«يغمرنى الفخر بنفسى وبشركة النِّيل للأدوية، كلما احتفلنا بانتصار أكتوبر، حين شاركنا بتصنيع المستحضرات اللازمة لإدارة الحرب الكيماوية لقواتنا المسلحة، أثناء الإعداد السِّرى والجاد للحرب، كانت مكونات تلك المستحضرات موجودة فى دساتير الأدوية العالمية، لكن لم يكن قد سبق لنا تصنيعها، وقمنا بتسليمها خلال 3 أسابيع». تتذكر د. ناهد يوسف، إحدى رائدات صناعة الدواء فى مصر، الكثير من المواقف الصعبة والمهمة، خلال مشوارها الطويل فى مجال الأدوية، منذ أن كانت طالبة تدرس الصيدلة والكيمياء عام 1956 برفقة 17 فتاة فقط فى هذه الدفعة، مرورًا بالعمل فى المصانع المملوكة للأجانب فى مصر فى عهد الاحتلال، وحتى تمصير هذه المصانع فى الخمسينيات- وتوليها الإشراف على العمل ببعضها. تجربة طويلة وثرية وضعتها د.ناهد فى كتاب صدر لها منذ أيام، تحت عنوان «دواء وعلل» عن مشوارها المهنى وتطور صناعة الأدوية بمصر.. تتذكر ناهد حين أوفدها مصنع الأمبولات بشركة النيل للأدوية، للتدريب بمصانع إيفانس بإنجلترا للتدريب، وزارت أكثر من مصنع، وحدث أن منعها مدير إحدى الشركات من دخول المنطقة المعقمة، التى بها أسرار تركيبة الدواء، «حتى لا أتعرف على طريقة تصميم وإدارة هذه المنطقة». «كنت محظوظة؛ لأن مدير المصنع كان من العاشقين لمصر، وعندما ناقشته، فتح لى دولابًا يحتوى على كل الوثائق المكتوبة عن مستحضرات الأدوية، التى ينتجها المصنع وتركيبها، وطُرُق تحضيرها، قُدس أقداس أى مصنع أدوية». من أبرز مشروعات د. ناهد تبنِّيها لمشروع توفير الأدوية للوحداث الصحية الريفية، كانت لمساتها فى التفاصيل الإنسانية للعاملين، فهى مَنْ أنشأت المكتبات والحضانات لأطفال العاملات فى مصانع الأدوية. تفخر د. ناهد بقيامها كمديرة لمصنع الأمبولات، بتخطيط وتأسيس أكبر وأحدث مصنع للأمبولات الطبية فى إفريقيا والشرق الأوسط، فكان ينتج 100 مليون أمبول سنويّا من مختلف التركيبات. معركة صناعة الدواء «أجمل ما فى التصنيع هو القدرة على حث وتحفيز الإبداع»، تعود «ناهد» بالذاكرة إلى سنوات ماضية مصرية حين صنع «جميل طوسون» ماكينة خاصة بتعبئة ولحام الأمبولات الدوائية بخامات وأدوات ومجهود مصرى 100% لأول مرَّة، الذى أبدع فى تصميمها فى الخمسينيات لتنافس غيرها من الماكينات التى كاد يظن الأجانب أنها الأفضل ولن تستطيع مصر تصنيع مثلها إلا بعد اللجوء لهم مرَّة أخرى.. ترى د.«ناهد» أن معركة صناعة الدواء، كانت تقع فى قلب مرحلة مهمة من تاريخ مصر، »لا تقل عن معركة صناعة الغذاء، فإذا كانت الأخيرة مفتاح تقليص الفقر، فمعركة الدواء محصلة الاهتمام بالتعليم والبحث العلمى، وأحد خطوط الجبهة فى معركة اللحاق بالدول المتقدمة.. وعن زوجها المناضل عادل حسين قالت: كان أكبر داعم لى بعد والدى- الذى وفَّرَ لى منذ الصغر جميع الكتب والمراجع العلمية والمجلات لإنارة عقلى وتعليمى، كما أعطتنا أمى القدوة فى النشاط وإتقان العمل- فلم يلُمنى على انشغالى بعملى الذى أخذنى من رعاية أسرتى أحيانًا. •