وآدى أول القول بامدح وأقول يارب عدد نجوم السما ويّا نبات الأرض اغفرلى ذنوبى أنا والمسلمين يارب تانى من القول مدحك يا نبى استفتاح يا من تسلم عليك الشمس كل صباح ما أحلى مديحك وما خفه على المداح وأنا إن ما مدحت النبى يا تقل أحمالى وأنا إن مدحت النبى اتشالت أحمالى بامدح نبى زين صاحب مقام عالى من هيبته رازق المليان والخالى بهذه المدائح يتغنى المسحراتى وهو يجوب صعيد مصر قبل أذان الفجر فى شهر رمضان الكريم حاملاً معه طبلة صغيرة، ويدق عليها بإيقاع متميز لإيقاظ الناس للسحور. يطوف الشوارع والحوارى بصوته الجهورى ملحنًا عباراته وابتهالاته ومدائحه ويروى من القصص النبوية بأنغام تطرب لها الأذن. المسحراتى فى التاريخ المصرى يُذكر أن أول مَن نادى بالتسحير هو الوالى «عنتبة بن إسحاق» فى سنة 338 هجرية، وكان يسير على قدميه من مدينة العسكر إلى جامع عمرو بن العاص بالفسطاط مناديًا: «عباد الله تسحروا ...فإن فى السحور بركة». وفى العصر الفاطمى أمر الخليفة الحاكم بأمر الله الناس أن يناموا مبكرين بعد صلاة التراويح، وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا الشعب للسحور، وبعدها عين أولو الأمر رجلاً للقيام بمهمة المسحراتى، وكانت مهمته المناداة «يا أهل الله قوموا تسحروا»، وكان يدق أبواب المنازل بعصا يحملها تحولت مع مرور الأيام لطبلة يدق عليها، كانت تسمى «بازة» ولايزال يطلق عليها هذا الاسم حتى الآن(1). وفى العصر العباسى كان المسحر ينشد شعرًا شعبيّا، مخصصًا للسحور، له وزنان مختلفان ولا يلتزم قواعد اللغة العربية ويطلق عليه «قوما» لأنه يقول قوما للسحور. وقيل إن أول من اخترع فن القوما هو الشاعر «ابن نقطة» فى بغداد . وفى العصر المملوكى كانوا يضيئون الفوانيس عند بدء الإفطار ويتركونها مضاءة، وعندما يحين الإمساك يطفئونها بالإضافة إلى الأذان(2). وكادت مهنة المسحراتى أن تختفى تمامًا لولا أن الظاهر بيبرس أعادها وعيّن أناسًا للقيام بها، ليتحول عمل المسحراتى إلى موكب محبب، خصوصًا للأطفال الذين تجذبهم أغانى المسحراتى ويسعدون بأدائه على الطبلة. وغالبًا ما كان هؤلاء الأطفال يحملون الهبات والعطايا التى كان يرسلها الأهل إلى من يقوم بالتسحير، ويصف المستشرق الإنجليزى إدوارد وليم لين المسحراتى: إنه فى كل ليلة من ليالى رمضان يجول «المسحرون» ليقولوا أولا كلمة ثناء أمام كل منزل وفى ساعة متأخرة يجولون ليعلنوا وقت السحور ولكل (خط) أو قِسم صغير فى القاهرة مسحر. ويبدأ المسحر جولاته بعد الغروب بساعتين تقريبًا ممسكًا بشماله طبلاً وبيمينه عصا صغيرة أو سيرًا يضرب به ويصحبه غلام يحمل قنديلين، ويحيى صاحب البيت ومن فيه بأسمائهم متمنيًا بقوله: «الله يحفظك يا كريم كل عام». ويروى وليم لين ما يعمد إليه نساء الطبقة الوسطى إلى وضع نقد صغير (خمسة فضة أو قرش) فى ورقة ويقذفن بها من النافذة إلى المسحر بعد أن يشعلن الورقة ليرى المسحر مكان سقوطها فيقرأ الفاتحة لهن. ويكمل وليم لين فى حديثه عن إنشاد المسحراتى الذى يبدأ فيه باستغفار الله، ويصلى على الرسول، ثم يأخذ فى رواية قصة المعراج وغيرها من قصص المعجزات المماثلة ضاربًا طبله بعد كل قافية(3). وقد شهد فن التسحير قيام بعض النساء بالتسحير، ففى العصر الطولونى كان هناك بعض النساء يقمن بإنشاد الأناشيد من وراء النافذة، شريطة أن تكون المنشدة من صاحبات الصوت الجميل وتكون معروفة لدى جميع سكان الحى الذى تقطن فيه، كما أن كل امرأة مستيقظة كانت تنادى على جارتها. يا من تسلم عليك الشمس كل صباح يأتى المسحراتى فى الصعيد بعد منتصف الليل ممسكًا بيده اليسرى طبلته وباليد اليمنى قطعة صغيرة من الجلد يدق بها بنغمات متميزة عالية، بصحبته فتاة أو شاب كمرافق، يحمل سَلة يضع فيها الهبات والعطايا التى يمنحها أصحاب البيوت للمسحراتى، بالإضافة إلى الهبات النقدية. ولكل مسحر محفوظه من الإنشاد الدينى ويطرق على طبلته بعد كل بيت شعرى. ولكل مسحر منطقته، التى يعرف أسماء سكانها وأسماء أطفالهم، ويناديهم بأسمائهم، وقد شاهدت بعض الأطفال يسرعون إلى المسحراتى ويقدمون له بعض النقود، مقابل أن يسمح لهم بأن يدقوا على طبلته، وكثيرًا ما يلتف الأطفال حول المسحراتى حاملين الفوانيس فى موكب صغير. وبعد انتهاء شهر رمضان، وفى صباح أول وثانى أيام العيد يجوب المسحراتى منطقته التى كان يسحر فيها ليأخذ هدايا العيد. المسحراتى حافظ للتراث الشعبى المقصود بالإنشاد الدينى هو غناء نصوص شعرية تتضمن موضوعات دينية (مدائح وأذكار وابتهالات وقصص دينى.. إلخ) (4). والمسحراتى مبدع شعبى يرتكز فى إبداعه على التراث الدينى، ويستمد من قصص القرآن، وبخاصة قصص الأنبياء وقصص السيرة التى اختلطت بالمعجزات خيوط قصصه الدينى(5). فالمسحرون فنانون يحفظون التراث الشعبى، وسجلت أثناء سيرى مع المسحراتى نصوصًا شعبية لبعض هذه القصص ومنها قصة الغزالة وقصة الجمل الذى اشتكى صاحبه للرسول. أنا أمدح اللى خطر على الرمل لم علم قرا الهجاية النبى ولا جاله خطيب علام يا مكدب القول يلا نسأل العلام نسأل خطيب زين يكون قارى من الألف لللام واجب عليا أمدحه من قبل ما اتكلم كمنة رب العباد على المصطفى سلم أنا أمدح اللى نزل صايم وربه أتاه شبعان تقوى من حوض النعيم سقاه وأدى آمنة ولدته وأدى جبرائيل سماه كشفوا على نجمته يلقوه رسول الله جات الغزالة لبنها على الثرى مثروب أضمنتها يا نبى لما أتمحى المكتوب قبل مديحى فى طه يا صفوة المعبود كان النبى والصحابة جالسين صفين متجمعين عند أحمد بن رامة سيد الكونين لما أتاهم جَمل يبكى بدمع العين لما أتاهم جَمل يبكى ودمعه شين قال السلام عليكم منى إليك يا زين قال عليك السلام يا دى الجمل مالك البت (لا بُدّ) ما جاى بتشكى من عيا حالك قاله يا مصطفى أنا مغرم بيك وأسألك قاله يا مصطفى ليك حكاية تنكتب فى أوراق بينى وما بين صاحبى يا صفوة الخلاق أنا كنت أمشى فى الطرُق ولا بالى إن حمّلونى حجارة لم كانت على بالى كان يجى صاحبى فى صباى اليوم يشوف حالى يزيد عليقى يا نبى ويتوصى بى جَمّالى لما أتانى العَيَا يا أحمد وانسقم حالى لما أتانى العَيَا يا أحمد لقانى على الثرى مثروب ما أكولش حاجة تقوينى أهم وأقوم لقانى الجَمل حاله وحال الشوم أنا بكرة أدبحه وأشترى غيره جمل مخزون أنا بكره أدبحه وأشترى غيره جمل عالى ينفعنى يوم السفر فى وقت ترحالى لما سمعت الكلام من صاحبى يا هادى نزلت أبكى على سأمى بعد حالى خايف من الدبح والسكين والجزار قال ارتاح يا جَمل بحق الفرض لاريحك بحق من بسط السما والأرض لاريحك يا جمل من صاحبك واساه يكفيك شر أذيته وبلاه قال اطرق الباب يا بلال وهات صاحبه فى الحال بلال طرق الباب وقال يا ولاة الباب نزلت الجارية بالنور فرحانة ضربها اليهودى قلم على الخد قالها ليه الفرح جانا قالت له شوفت محمد أبو عيون نعسانة ويكمل القصة بأن يستدعى النبى صاحب الجمل ويقول له: ألا تتقى الله فى هذا الجمل فإنه اشتكى لى بأنك تتعبه وتجيعه. وتذكر د. نبيلة إبراهيم، أستاذة الأدب الشعبى بجامعة القاهرة، أن المسلمين وجدوا فى شخصية الرسول ما يغنيهم عن كل شخوص التاريخ والقصص القديم. وإذا كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى القرآن الكريم بشرًا لا يقوم بمعجزات، بل يوحَى إليه فإن المخيلة الشعبية ترفض هذه النظرة، فترسم له صورة خيالية تتفق مع التصور العالمى للبطل. ويستعين المسحر فى أدائه لمروياته بالتراث الموسيقى والغنائى، سواء الشعبى أو الذى ينتمى للفن الدارج، أو مما يعد من الموسيقى العربية، لأن الكثير من المسحرين كانوا ذوى صلة بالإنشاد(7).•
المراجع 1و2- فؤاد مرسى - معجم رمضان - هيئة قصور الثقافة. 3- إدوارد وليم لين- المصريون المحدثون - هيئة قصور الثقافة . 4- د. محمد عمران - الثابت والمتغير فى الإنشاد الدينى - هيئة قصور الثقافة . 5- د. نبيلة إبراهيم- ملامح التغير فى القصص الشعبى الغنائى - جامعة القاهرة مركز البحوث والدراسات الاجتماعية. 6- عبد الحميد حواس - رسالة فى بركة رمضان - هيئة قصور الثقافة. 7- أغانى المسحراتى أداء كل من: صابر محمد حسين – ضاحى محمد – أبوشعبان – من محافظة سوهاج.