صورة : معتز الحفناوي فى بداية الثورة كان عبد الناصر يحلم بإقامة قاعدة صناعية كبري، وكان مؤمنا أن إمكانيات التصنيع موجودة فى مصر، وأنها قادرة على عمل نقلة نوعية فى مستقبل مصر. وبدأ فى تحقيق حلمه فى 57 مكلفا المهندس عزيز صدقي- وزير الصناعة وقتها- بإجراء دراسة يجيب فيها عن السؤال الأساسي: ما الصناعات التى يمكن أن يبدأ بها حركة التصنيع فى مصر، وأعطى فرصة - أو هكذا تصور- لعزيز صدقى لينتهى من الدراسة، عامين على الأقل، لكنه فوجئ أن عزيز قدم الدراسة التى خطط فيها لإقامة صروح صناعية بعد أيام، معتمدا على تطوير والاستفادة من الصناعات القديمة القائمة، وكانت ثلاث صناعات هى الغزل والنسيج والسجائر والصناعات البترولية، تمهيدا لنقل الاقتصاد المصرى من زراعى إلى اقتصاد صناعي، خلال الخطة الخمسية الأولى التى بدأت عام 1961. وبدأت الخطة بإقامة صروح كبيرة، وليس مجرد مصانع، فكان حلمه أن يقيم قلاعا وليست مصانع، فأقام مجمعات صناعية، تضم من 15- 20 مصنعا فى كل مجمع، فى منطقة واحدة، كمجمع الحديد والصلب، والبتروكيماويات، ألومنيوم نجع حمادي، وهو الحلم المعروف ب«التصنيع الثقيل» الذى غنى له عبد الحليم حافظ من شعر صلاح جاهين. وقد رأى حلمه يتحقق بعد إنشاء مجمع الحديد والصلب، وكانت ميزانيته تغطى جميع الاحتياجات المتعلقة بالإنتاج، كما أنه كان متعاقدا على إنتاج احتياجات مصر، لمدة ثلاث سنوات، ورأى أيضا حلمه يتحقق فى صناعة الألومنيوم وبها وضع البنية الأساسية لمجموعة الصناعات الكبري، وكان مدركا ومنحازا لصناعات التنمية المستدامة، التى ستحقق تفاصيل حلمه، بإقامة وتغطية الألف مصنع، بشرط أن يتكفل الإنتاج بتغطية نفقاتها واحتياجات السوق، وأن تكون جزءًا يخدم، ليس على مجالات الصناعة فحسب، ولكن على القطاع التجاري، وخاصة لأفريقيا، وكانت واحدة من أحلامه وانتمائه ومساندته لأحلام التحرر فيها ونضالات شعوبها. ومن الطفرات الصناعية التى جسدت حلمه ورآه متحققا أمامه، ورأيناه معه يتحقق، تلك الطفرة فى قطاع الدواء، والتى تعد من البطولات العظيمة فى مجالات التصنيع، فقد كان فى مصر أكبر 4 مجمعات صناعية فى مجال الدواء فى الشرق الأوسط وأفريقيا وبعض دول أوروبا. ومنذ عام 1965 كان تصدير الدواء أحد المصادر الأساسية للعملة، خاصة أن القائم بعمليات التصدير الشركات الحكومية. كما أقام صرحا فى الصناعات الغذائية حتى يوفر للشعب احتياجاته، بأسعار فى متناول يده، بعد أن قدمت التقارير له، معلومة أن 15% من المنتجات الزراعية الغذائية تفقد بالتلف وسوء التخزين، فأقام مجمعا للصناعات الغذائية مثل مجمع قها الذى امتد لأكثر من منطقة فى ربوع مصر. وكان حلمه لهذه الصناعات من الدعائم الأساسية فى صمود مصر بعد 1967، ولم يتوقف حلمه عند هذه الحدود، فقد كان يحلم بأن تنتج المصانع «المكن» الذى نستورده، فكان يرى أنه لا معنى بثورة صناعية إلا بأن تنتج المصانع المكن، خلال عشر سنوات من بداية الخطة الخمسية الأولي، ولكن جاءت النكسة فقضت على هذا الحلم.