كان قرار حرب سيناء 2018 قرارا صائبا. ومدروسا بعناية. رغم أن ظروف البلاد الاقتصادية فى غاية الصعوبة. لكن من أهم المسائل التى تستوجب إطالة النظر فى القرار المصرى بدخول الحرب، أن القرار كان صائبا رغم أن الظروف لم تكن ملائمة له. فالدولة مازالت تتعافى من سنوات فوضى لا مثيل لها. واقتصادها يئن من الضعف ويستجمع قواه لينطلق، وشعبها مازال يلملم شتات نفسه من سنوات حكم وجرم الإخوان وإرهابه، وربما الإسهام الأكبر فى توضيح هذا التناقض الظاهر بين صواب القرار رغم عدم ملاءمة الظروف، هو ذلك الرعب الذى دخل فى قلوب الدول المعادية لمصر فى المنطقة. والرعب الذى دخل قلوب كل العناصر الإرهابية فى العالم كله. فلم تكن الشواغل الظاهرة فى مصر أثناء المرحلة الحرجة موحية بأن الوطن يمكن أن يشتبك فعلا فى ميدان القتال. بل إنه أصبح هدف الحرب، والشواغل الظاهرة فى أى بلد هى الأكثر دلالة على المزاج السائد فيه من أى مقياس آخر، وإذا قيل أن وجود نظرية أمن وطنى أو قومى لأى بلد مسألة أساسية فى قضية الحرب. وإذا قيل بضرورة وجود استراتيجية قادرة على تحقيق الأمن الوطنى أو القومى. وإذا قيل أن نوعا من الاتساق الفكرى العام فى هذا البلد هو بداية رؤية واضحة للأمن الوطنى أو القومى وللاستراتيجية القادرة على تحقيقه. إذن فإن الشواغل الظاهرة على سطح الحياة فى أى بلد مرآة عاكسة لما يدور تحت السطح فى حياة هذا البلد. ومقياس مقبول لإيقاع نبضه. وهذا هو الفارق فى أوضاع أى وطن بين ما هو كائن وبين ما ينبغى أن يكون. كان لابد أن تدخل مصر الحرب وتعلنها واضحة وصريحة ضد الإرهاب بقوة غاشمة ومفرطة. فقد أصبحت مصر منذ اندلاع الحرب دولة خطرة على الإرهاب وعناصره ودوله. واجههته بكل شجاعة وقوة مستخدمة أقصى درجات العنف فى المواجهة. استخدم الجيش المصرى فيها أحدث تكتيكات الحرب الشاملة. فكما يختار الفرد موقفه أحيانا بإحساسه الغريزى بالخطر. فإن الشعوب تفعل ذات الشىء عندما تستجيب بفطرتها السليمة لتحد يطرح نفسه أمامها على غير انتظار. تحدى مواجهة الإرهاب بشكل واقعى وعلى أرض المعركة. وتحد للحفاظ على المستقبل. وإذا كان الإحساس الغريزى عند الفرد ناشئا من تيقظه الدائم لأى حركة مفاجئة. فإن المقابل لذلك لدى الشعوب وهو الفطرة السليمة لا ينشأ من رد فعل عصبى. وإنما هو عملية استدعاء تلقائى سريع لمخزون الخبرة التاريخية لهذه الشعوب. فخبرة مصر مع الإرهاب طالت لسنوات عانت فيها نفسيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. وليس هناك شك فى أن الاستجابة السريعة للخطر على مستوى فرد أو على مستوى شعب يمكن أن تكون لها تكاليف مضاعفة. لكن الحساب على التكاليف فى مثل هذه الأحوال يجب أن يدخل فى اعتباره عوامل أخرى كالفرص التى تفلت وكالخسارة التى تترتب على التأخير وتراكمها كما تتراكم فوائد الدين. وكالتخلف عن لحظة لها أحكامها. ويكون للتخلف أثره على الصداقات والتحالفات ثم مضاعفات هذا كله مع انقضاء السنين. لذلك كان توقيت الحرب ملائما تماما. والقرار صائبا والسنوات القادمة كفيلة بأن تضع تلك الحرب فى مكانها الطبيعى بين أعظم الحروب التى خاضتها مصر على مر تاريخها الطويل. وهى دولة لا تدخل حربا إلا دفاعا عن أراضيها وعن سلامة مواطنيها. وكرامتها وكبريائها. وتماسك بنيانها الاجتماعى. فقد دفعت قوات الجيش والشرطة الثمن غاليا من أبنائها الشهداء. ممن راحوا ضحية عدوان غادر كان هدفه زعزعة الاستقرار فى البلاد. وكان لابد من وجود حل جذرى لاستئصال الورم الخبيث من أحشائها. وهو ورم لا يمكن أن يستأصل إلا بالدم. الدم الغالى من جسد أبنائها الأبرار. غير نادمين على بذل أرواحهم من أجل أمتهم العظيمة الشامخة. هناك بطولات نعرفها وبطولات لم نعرفها بعد. رجال يمتلكون قدرة وجسارة اتخاذ القرار، ورجال خططوا ورجال نفذوا، وكل الرجال سينتصرون. لأن مصر منتصرة دائما فهى دولة الحق والعدل والخير والسلام.