كتب:أشرف أيوب معوض يحتفل الأقباط هذه الأيام ب «صوم القديسة العذراء مريم» لخمسة عشر يومًا، تبدأ فى السابع من أغسطس وتنتهى 22 من الشهر نفسه، ويتزامن الاحتفال بمولد العذراء هذا العام مع عيد الأضحى،لتعيش مصر عيدين معًا، وتنذر نذرين.. «أم النور» و«أم المُخلص» وعديد من الألقاب ذات الدلالات العميقة لمكانة السيدة العذراء مريم أطلقها المصريون عليها، وتغنى بها الفنان الشعبى بقصائد مدح تغنى فى الاحتفال بمولدها على المزمار والربابة. وفى الكتاب المقدس بشارة الملاك للعذراء بميلاد السيد المسيح: «السلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك مباركة أنت فى النساء». فتقول مريم عندئذ: «لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَ ذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِى». وفى القرآن الكريم سورة كاملة باسمها «مريم»، وفى سورة «آل عمران» يقول القرآن الكريم: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»، ولفرط حُب المصريين ل«مريم» يطلقون اسمها على بناتهم، تبركا وتفاؤلاً بها، وأخذوا مشتقات اسمها عن اللغات الأجنبية أيضًا، ويعشقون صورتها، وهى تحمل «الطفل يسوع» بحنو الأم، واختلطت هذه الصورة لدى المصريين بصورة «إيزيس» وهى تحمل ابنها «حورس» فى العصور القديمة، ويرسم الفنانون العذراء مريم بملامح مصرية عادة. ويلجأ المسيحيون إلى العذراء، وفى عيدها يقصدونها طلبًا للمعونة، وحل المشاكل، ولشفاء مرضاهم، فهى الشفيعة المُكرَّمة عند المسيح، وينذرون لها النذور، ويقدمون العطايا، وينحرون الذبائح على اسمها، وكثيرًا ما نسمع عن معجزات العذراء مع المسيحيين والمسلمين على السواء، فهى تلبى لمن يعتقد فيها، وتمتلئ الكتب بمعجزات العذراء. شلولو وماء وملح وثوم وليمون ويحرص الأقباط على «صوم العذراء» مع أنه من الدرجة الثانية، لكنه محبوب جدًا لديهم، والبعض ينذر «أسبوع صيام» مقدما قبل الصيام الأساسى،فيصوم 21 يومًا بدلا من 15، ويكون غذاء بعض الأقباط خلاله الخبز الناشف والملح، ويمتنع بعضهم عن أكل السمك، رغم التصريح بأكله، وبعضهم يأكل خبزًا وعنبًا فقط، ومعظم أقباط الصعيد يتناولون وجبة «شلولو» وهى «ملوخية ناشفة» وماء وملح وتوم وليمون، ولا يأكلونها إلا فى صيام العذراء. ويتناقل البعض حكاية شفاهية عن هذه الوجبة، حيث إن العذراء أثناء «رحلة العائلة المقدسة» إلى مصر، لم تجد ما تأكله فأعطاها البعض قليلًا من الملوخية الناشفة، فوضعت عليها ماء وتناولتها، ويتندر البعض بأن «شلولو طبيخ الست على الفرشة»، لسهولة إعدادها. وتصوم بعض المسلمات صيام العذراء مريم، تبركًا وحبًا لها، وقديما كان الأقباط يعلقون صور العذراء على واجهات منازلهم، وفى الشرفات، ويضعون أسفل الصورة مصباحًا مضيئًا، أو يثبتون حولها عقدًا من النور، وفى التراث القبطى الشعبى يحتفظون دائمًا بصور القديسين، خاصة صور القديسة مريم، فى حافظة نقودهم أو يعلقونها فى سياراتهم، وجميع الأقباط يزينون منازلهم وغرفهم بصور العذراء مريم، للتبرك بها، وتتحلى النساء بأيقونات صغيرة من الذهب، كما توضع بجانب الأطفال حديثى الولادة كتميمة لحفظ المولود. وتباركت مصر أكثر من مرة بظهور العذراء على قباب كنائسها، وأشهرها ظهورها فى كنيستها بالزيتون عام 1968، وكان أول من رآها أحد العمال المسلمين وقتها، ثم ما لبث أن تدافع المصريون كلهم لرؤية هذا الظهور العجيب، وتجلت فيه بصورة نورانية عظيمة وهى تبارك مصر كلها، وصاحب ظهورها حمام أبيض نورانى مختلف الأحجام. وكان ظهورها يستمر لعدة ساعات، ولعدة أيام، وكأنه رسالة من السماء للحب والسلام وطمأنينة الشعب، وأنشد الشعب أثناء ذلك الظهور بعض الترانيم: العدرا معانا فى الزيتون جيانا فرحت قلوبنا بوجودها ويانا يا عدرا يا أم النور املينا هنا وسرور ياللا اظهرى ياللا طلى بنورك طلَّة والموالد كظاهرة شعبية تصاحب الاحتفال بأعياد القديسين، وهى ظاهرة معروفة عند المصريين القدماء، حيث كان يتم الاحتفال بالآلهة المصرية القديمة، وتقديم القرابين والنذور والأضاحى والتضرع إليها، واستمرت الظاهرة رغم اختلاف المعتقد، وفى كل بلد فيها كنيسة أو دير باسم العذراء يُقام مولد للاحتفال بالقديسة. تباركت مصر بمجىء العائلة المقدسة «القديسة مريم والطفل يسوع ويوسف النجار» إليها، وتوجد آثار باقية إلى الآن تشهد بمجيء العائلة المقدسة وبمباركتها لأرض مصر، إذ شيدت فى هذه الأماكن كنائس تحمل اسم القديسة مريم، يفد إليها العالم كله لنيل البركة، وتُلقَّب الكنائس والأديرة بأسماء القديسين، لكن أكثرها باسم العذراء، وطيلة الخمسة عشر يومًا، فترة الصيام، تكون هناك خدمة روحية ووعظ وترانيم. الأغانى الشعبية للعذراء وتحرص الجماعة الشعبية على الغناء أثناء زيارة مولد العذراء على دير العدرا وديني أمدح فيكِ بصوت رنان تدعينى وأنا أجيكِ فرحان أيا ريس ودينى للعدرا توضعها فى بيتكم بركة زاد فرحى والرب داعينى يا شفيعة يا أم الديان على دير العدرا ودينى وأنا أديلك من ندرى شمعة على دير العدرا ودينى عتبها حجارة عتبها حجارة عتبها ياقوتى عتبها ياقوتى يا عتبة بلوحة يا عتبة بلوحة بيعتك يا عدرا تفتحه الزايرة بيعتك يا عدرا تفتحه الزايرة بابك يا عدرا فرحتك يا قلبى عتبها حجارة بسن السوارة عتبها ياقوتى بسن العقود يا عتبه بلوحة نهار أن تروحه (الأسورة) (ياقوت) (عقد) ويبدأ الفنان الشعبى فى إنشاده أو غنائه بطلب مساعدة الموالى أو الذين ينشدون الموال فى غنائه لمدح القديسة مريم. يا موالى ساعدونى وأنشد الأوزان مغرم فى مدح مريم دعونى فى البتول نور العيون أسمعوا يا أهل فنى حب مريم قد فتني مدحك كالشهد واحلى قيل جوهر قلت أغلى يا بتول قلبى هاويكواعزلوا العزال عنى دع يقولوا دا جنون للعلا قد صار أعلى ما يعادله بنون دائماً مداح فيك. •