الاهتمام بانتخابات التجديد النصفى هذه المرة كان أكثر من أى وقت مضى أمريكيا وعالميا على السواء، كما أن علامات الاستفهام والتعجب وأيضا القلق كانت أكثر من ذى قبل. هلل البعض للموجة الزرقاء (الديمقراطية) ورحب البعض بالموجة الوردية (النسائية)، ولم يتردد البعض الآخر فى التحذير من مخاطرة تقويض السيطرة الحمراء (الجمهورية) على صناعة القرار وشعارها المهيمن «أمريكا أولا» بينما قافلة من المهاجرين من الجنوب تزحف وتسير عبر المكسيك لتغزو أمريكا!!. وتساءل الكثير من الأمريكيين عن مصير القرارات الترامبية المتتالية والمتهورة غالبا وهل سيتم عرقلتها أو فرملتها مع تغييرات فى تركيبة الكونجرس الأمريكى السلطة التشريعية الأمريكية التى يجب أن تشارك فى صنع القرار الأمريكى أو على الأقل تحاسب صاحب القرار وتطالبه بالشفافية؟! وجاءت النتائج لتصبح الأغلبية فى مجلس النواب للحزب الديمقراطى بعد أن كان أقلية لمدة 8 سنوات مع استمرار الحزب الجمهورى فى الاحتفاظ بالأغلبية فى مجلس الشيوخ. التمثيل النسائى فى الكونجرس الجديد والذى تبدأ دورته الجديدة فى بداية عام 2019 فاق كل التقديرات والتوقعات وإن كان ملفتا للأنظار منذ فترة ليست بوجيزة الحماس النسائى الفائق ورغبتهن فى المشاركة وإعادة تشكيل المشهد السياسى بجميع مستوياته. 117 من النساء فزن كأعضاء بالكونجرس وحكام للولايات، أول مسلمتين تم انتخابهما للكونجرس إحداهما مححبة وهى إلهان عمر الصومالية الأصل والبالغة من العمر 36 عاما من ولاية مينيسوتا والثانية رشيدة طليب الفلسطينية الأصل والبالغة من العمر 42 عاما من ولاية ميتشيجان، وصارت إليكساندريا أوكازيو كورتيز من ولاية نيويورك أصغر العضوات سنا فى الكونجرس وهى فى ال29 من عمرها، وقائمة الفائزات بمقاعد الكونجرس تشمل العديد من الألوان الأمريكية ومنهن اثنتان من سكان أمريكا الأصليين إحداهما مثلية جنسيا، سكان أمريكا الأصليين بالمناسبة هم من اعتدنا على تسميتهم بالهنود الحمر. والنساء اللائى تم انتخابهن أتين من جميع دروب الحياة والمهن.. ومنهن من عملن أيضًَا فى المخابرات وفى القوات المسلحة الأمريكية. ولا شك أن متابعة مشاركتهن فى الحياة السياسية تعد إضافة للعملية الديمقراطية الخاصة بإدارة شئون البلاد وربما تصحيح مسارها. قد تختلف الأرقام وتفاصيلها فى توصيف المشهد السياسى الانتخابى إلا أن الملمح الرئيسى والبارز هو أن الإقبال تزايد بشكل ملحوظ خاصة بين النساء والشباب والسود والهيسبانيك. وحسب بعض التقديرات الأولية فإن عدد المشاركين والمشاركات فى انتخابات التجديد النصفى، أى عدد من أدلوا بأصواتهم قد تجاوز ال113 مليون. وهذا الرقم يمثل نحو 49 فى المائة من عدد من لهم حق التصويت، ويذكر أن فى انتخابات التجديد النصفى عام 2014 لم يتجاوز عدد من أدلوا بأصواتهم 84 مليونا. بالمناسبة عدد المشاركين فى الانتخابات الرئاسية عام 2016 لم يزد على 138 مليونا. ما عشناه وشاهدناه فى الأسابيع الأخيرة يؤكد أن المشهد الأمريكى السياسى صار أكثر تعقيدا وتخبطا وأيضا محيرا للغاية.ولا شك أن أمريكا تعيش هذه الأيام فترة مواجهة للنفس ومحاسبة للذات لم تشهدها منذ فترة طويلة، خاصة أن المواجهة الدائرة والانقسام المتنامى على الساحة السياسية صارت حروبًا داخلية والصراع المحتدم والقابل للاشتعال بات أمريكيا محضا لذلك لم يتردد بعض المراقبين فى دق أجراس الإنذار والتحذير من مشاحنات ومصادمات قد تحدث فى المستقبل، كما أن البعض منهم وجد فيما يحدث ويختمر حاليا وبشكل مقلق بوادر اندلاع للحرب الأهلية الثانية (السياسية والإعلامية على وجه الخصوص) وبالتالى التحذير مما قد تكون لها من عواقب وخيمة إذا اشتعلت وانتشرت على امتداد البلاد فى القرن الحادى والعشرين. انتخابات التجديد النصفى الأمريكية كانت مهمة ومثيرة للنقاش والجدل ليس فقط بنتائجها بل بما أظهرته من انقسامات حادة وعميقة بين الأمريكيين أنفسهم.. وكيف أن خريطة الولاياتالمتحدة الاجتماعية والسياسية تشكلت وتبدلت وتغيرت عبر العقود. ولم تعد الأمور الخاصة بأولويات المواطن وآليات الاختيار والتفضيل كما كانت من قبل، فما يمكن تسميته بسياسة الهوية والاختلاف والتمييز صار يتحكم إلى حد كبير فى تحديد توجه الناخب وخياره لمن يمثله. ما عشناه ورأيناه هذا العام كان استفتاءً على أداء ترامب واختياراته. هاجس اللاجئين أو ملف الهجرة كان ولا يزال التخوف الأكبر والعامل المؤثر فى الترهيب والترعيب خاصة لدى الكتلة الشعبية الداعمة والمؤيدة لترامب والواقفة قلبا وقالبا وراءه ومع شعار «أمريكا أولا». إن واشنطن المؤسسة الحاكمة وأيضا أهل الإعلام والصحافة يتم التعامل معهم بشك وريبة. وهناك شعور عام بعدم الثقة تجاههم والشك تجاه ما يقولونه وما ينوون فعله. والمهتم والمهموم بالشأن الأمريكى وبما قد يأتى به المستقبل المنتطر لا يتردد فى الدخول فى النقاش الحى والجدل المتجدد لأنه يؤمن ويعتقد بأن ما يتم طرحه من أسئلة بالتأكيد سوف يساعده ويساعد الأمريكيين على فهم الواقع واستقراء المستقبل، خاصة أن الأمر لا يمكن اختصاره بإذا كنا نعرف أم لا؟ بل كيف نعرف ماذا نعرف؟ ثم ما قيمة ما نعرفه أو عرفناه؟ وماذا يمثل ما عرفناه فى المشهد الأكبر؟ وهل ما عرفناه سوف يغير شكل ومضمون فهمنا لما نعيشه ونشارك فيه؟ وهل ما عرفناه وأدركناه سوف يساعدنا فى تغيير الواقع نحو الأفضل؟! ومن المتوقع بشكل عام أن تكون لدى النواب الديمقراطيين بالكونجرس كلمة ورأى وموقف تجاه قرارات ترامب واستفراده بصناعة القرار والسياسة. ما قد نشهده مع بداية يناير نوع من كبح جماح ترامب إذا جاز هذا التعبير على أساس أن ترامب فى الفترة الماضية قرر وأصدر القرار والكونجرس بمجلسيه كان دوره إقرار الشىء وتمريره بعد تبريره. مجلس النواب بأغلبية ديمقراطية قد يمثل عائقا أو حاجزا أمام اندفاع ترامب وتهوره وتطرفه فى اتخاذ القرار.. وأيضا انهماكه فى كسر وتفتيت الآلية المؤسستية للدولة الأمريكية التى ظلت واستمرت مع تعاقب الرؤساء من كلا الحزبين. ما لفت الانتباه فى النقاش القائم والضجيج المهيمن على الساحة الأمريكية التساؤل الذى طرحه الكاتب روبرت صامويلسون فى صحيفة «واشنطن بوست» قائلا: هل تعرف من خسر فى انتخابات التجديد النصفى؟ ثم أجاب بعبارة واحدة «نحن جميعا خسرنا». وفسر إجابته هذه بالقول: « لأن الحزبين قاما بتحويل انتخابات التجديد النصفى إلى استفتاء على الرئيس ترامب، وذلك على حساب أى جدال أو نقاش جاد يجرى حول مشاكل سياسية ساخنة وحيوية تواجهها الدولة حاليا. وذكر الكاتب والمحلل على سبيل المثال العجز الفيدرالى الحكومى الأمريكى والذى وصل إلى 782 مليار دولار هذا العام وقد يصل إلى تريليون دولار فى العام القادم 2019. وذكر أن الأمريكيين يريدون مزايا وخدمات حكومية أكثر مما يريدون دفعه كضرائب. وأضاف كما أن النقاش حول ملف الهجرة تم تحجيمه واختزاله فى اختيار ما بين إقامة الحائط أو جعل الحدود مفتوحة. مع الأسف كما يقول صامويلسون السياسيون يريدون الفوز وبالتالى يقولون للناخبين ما يريدون سماعه. وبالتالى نحن نتعثر فى خطواتنا ونتكعبل دون أن نرى المخاطر التى سوف تواجههنا فى المستقبل. أمريكا 2018 هى أمريكا المنقسمة أو الممزقة ( كما تقول مجلة «تايم» الأمريكية) وتعيش فترة مواجهة وتغيير وتجدد وتبدل و.. لذا لزم التنويه والتنبيه. ميشيل أوباما تتكلم الآن منذ أيام صدر كتاب ميشيل أوباما زوجة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما. الكتاب بعنوان Becoming أى أن تصبح أو تصير. كانت ميشيل سيدة أمريكا الأولى لثمان سنوات (2009 - 2017) وأم تربى ابنتين «ماليا» و«ساشا» فى البيت الأبيض وتحميهما من أضواء وضجيج السياسة والإعلام. ماليا الآن تبلغ من العمر 20 عاما فى حين بلغت ساشا ال17 من عمرها. إن زوجة أول رئيس أمريكى أسود كانت تسمع الكثير وتختار السكوت لأنها كانت زوجة الرئيس الأمريكى. بهذا الكتاب كما قال المعلقون تخرج ميشيل من صمتها لتحكى. ويمكن القول الآن تتكلم ميشيل (54 عاما) لتقول كيف واجهت التحديات فى حياتها كامرأة وكأمريكية سوداء. وكيف كانت تتألم عندما شكك البعض وعلى رأسهم رجل الأعمال دونالد ترامب ( الرئيس الحالى) فى أمريكية باراك أوباما (ذاكرا بأنه لم يولد فى أمريكا) وبالتالى التشكيك فى حقه فى تولى شئون البلاد. وقالت أيضا من ضمن ما ذكرت فى الكتاب أن ابنتيها قد تم تخصيبهما خارج الرحم من خلال التلقيح الصناعى. كما أنها كتبت فى كتابها الذى يضم 426 صفحة: «لقد نشأت فى أسرة والدى كان معوقا وبيتنا كان صغيرا وما نملكه قليلا فى حى آخذ فى الانهيار، كما أننى كبرت محاطة بالحب والموسيقى فى مدينة تتسم بالتنوع وفى بلد حيث التعليم يمكن أن يأخذك إلى أبعد مدى. كان لدى لا شىء وكان لدى كل شىء. والأمر يعتمد على أى جانب تريد أن تحكى وتقول». هكذا تتكلم ميشيل أوباما وتعترف وتتذكر رحلة حياتها بحلوها ومرها معًا. •