فى اليوم العالمى للفرانكفونية، ألقى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون خطابًا قال فيه إنه يرغب بتعزيز مكانة وسائل الإعلام الفرنسية فى العالم، فى إطار إستراتيجيته لتقوية الفرانكفونية. وقال ماكرون إن الدولة الفرنسية ستقدم المساعدة ل«فرانس ميديا موند» التى تضم إذاعة فرنسا الدولية وفرانس24، وراديو مونت كارلو الدولى، لكى ترفع عدد متابعيها من 135 مليون حاليًا إلى 150 مليونًا. اعتبر الرئيس الفرنسى أن وكالة الأنباء الفرنسية يمكن أن تقوم بدور محورى، لأن انتشارها العالمى فريد من نوعه والتعاون مع كبار وسائل الإعلام الفرانكفونية سيعطى زخمًا كبيرًا. تحالف أوروبى فرانكفونى عبر الرئيس ماكرون عن طموحه فى تدشين تحالف أوروبى فرانكفونى قائلاً «يمكن أن نجتذب إلى هذا التحدى وسائل الإعلام الأوروبية الكبرى ليتحقق بين أوروبا والفرانكفونية تحالف غير مسبوق وطموح عالمي، فى وقت يخدم فيه الإعلام فى كثير من الأحيان المصالح الخاصة أو أجندات الهيمنة». لم يكتف الرئيس ماكرون بالخطوط العريضة فى إستراتيجية الدعم بل شرح بعض تفاصيل خطته التى ستصل إلى عمليات تدريب الصحافيين فى الإطار الفرانكفونى وخاصة فى لبنان ودول المغرب العربى وأفريقيا جنوب الصحراء. وبكل ثقة، أكد ماكرون أن التدريب سيتضاعف، واللغة الفرنسية ستكون الأساس، لأن الإعلام بالفرنسية له مغزى. تأسست الدولية الفرانكفونية فى 20 مارس 1970 وهى تضم 55 دولة كأعضاء و14 دولة تحمل صفة مراقب، وكان أول من استخدم مصطلح الفرانكفونية فى القرن التاسع عشر الجغرافى الفرنسى أونسيم روكولو وقصد بهذا المصطلح وقتها تجمع الشعوب الناطقة بالفرنسية، ولكن تطور المصطلح ليجمع داخله المتفاعلين مع الثقافة الفرنسية وليس الناطقين فقط عقب ساعات من إفصاح الرئيس الفرنسى ماكرون عن طموحاته وأحلامه فى مواجهة المصالح الخاصة وأجندات الهيمنة التى يخدمها الإعلام وقعت سلسلة حوادث إرهابية جنوبى غرب فرنسا فى بلدة تريب أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص بينهم منفذ الهجوم وإصابة 16 آخرين بعضهم فى حالة خطرة وأعلن تنظيم داعش مسئوليته عن الحادث. طموحات ماكرون فى الأغلب لا يوجد رابط مباشر بين طموحات السيد ماكرون الإعلامية فى مواجهة أجندة الهيمنة التى حسب ما نتصور لا تحملها سوى دولة وحيدة فى العالم هى الولاياتالمتحدةالأمريكية والحادث الإرهابى. لم تتوقف طموحات السيد ماكرون عند المواجهة فقط بل أراد تطبيقها بشكل عملى وتحويلها إلى تحالف أوروبى دولى يمزق هذه الأجندة ويطيح بمصالحها الخاصة. تزامنت الطموحات الفرنسية مع عودة داعش لتضرب من جديد فى الداخل الفرنسى ونرجع هذا التزامن للمصادفة حتى لا نتهم بالترويج أو الانجرار لنظرية المؤامرة.. عند استعادة كلمات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وتحليلها جيدًا فهذه الاستعادة والتحليل ستسببان حرجًا شديدًا للمعارضين والنشطاء المصريين الذين يرفضون خطاب الدولة المصرية حول الإعلام والذى يأتى على لسان القيادة السياسية. يتبنى المعارضون والنشطاء وجهة نظر غريبة تدور حول إطلاق العنان للإعلام دون أى تدخل من الدولة، يأتى رئيس فرنسا بلد الحريات ولانتخيل أيضًا أن السيد ماكرون تحول فجأة إلى مستبد ويعلن بوضوح أن الدولة الفرنسية ستدعم الإعلام الفرنسى ومنطقيًا فهذا الدعم سيتبعه التدقيق فيما ستقدمه وسائل الإعلام الفرنسية حسب ما يخدم مصالح الداعم أو الدولة الفرنسية. دائمًا ما يسخر المعارضون والنشطاء من وجود حرب إعلامية ودعائية تشن منذ خمس سنوات على الدولة المصرية من الخارج والداخل أيضًا معتبرين نظرية المؤامرة أوهامًا والغرض منها أن تكبت الدولة حرياتهم والحرية فى تصور هؤلاء الساخرين هى إطلاق الشائعات والاستهزاء بأركان الدولة ومؤسساتها. إنها حرب إعلامية يرد الرئيس ماكرون على الساخرين فى خطابه بأن الإعلام يخدم مصالح خاصة وأجندات الهيمنة، أى أنها حرب إعلامية ولا نعتقد أن ماكرون مصاب بهوس نظرية المؤامرة، وبالتأكيد فدولة بحجم فرنسا تمتلك أجهزتها معلومات دقيقة حول حجم الحرب الإعلامية الشرسة التى تدور الآن على الساحة الدولية، ولا مجال للشك أن هذه المعلومات كانت على مكتب الرئيس الفرنسى قبل إلقاء خطابه وهى ما دفعته للتأكيد على هذا الدعم للميديا الفرنسية وكشف حقائق وجود أجندة الهيمنة والمصالح. نتابع هذه الحرب الإعلامية السرية فى تحضيراتها والعلنية فى تأثيرها ذاهبين إلى روسيا، أدرك الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قبل الفرنسى ماكرون حجم المصالح والهيمنة التى يحققها الإعلام لمن يمتلك السيطرة عليه، ففى نوفمبر 2014 أسست الدولة الروسية بقرار من الرئيس بوتين مجموعة سبوتنيك التى تتولى نقل وجهة نظر الدولة الروسية فى الشأن الدولى وأيضًا الداخلى الروسى إلى العالم. تتبع سبوتنيك شبكة ضخمة من المواقع الإلكترونية والإذاعات وتقدم خدماتها بأكثر من 30 لغة هذا غير فضائية روسيا اليوم «أر تى» الموجهة إلى جميع أنحاء العالم بلغات متعددة منها العربية. ذراع روسيا الإعلامية عندما امتلكت روسيا هذه الذراع الإعلامية القوية وحققت تواجدًا ثم بدأت تنافس الهيمنة الإعلامية الأمريكيةوالغربية بشكل عام تحولت الحرب السرية إلى علنية، فالولاياتالمتحدة وإنجلترا شنتا حملة حربية على وسائل الإعلام الروسية خاصة فضائية روسيا اليوم، ووصل الأمر بالديمقراطيات العريقة فى الولاياتالمتحدة وإنجلترا بمنع الإعلام الروسى من ممارسة نشاطه على أراضى الدولتين وهو ما استدعى من الرئيس بوتين ردًا يشبه إعلان حرب حقيقية وليس إعلامية، حيث قال فى منتجع سوتشى الروسى بداية العام الماضى «أخلع قبعتى احترامًا لأرتى وسبوتنيك فهم يقومون بكل شيء بدقة ودون خوف وهذا مفتاح النجاح وإن روسيا سترد فورًا فى حال أقدمت الولاياتالمتحدة على أى عمل ضد وسائل الإعلام الروسية». ما هو موقف المعارضين والساخرين أمام هذه الحقائق؟ هل استوعبت عقولهم ما يدور حولهم؟ لكن أعتقد أنها عقول كسولة متنطعة لا تريد العمل وحتى لا نجرح كسلها نطلب منهم الإمساك بالريموت كنترول ويتنقلون بين الفضائيات ويقومون بعملية حسابية بسيطة وهى عد القنوات الفضائية الموجهة باللغة العربية إلى منطقتنا من دول كبرى وإقليمية. عندما ينتهى درس الحساب والعد سيعرف المتنطعون حجم الحرب التى نواجهها.. هذا إذا تخلوا عن تنطعهم. لا يهمنا هنا رأى المتنطعين أو اقتناعهم بوجود حرب من عدمه ما يهمنا الآن هو الدولة المصرية وكيفية مواجهة هذه الحرب الدولية الشرسة التى تخوضها قوى كبرى وإقليمية بكل ما تملك من طاقة لأجل خدمة مصالحها وتحقيق الهيمنة؟ وهناك أمثلة نضربها من كثير لا تتسع لها المساحة لنعرف حجم الحرب. عندما نشاهد الفضائيات ونطالع موقع يوتيوب للبحث عن فيلم وثائقى يمثل وجهة النظر المصرية لن نجد وتركت الساحة خالية للفاشيست الإخوان وداعميهم فى الدوحة وللقوى الدولية والإقليمية ليسيطروا على عقول المصريين والعرب ويكفى متابعة اليوتيوب لنعرف أن المتابعين لهذه الأفلام بالملايين وأغلبهم من الشباب. حرب فضائية هناك حرب شرسة تدور بين فضائية روسيا اليوم من جهة وفضائيتى الحرة الأمريكية وبى بى سى الإنجليزية من جهة ثانية سلاحها الرئيسى الأفلام الوثائقية التى تحولت إلى أداة سياسية واستخبارتية فى أحيان أخرى لفرض السيطرة على عقول المتابعين. حتى هذه اللحظة عقل الطفل المصرى والعربى فى يد الفاشيست والقوى الغربية يشكلونه كما يريدون، أما التاريخ المصرى القديم الذى يحمل روح الإنسانية ويحمى هويتنا فستجده إما حراما على قنوات الفاشيست أو صنعته كائنات فضائية على قنوات الغرب دون وجود قناة أطفال مصرية الهوية. الخبر المصرى الذى يحمل الحقائق دون زيف ويمثل الدولة المصرية ضائع بين بلهاء الإعلام الداخلى وحصار إعلام الخارج ولا يوجد ما نقدمه بشكل مبهر ومبتكر ليعبر عن هذا الخبر. إرادة القرار تمتلك الدولة المصرية إرادة القرار والإمكانيات على تغيير المشهد الإعلامى الداخلى والإعداد للانطلاق لأخذ مكانتها على الساحة الدولية الإعلامية. هذا القرارلا يمثل الدولة أو الأمة المصرية فقط بل هو قرار ينتظره ويطالب به ملايين العرب والأفارقة وكل الشعوب التى تثق فى عدالة ونزاهة الكلمة المصرية وسط أحاديث الإفك وسموم التطرف التى تطاردهم ليلاً ونهارًا. يجب أن تحشد الدولة المصرية كامل طاقتها لتنفيذ قرارها الإعلامى لأنه ليس ترفًا ولا يقل فى الأهمية عن حربنا المقدسة التى تخوضها الأمة المصرية ضد الفاشيست الإرهابيين وكلاء الاستعمار.