يوسف وهبى قصة كفاح طويلة، ومريرة، فيها الانتصارات وفيها الهزائم، عاشها فى مد وجزر، غنى فاحش وفقر مدقع، تبرأ والده منه بسبب إصراره على التمثيل، فقرر وهبى السفر إلي روما مصرا على النجاح رغم ما عاشه من حياة قاسية على ظهر الباخرة التى استقلها للوصول إلى إيطاليا. فى الباخرة عاش أزمات طاحنة ومشاكل جسيمة كادت تغير خطته لمستقبله، وكانت أولى الصدمات مع الواقع الإيطالى اضطراره إلى العيش فى ميلانو بدلا من روما حلمه الذى سافر من أجله كما يقول فى مذكراته وهى بعنوان «عشت ألف عام» الصادرة عن دار المعارف. ولد يوسف بيك وهبى فى مدينة الفيوم يوم الرابع عشر من يوليو 1902 على بحر يوسف، والده عبدالله وهبى كان مهندسا للرى وصاحب مشروع ترعة وهبى بالفيوم والتى حولت آلاف الأفدنة الصحراوية إلى أرض زراعية ومازالت هذه الأرض تحمل اسمه إلى الآن، ترقى بعد ذلك إلى «باشمهندس»، ثم مفتش لرى الوجه القبلى، وانتقل للإقامة فى سوهاج التى أنشأ بها مدرسة ابتدائية حملت اسمه كعادته فى كل بلد يعمل فيه، وضم لها قطعة أرض مجاورة لتكون ملعبا لأبناء المدرسة وتعلم بها ابنه يوسف وهبى. أول ليلة تمثيل شاهد التمثيل أول مرة فى سوهاج، حيث حضرت فرقة جوالة «للتشخيص» كما كانوا يسمونها فى ذلك الوقت، وكان بطلها فنان لبنانى يدعى سليم القرداحى، وقد حضر مع والده عرضا لهم وكان مبهورا بما يحدث أمامه، وولدت لديه هواية التمثيل، ولم تمر هذه الليلة إلا وكان معلقا ستارة فى غرفته الخاصة تمثل المسرح ومن بعدها بدأ جمع أصحابه فى منزله الكبير يقلدوا ما شاهدوه. كان أول دور له فى سن التاسعة من عمره من خلال شخص يدعى فؤاد النجار يود التقرب من والده لكى ينال حظه، فقد كان والده باشا وله نفوذ، فعرض عليه العمل فى مسرحية «روميو وجوليت» وقام بإخراجها وقدم يوسف دور البطولة وظلوا يبحثون فترة عن جوليت إلى أن وجدوا فتاة تدعى برلنتى قدمت معه الدور. كان العرض فوق السطوح، كانت جوليت تكبره بعامين ولكنه وقع فى غرامها، وجاءت الظروف بما لا تشتهى السفن، بنقل والد الفتاة إلى المنيا لاستلام وظيفته الجديدة، وظل يوسف وهبى يتابع أخبارها حتى عرف بخبر زواجها وهى لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها. الشرف المغتصب ترقي والده مما استدعى نقل إقامته لتولى وظيفة عموم الرى بالقاهرة، التى جعلته يتعرف بجاره محمد كريم الذى أصبح فيما بعد مخرجا مشهورا. بعد زيارة وهبى لغرفة كريم ووجد جدرانها مغطاة بصور من إعلانات سينما إيديال، وبطلات الأفلام الصامتة أمثال فرانشيسكا برنتينى وماريا ميلانو ومن هنا تعاهدا على حب السينما والإخلاص لها، وكانا يقرآن كل ما كان ينشر عنها، وكانا دائمى ارتياد دور عرض دارى وإيديال وأوليمبيا بشارع عبدالعزيز. أول فيلم مصرى ناطق كان سعر تذكرة السينما وقتها قرش صاغ، وقد انضم يوسف وكريم إلى إحدى فرق الهواة المسرحية ومثل لأول مرة على مسرح الفنان حسن شريف رواية «الشرف المغتصب» وقام بدور رجل عجوز عمره 70 عاما، وقرر يوسف وهبى إنتاج أول فيلم لكريم وللسينما المصرية حمل اسم « زينب» تأليف محمد حسين هيكل باشا، بطولة بهيجة حافظ وقد عرض فى سينما متروبول، وأستمر فى التعاون بينهما فى إنتاج فيلم أولاد الذوات أول فيلم ناطق للسينما المصرية من إنتاج يوسف وهبى ومحمد كريم. عشق وهبى جو المسارح وشارع عماد الدين بالتحديد، وأدى اندماجه وانشغاله بالوسط الفنى الى إهماله دروسه، وعندما حان وقت امتحان البكالوريا يئس وتوقع السقوط وعدم القدرة على النجاح وكان صديقه المقرب له فى ذلك الوقت يدعى مختار يعانى من نفس الموضوع، وجاء له بفكرة شيطانية لكى يتجنب غضب والديه، وذهبا معا لحرق قماش «صوان» الامتحانات المقام فى حوش المدرسة قبل بدء الامتحانات بيوم واحد لكى يتعطل ولا يقام فى موعده. لكن الطالبين ضبطا متلبسين وصدر قرار بطردهما، وكان وقتها والده رئيسا للجمعية الخيرية الإسلامية فقد استطاع إلحاقهما بمدرسة الجمعية، إلا أنهما لم يستوعبا الدرس وسقطا للمرة الثانية إلى أن نفاه والده فى مدرسة داخلية بطوخ وتكلم مع ناظرها أن يعطى له إجازة فى البداية كل شهر فقط وليس كل أسبوع. فى سيرك الحاج سليمان ولعه بالرياضة فى شبابه نفس ولعه بالتمثيل وخصوصا المصارعة، وخصص لها يومى الخميس والجمعة للتدريب وحمل الأثقال وتدرب على يد بطل الشرق فى المصارعة وقتها عبدالحليم المصرى، ليتمكن من التفوق فى عمله كمصارع فى سيرك الحاج سليمان. كان المونولوج هو موهبته الثانية، من خلال متابعته للاسكتشات الفكاهية للفرق الأوروبية، التى اقتبس منها الكثير، وتذوق ألحانها واقتبس منها أيضا تلحين بعض المقطوعات لفرقة الكسار وأمين صدقى، واشترك مع حسن فايق فى إحياء الحفلات. فى شارع عماد الدين ظل يبحث عن عمل لمدة ثلاثة أيام فى شارع عماد الدين، وبالصدفة البحتة قابل أديبا وملحنا هاويا، كان يبحث عنه لكى يشترك فى حفلة فى النادى اللبنانى من إعداده، وسيحضرها عزيز عيد وروزاليوسف، وطلب مبلغ عشرة جنيهات كاملة، فى البداية رفض لأن المبلغ كان كبيراً كما كتب فى مذكراته «عشت ألف عام»، أنه كان أحوج إلى جنيه واحد، ولكنه عرف أن إدارة النادى تصر على تواجده، والدافع أن المونولوجات التي اشتهر بها تتفق مع أذواق أعضاء النادى الراقى، ووصلوا إلى اتفاق أن أحصل على ثمانية جنيهات كاملة. تعرف على فتاة تدعى كليوبى عن طريق أحد أصدقائه، أعجب بها من النظرة الأولى وكانت مخطوبة وقررت البعد عن خطيبها حيث أجبرتها والدتها عليه بسبب ثروته. وكان يوسف مازال طالبا عندما أحبها. غضب والده غضبًا شديدًا بسبب عشقه للمسرح، وتواجده المستمر فى شارع عماد الدين، واشتراكه فى الفرق المسرحية، وترك المنزل بسبب عدم موافقته على احترافه للتمثيل، ومع بداية شهرته وتردد اسمه ذهب له شقيقه إسماعيل العائد من أوروبا ليحدثه عن شعور والده بالغضب لقراءة اسم وهبى فى إعلانات الفرق التمثيلية، لدرجة أنه كان يبكى وتبرأ منه، وقرر فى ذلك الوقت حرمانه من الميراث، ولكن يوسف اعتذر لشقيقه، وأصر على تكملة مشواره الذى اختاره. فى الطريق إلى إيطاليا التقى يوما بصديق طفولته محمد كريم وعلم منه أنه ينوى السفر إلى روما لكى يدرس السينما من وقتها أخذت فكرة السفر تراوده، ودعمت وجهة نظره للواقع الفنى، وكانت بمثابة الدافع لتحقيق هذا السفر، لاقتناعه أن الوسط الفنى كان يمر بفترة منحطة وبها انحدار فى البيئة الفنية، لكن مشكلة تكاليف السفر، وترك حبيبته «كليوبى» له أخذ مساحة من تفكيره فى اتخاذ الخطوة التى ستغير مسار حياته. وحسمت مربيته «رقية» التى أحبته كابنها أمر تفكيره فى المشكلتين، بمجرد حديثه عما يعتزم فى الموضوع أعطته أساورها الذهبية وطلب منها ألا تبلغ والدته بهذا الأمر وباعها فى ذلك الوقت بمبلغ ثلاثين جنيها وأعطى لحبيبته كليوبى نصفها. ومن الإسكندرية انطلقت الباخرة إلى تريستا وعليها يوسف وهبى يقطن الدرجة الرابعة، حيث النوم فى العراء دون غطاء يحميه من صقيع، وبرودة الجو. بوصوله إلى الأراضى الإيطالية، تدخل القدر ليغير وهبى وجهته من روما إلى ميلانو، ليفكر أثناء استقلاله القطار فى السبب الذى جعله يختار هذه المدينة، ولم يصل لنتيجة. ليبدأ القدر فى دفع وهبى نحو ما لم يتوقعه، فأثناء استقلاله الحنطور يشاهد مسرح إيدن فينزل أمامه قائلا «هذا هو بيت القصيد»، ويبيت ليلته الأولى أمامه، حتى يأتى العامل لفتح الأبواب فيجده، وبعد تردد دعاه إلى الدخول، ولم تسع الفرحة قلبه عندما رأى خشبة المسرح وقدم له كرسيًا وذهب لعمله. يوسف الكومبارس من هذه اللحظة صارت العلاقة بين وهبى ولويجى عامل المسرح وطيدة، فساعده ليضعه على الطريق الصحيح بدراسة التمثيل فى معهد فيلودراتيكا، وعرفه على الممثل المسرحى الشهير أميديو كيانتونى، الذى أعجب بيوسف، فأمر بتعيينه ككومبارس ومساعد فى المسرح فترة عمل الفرقة كمساعدة فى نفقاته. الحبيبة تختفى لم تكن كليوبى التى كان وهبى ينتظر رسائلها بفارغ الصبر، ويقسم معها راتبه بعيدة عن رسم القدر لحياة يوسف الجديدة، فقد مرضت والدتها بالسرطان وتحتاج إلى أموال كثيرة لعلاجها، وهى لا تملكها، فيظهر خطيبها السابق ويبتزها بعودة علاقتهما مقابل تكفله بعلاج أمها، فقبلت بشرطه بعد الجلسة العلاجية الأولى وأرسلت رسالة إلى يوسف قالت فيها إنسانى يا يوسف، حتقابل أحسن منى، وعمرى ما حنساك، خد بالك من نفسك، ربنا يصبرنى على بلوتى». بعد فقدانه لحبيبته يفتح له القدر بابا جديدا بإسناد بعض الأدوار السينمائية له، مما جعله يسمى نفسه اسما سينمائيا يجعله معروفا فكان اسم رمسيس هو المرافق له وكان إثباتًا أن التمثيل مهنة لها مكانتها واحترامها فى العالم المتمدين. الزوجات الثلاث بعد استقرار حياته بشكل كبير تزوج وهبى من لويز لند مغنية الأوبرا وكانت زميلته فى المعهد العالى بميلانو وكانت تغار عليه كثيرا، وبعودته لمصر كانت زيجته الثانية من عائشة هانم فهمى وكتبها، أما زيجته الثالثة والأخيرة فكانت يوم إشهار إفلاسه وقال عنها إنها كانت السبب فى الرجوع لمكانته الاجتماعية ودعمته ليكافح ويستمر فى التمثيل، والكتابة وظلت بجواره إلى أن ضاعف ما فقده من أموال. •