص بهم. وقال حنا: «لم أشعر بأى صعوبة مع الأطفال أثناء تدريبهم، فقد استطاعوا حفظ الأغانى بسرعة وأحبوا ما كانوا يفعلونه لذلك أبدعوا فيه، وكان الأطفال خلال فترة التدريب، يتعلمون كيفية الغناء عن طريق الإحساس أى يعبرون بقسمات وجوههم عن الكلمات التى يؤدونها، بالإضافة إلى تعليمهم طريقة النطق الصحيح للأحرف، من خلال محاضرات لدراسة مخارج الحروف بطريقة سليمة». وأوضح أن هذا النشاط الغنائى مدّ الأطفال بطاقة إيجابية كبيرة، مما انعكس على حياتهم ودراستهم، حيث استطاعوا من خلال حفظ كلمات الأغانى وفهمها أن يطبقوا ذلك على المواد الدراسية، وارتفع مستواهم العلمى فى فترة بسيطة، بالإضافة إلى تعلمهم الانتظام واحترام المواعيد، من خلال التزامهم بمواعيد البروفات، وتقديرهم أهمية العمل الجماعى أثناء الغناء معًا فى الكورال. وعن تسجيل الأغانى، قال جون: إنه سجل الموسيقى والكلمات مع الأطفال باستوديو صديق له، وكانت سعادة الأطفال كبيرة بوقوفهم أمام الميكروفون للمرة الأولى، مما أعطاهم دفعة إيجابية لتقديم أفضل مستوى غنائى، وهو ما ظهر فى الحفل الذى أعجب به الجميع.•