منذ اللحظة الأولى يرى الطفل والده مثله الأعلى وأنه دائمًا على حق، ويحلم الكثيرون بأن يصبحوا نسخة من والدهم.. وظيفته ومكانته الاجتماعية.. لكن البعض يتمردون على هذه الصورة ويفكرون بشكل مختلف، حتى إن كان ميراث مهنة الأب يمهد الكثير من الطرق الصعبة ويقصر سنوات إثباب الذات المهنية والوظيفة المرموقة والمكانة الاجتماعية، وكل ما يترتب على هذا من مميزات الاستقرار المبكر والحصاد المبكر.. الشقة والعربية والزواج والأبناء وال.. و.. هذه قصص بعض هؤلاء المتمردين على كل هذه المميزات. تمردت ريهام ورغدة سمير على الأسرة القانونية التى ورثها الأب المستشار والأم العاملة فى النيابة الإدراية، واستطاعتا أن تحققا ما عجز أخوهما وكيل النيابة عن تحقيقه، فالأولى تدرس الإعلام والثانية تخرجت فى كلية الصيدلة.. تقول رغدة «منذ طفولتى وأنا أتمنى الالتحاق بإحدى كليات القطاع الطبى وكان والدى يسمح لى بالتعبير عن هذا الرأى بمنتهى الحرية، إلى أن جاء موعد كتابة الرغبات فى مكتب التنسيق فوجئت به يخبرنى عن قراره باختيار كلية حقوق إنجليزى رغم مجموعى الكبير الذى يؤهلنى للالتحاق بكلية الطب، وبعد مناقشات طويلة وتدخل من بعض أقاربى الذين يدعمون موقفى، وافق والدى على تغيير الرغبات الأولى إلى كلية الصيدلة».. أما ريهام فتؤكد أنها الأقوى شخصية بين أشقائها فلم تسمح لوالدها أن يجبرها على كلية الحقوق مثل شقيقها إيهاب، ولم تعطه رقم الجلوس ليملأ قائمة رغباتها مثل رغدة فقامت باختيار كليتها المفضلة بمفردها وبكامل حريتها دون أن تلجأ لأسرتها لتجنب النقاشات المريرة.. «بابا خاصمنى 3 شهور تقريبًا ومنعنى من المصروف ومن شراء لبس جديد للجامعة وحتى هدية النجاح ضاعت عليا، لكنى كنت أد قرارى ومسمحتش لحد أنه يمنعنى عن تحقيق حلمى، ولقيت دعم كبير من ماما وإخواتى على شجاعتى وساعدونى كتير فى مصاريف الكلية فى الفترة الأولى». أحب مهنة أبى كهواية فقط التصوير فن وموهبة تدعمها الدراسة لإخراج مصور ذى نظرة ثاقبة ورؤية واضحة لالتقاط الصورة فى الوقت المناسب، أما إذا كان المصور مصورًا صحفيًا فلذلك شروط أخرى حاول المصور الصحفى عادل مبارز قدر إمكانه تعليمها لشقيقه وولديه الوحيدين واستطاع بالفعل أن يغرز بداخلهما حب هذه المهنة حتى أصبحت عائلة مبارز تعشق عدسة الكاميرا.. درس الابن الأخير الإعلام وتخصص فى الإذاعة والتليفزيون، ليتخرج ويجد مكانه كمصور صحفى مع والده وشقيقه «محجوز» وبالفعل استمر فى هذا العمل لمدة عامين تقريبًا لكنه فى لحظة ما قرر أن يتخلص من هذه المهنة التى لم يحبها رغم موهبته فى التصوير.. يكشف أيمن مبارز عن أسباب قراره قائلا: «بحب التصوير كهواية لكن كمهنة مكنتش قادر أطلع إبداعاتى فيها، كنت مصور عادى بعمل شغل ملايين غيرى بيعملوه عشان كده قررت إنى مش هكمل فى حاجة مش مميز فيها».. وعن رأى أسرته استكمل أيمن: «والدى تقبل قرارى بمنتهى التفهم وتحديدًا لما عرف إنى بفكر اشتغل فى مجال الدعاية والإعلان، وساعدنى ودعمنى لحد ما اشتغلت فى الشركة اللى شغال فيها حاليًا، لكن أخويًا الكبير حاول كثيرًا أن يقنعنى بالاستمرار كمصور، لكن كان فات الأوان وبدأت اشتغل فى مكانى الجديد وبالفعل مجال الإعلان مليان إبداع وتفكير وجنون تناسب طبيعة شخصيتى وميولى». إغراءات والدى ومساعدة أمى تجارة الفاكهة هى مهنة الحاج كسبان أحمد التى بدأ فيها منذ صغره وتدرج حتى أصبح واحدًا من أكبر تجار الفاكهة فى إمبابة، وصار حلمه هو توريث هذه التجارة لأبنائه الأربعة لكنهم جميعًا تحرروا من جلباب تجارة الفاكهة واختار كل منهم طريقًا مختلفًا عن الآخر.. يبدأ سيد كسبان حكاية بفلاش باك لأيام الطفولة عندما كان يذهب مع والده لتجار الفاكهة لإتمام الطلبيات ثم يذهب معه للمحل يساعده فى البيع والشراء مقابل 10 جنيهات يوميًا واستمر هذا الحال حتى فترة الإعدادى، لكنه أدرك فى لحظة مقارنة عقدها بين نفسه مع أبناء خاله المهتمين بدراستهم للالتحاق بكليات القمة فوجد أن التركيز فى الدراسة هو المستقبل، وليس العمل فى محل والده، تمرد كسبان الصغير على العمل كبائع للفاكهة وركز فى دراسته فقط.. «أبويا صعب جدًا، صعيدى أصيل ومحدش يقدر يعانده ولا يكسر كلامه حاول معايا كتير إنى أكمل شغل معاه وعرض عليا فلوس أكتر عشان استمر معاه لكن أمى ساعدتنى كتير أنى أقاوم كل الإغراءات دى وتولت هى مصاريف دروس الثانوية العامة ودراستى فى كلية التجارة من مالها الخاص».. «حاليًا أبويا حاسس بخيبة أمل كبيرة بعد ما اشتغلت محاسب فى بنك أجنبى، وإخواتى الأولاد مشغولين فى دراستهم ولا يجد من يسانده فى إدارة المحلات التى زادت عددها خلال الفترة الماضية». محمود اكتشف الحل الوسط عالم الحلويات هو مصدر الدخل الأساسى لعائلة الحاج مصطفى الحلوانى، الذى تعلم الصنعة بالفطرة وحارب ظروفه المادية الصعبة حتى استطاع أن يؤسس لنفسه مصنعًا خاصًا فى تصنيع الحلويات بجميع أنواعها ونقل هذه الخبرة لابنه الأكبر الذى لم يستكمل تعليمه وحرص على تأهيل نفسه لاستلام مكان والده فى أوقات غيابه.. فشل محمود الحلوانى فى تعلم صنعة الحلويات وقرر استكمال دراسته التى لم يتخل عنها يومًا وتخرج فى كلية الحاسبات والمعلومات وعمل فى إحدى الشركات الهندسية، لكنه لم يتخل عن العمل فى مصانع والده فبين الحين والآخر يقترح عليهم طرقًا جديدة للتسويق من خلال السوشيال ميديا أو طرق مختلفة للتغليف وغيرها من الأفكار.. أما عن موقف والده فيقول محمود «فى البداية كأى أب صاحب عمل كان رافض إنى أشتغل فى مجال غير شغلنا الأساسى، وكان حابب إننا نتوارث الشغل منه، لكن لما بدأت أقدم أفكار تطور فى الشغل تقبل الوضع الجديد والأمور استقرت».•