من الأسماء التى أطلقها المصريون القدماء على أرض مصر «وِجات»، وتعنى التى لا يشوبها نقص. و«باكِت» أى البديعة كالجوهرة. و«نفرت» وتعنى جميلة الصفات والكاملة. و«عَنِت» أى البهية.. و«مِشِر» أى المحاطة بسور أو المحروسة.. ومنها اشتق اسم مصر المكنون والمحصن. و«تاى - مِرِى» التى تعنى الأرض الحبيبة.. ومنها من الأرض الحبيبة، ولها، كل عيون أبنائها اللامعة الذكية، النابهة الواعية، المحبة الآتية من الأبدية ومن خلاصات الحقيقة.. مصر، أغلى اسم، أصل كل علم، ومنبع الإيمان. التى خلق آمون أرضها الحبيبة، ثم خلق البلاد كلها. ويجىء الحديث هنا عن مصر، اسمها ومعناها بالحديث عن صباحها المتجدد، دائم الإشراق على البشرية.. ذلك الصباح الذى يطل من عيون وعقول أبنائها، فى بساطة وظُرف. لا خوفٌ عليهم وهى محروسة بهم. هم الحصن الذى منحه الإله لأرضنا المقدسة. مسابقة «ماين سويبر» الدولية لكاسحات الألغام، تميزت المشاركات المصرية بها منذ نشأتها منذ سبعة أعوام. وهى معنية بتصميم وتنفيذ روبوت قادر على اكتشاف اللغم فوق وتحت الأرض ورسم خريطة بمحيط المنطقة. الألغام ذلك الخطر الذى خلفته الحروب - وإن سكت نذيرها بقيت أوزارها فى قلب الأرض تهدد البشر مباشرة، أو تجمد الحياة لمساحات منها. والروبوت هنا بمعنى أى جهاز يحل محل الإنسان فى القيام بأدوار معينة وبيئات معينة ولذا يقتبس اسم إنسان آلى..! الفريق الذى نال جائزة هذا العام 2018، «اكترو فنتا» فريق مصرى مكون من ستة شباب، بالسنة الثالثة كلية الهندسة جامعة 6 أكتوبر. قسم «ميكاترونكس» وهو تخصص هندسى حديث نسبيًا، يتطور بصورة مذهلة من يوم إلى آخر. ظهرت الكلمة فى اليابان لأول مرة فى أواخر الستينيات واستعملت بعدها فى أوروبا. وهى مزيج لكلمتى: ميكا أو الهندسة الميكانيكية، وترونكس أو الهندسة الكهربائية والإلكترونية.. يصمم المتخصص بها أى منتج يعتمد عمله على دمج أنظمة ووضع منظومة تحكم لها. يقول المتخصصون عن هذا الحقل الهندسى أنه المستقبل بعينه!.. ويبدو أن تركيب التخصص انعكس على تسميتهم للفريق «اكترو فنتا» التى هى مزيج لكلمتين باللغة اللاتينية وتعنى فى النهاية «سُلطة الشباب» اندهشت لاختيارهم فى البداية ثم شرحوا لى أنه يبحث عن معنى وفكرة ربما تعبر عن صوت الشباب فى الكوكب كله. دور الشباب فى هذا العالم وهذا الوقت تحديدًا.. وقت شبابهم. أو كما قال أحدهم: «مش لازم كل الفرص تيجى بعد ما الناس تعجز..!». جمعهم حب الهندسة فى البداية.. وإن كان جمعهم أيضًا مجموع درجاتهم فى الثانوية العامة الذى جعلهم يأتون من كل مكان فى مصر للالتحاق بجامعة 6 أكتوبر.. وبداخل الجامعة جمعهم حبهم للميكانيكا ولعدم وجود قسم ميكانيكا ذهبوا جميعا لدراسة الميكاترونكس ومن ثم اكتشفوا ثراءها واحتواءها على أكثر من تخصص فى آن معًا. يوسف وأنور وعبدالفتاح وعبدالعزيز ومينا وعاطف.. يحلمون بلقاء رئيس الجمهورية.. يوسف دسوقى، عقل الفريق، هو الذى اختار عناصر الفريق وجمعهم بناءً على تميز كل منهم فى تخصص بعينه « أقنعونى أنهم عباقرة،» يقول. ونضحك كلنا، ويعود قائلًا بعد تجاربنا فى فرق ومسابقات أخرى تعلمنا كثيرًا، وفى هذه المرة حاولت تجاوز كل الأخطاء التى سبق الوقوع بها. والحمد لله نجحنا وحققنا المركز الأول بهذا العام». يوسف الذى يسميه أصدقاؤه عقل الفريق.. يضحكون قائلين « ابن ناس وساكن فى المهندسين» وهو شديد الهدوء، يتحدث كثيرًا عن المشروع، حكيم، وذو ابتسامة آسرة. محمد عاطف، المتحدث باسم الفريق، يتمنى أن يصبح للفريق شركة باسمه تصنع أجهزتهم وتصبح علامة مسجلة. خفيف الظل، سرعان ما يلغى المسافة بينه وبين أى غريب«اجتمعنا على حب الميكانيكا، ومحمد عبدالفتاح أول أصدقائى عرفنى على تخصص الميكاترونكس أحببته كثيرًا ومن ثم تعرفنا على المسابقات، ووجدت هذا المجال مليئًا بالمغامرة والحماس» بسيط ويدخل القلب، لدرجة تتساءل هل كنا أصدقاء من قبل؟ من سكان الهرم، ويحكى عن جذور عائلته بمركز العياط التى تقع بين قريتين، الرقة والعطف..! محمد عبدالفتاح، الرجل المنوفى بالمجموعة، ربما تكفى الإشارة لتدل على قدرات خارقة ستحظى بها المجموعة! اسأله ما معنى أن يكون الإنسان منوفيًا؟! يجيب ساخرًا: «فى إيطاليا عثرنا على مدرسة للمنايفة، لا عجب من أى شىء مع شخص منوفى! ربما لأن طبيعة الحياة بالمحافظة صعبة فتجعل من أبنائها قادرين على النجاح فى أى ظروف، ولا أحد يعلم على وجه الدقة سر عبقرية الإنسان المنوفى!». عبدالفتاح الذى التحق بجامعة أكتوبر وجاء من جنوب الدلتا حبًا فى الهندسة وبحثًا عن فرصة أخيرة لدراستها. يقول: «دخلت الجامعة حبًا فى الهندسة، والهندسة حبًا فى الميكانيكا، الميكاترونكس عوضًا عن عدم وجود قسم ميكانيكا.. وفى الفريق دا اتعلمت حاجات كتير، نجحنا سوا كفريق ودا شىء ضرورى نحافظ عليه». كل حاجة داخلينها جرى وفى آخر لحظة.. معدل الخطر كان دايمًا عالى أوى! عبدالعزيز، رجل اللحظات الحرجة، حظ الأهلى وهدف الدقيقة الأخيرة، رغم زملكاويته الشديدة، من محافظة بنى سويف ويعيش بالهرم منذ التحق بالجامعة، أو عبدالعزيز «السالك البَركة» كما يسمونه، غير مبال بغالبية الأشياء ورغم ذلك يحدث له كل جميل، حتى وإن لم يتوقعه أو يتمناه ويطلبه! عبدالعزيز، الذى يتأخر عن كل شىء هو الذى لا يقفل باب فى وجهه ما شاء الله يفضل النوم «ومخليها على الله».. حين ذهب أحدهم للسفارة للحصول على تأشيرات السفر لمدريد، يقول: «عندما أخبرنى المسئول أنه تم قبول أربعة فقط منا، أسرعت قائلًا عبدالعزيز ومن؟!» «أحب البرمجة لذا كنت أتمنى الدراسة بقسم اتصالات، ولكن والدى رفض. فالتحقت بقسم ميكاترونكس وأقنعته أنها ميكانيكا وساومت أخى كى لا يخبره بالحقيقة».. أسأله: ثم أحببتها؟ يضحك: أكيد لا.. لم أهتم لهذا الحد.. وكيف اشتركت بالمسابقة؟.. يجيب: صدفة، خلال مرورى بجانب أنور والأصدقاء يتحدثون عن المسابقة مع أحد الأساتذة، وقفت بجانبهم قائلًا أنا معهم يادكتور..لا أحد يعرفنى، ولا أنا أعرفهم ولا أعرف المسابقة.. فقط أردت قول ذلك.. ثم بعد أيام حدثونى عن مبلغ لشراء أدوات للمشروع فعندها سألت عن التفاصيل وأعجبنى.. وهكذا. فى أوقات القلق يصبح لدور عبدالعزيز أهمية بالغة، لثقة الجميع ببركته وتحقق أدعيته.. حتى أنا طلبت منه كثير من الدعاء والصلاة لأجل أمنياتى التى أنتظر..! مينا مدحت، رجل الجوزاء، أو رجل المرسيدس.. وربما يكفى أن أذكر أنه من شبرا..! يحب السيارات ربما يعرف عنها أكثر من أى شىء آخر.. هى سبب حبه للميكانيكا وبالتالى للهندسة كلها.. ومثلهم جميعًا درس الميكاترونكس كبديل للميكانيكا فوجد بها عالمًا واسعًا للأجهزة ومعرفة أكثر اتساعًا عما يحب. «عرفنا بعضنا من القسم واحدًا بعد الآخر، واشترك بعضنا معًا فى مسابقات أخرى على مدار السنوات الفائتة.. إلا أن هذا العام كان اختيار يوسف لكل منا وجمعنا معًا فى مجموعة واحدة دور أساسى فى الفوز.. فى المشاركة بالعام الماضى حصلنا على المركز الثالث فى مصر والرابع دوليًا.. وتعرضنا لموقف ربما يكون الأصعب فيما واجهنا.. لم نكن نعلم بالتصريحات الأمنية لخروج الروبوت من المطار. وتم حجزنا فى المطار لساعات وساعات.. كنا معرضين لخطر ورعب التعامل كإرهابيين ولم نتمكن من السفر بالروبوت.. وهناك صنعناه من جديد خلال ساعات قبيل المشاركة، لأننا سافرنا وشاركنا على آخر لحظة.. كالعادة»! محمد أنور، قائد الفريق، مشغول دائمًا، دقيق بكل التفاصيل.. من محافظة السويس ويعيش بأكتوبر مع أخته طالبة بكلية الصيدلة.المسابقة والمشاركة وفريقنا كما رأيتِ ممتلئ بالمفاجآت.. حتى المسابقة كانت تمنح جوائز مادية قبل مشاركتنا بها.. معروف أننا نحس أوى. يضحك ونضحك جميعًا. نحس فائز بجائزة أولى على العالم! يسخرون من خساراتهم فتتحول إلى نجاحات وضحكات.. قضيت معهم وقتًا رائعًا قربنى من المستقبل. ومنحنى لقاءهم فرصة لملامسة الأمل وربما العبقرية.. معلومة عن العبقرية التى يبحث عنها الجميع «بالغة البساطة!». •