«هروب اضطرارى» فيلم لا يصنف سياسيًا ولا اجتماعيًا ولا عاطفيًا, هو أولاً وأخيرًا فيلم «أكشن»، وعندما يقرر السقا العودة لأفلام الحركة بعد الجزء الثانى من فيلم «الجزيرة 2»، فهو يضع نصب عينيه وعى الجمهور بهذه النوعية من الأفلام الأجنبية التى تعُرض على مدار العام بالسينمات وبالفضائيات، ما يجعل الجمهور لا يرضى بأى فيلم أكشن مصنوع محليًا. الشريط السينمائى يكشف فرق التكلفة الإنتاجية بين أفلامنا ونظيرتها الأمريكية، لذلك سنجد بفيلم «السقا» عناصر عديدة مدعمة له إلى جانب الميزانية التى لا تضاهى مستوى أى فيلم أكشن أمريكي، إلا أن ميزانية فيلمه عادةً تكون الأعلى بالنسبة لميزانيات أفلام الأكشن التى يصنعها مُنتجونا. أضف إلى ذلك ذكاء أحمد السقا وحرصه على عدم توريط نفسه فى تصريحات تؤخذ عليه مثل أنا رقم واحد وغيره، فهو عادة لا يخشى من الاستعانة بممثلين من العيار الثقيل بجواره، لكنه لم يكتف بذلك فى فيلمه الأخير، فإلى جانب المُدهش فتحى عبدالوهاب وأمير كرارة فوجئنا بمجموعة أسماء لها بريق خاص جدا بمشاهد قليلة للغاية مثل باسم سمرة ومحمود الجندى وأحمد زاهر ومحمد فراج وأحمد فهمى وأحمد وفيق وروجينا ومحمد شاهين وبيومى فؤاد وأحمد حلمى فى مشهد النهاية الذى جاء لمجاملة السقا دون الحصول على أى أجر- وقد فعلها أحمد السقا من قبل مع أحمد حلمى بفيلم «على جثتى» - معنى ذلك أن السقا يعى جيدا أهمية وجود أسماء لها ثقلها الفنى يكفى كل اسم منها على حدة تحمل بطولة فيلم. • «الجمهور أولاً» «هروب اضطرارى» فيلم لم يدع العمق فى مضمونه، ولم يضع نفسه تحت أى تصنيف هو أولاً وأخيرًا فيلم «حركة ومطاردات» والحكم عليه سيكون من هذه الزاوية للإجابة عن سؤال: هل أرضى الجمهور أم لا؟ ولكى يحقق الفيلم هذا الهدف لابد من قصة بوليسية شيقة تسمح بوجود أجواء للأكشن، وهذا ما توافر فى قصة السيناريست محمد سيد بشير، حيث اختار أربع شخصيات سماتهم مُختلفة ولا تربطهم ببعض علاقة سابقة، لكنه يجمعهم فى قضية جنائية لتكون بداية الانطلاق لهدفه. المشاهد الأولى من الفيلم أكدت الهدف الرئيسى منه، البداية ساخنة، أشخاص تهرب من محبسها ومطاردات جيدة الصُنع بينها وبين الشرطة لنعرف فيما بعد أن أسباب ذلك الصراع قتل أحد رجال الأعمال الشباب بإحدى العمارات، وتصادف دخول أبطال الفيلم أحمد السقا «أدهم» وأمير كرارة «مصطفى» وغادة عادل «ندى» ومصطفى خاطر «يوسف» لهذه العمارة لأسباب مختلفة فى نفس يوم الجريمة ليتم القبض عليهم بعد شهادة أفراد الأمن بالعمارة عليهم، لكن يتمكن أحمد السقا «أدهم» من تنفيذ خطة لهروبه من محبسه، وفى ذات الوقت يساعد المتهمين معه فى الجريمة على الهرب فى نفس التوقيت دون سابق معرفة بعضهم ببعض كى يحاول إثبات براءته من هذه الجريمة. طبعا المعطيات السابقة دون الخوض فى الأحداث والتفاصيل كفيلة بأن تحقق قدرًا جيدًا جدًا من مشاهد الأكشن بين الشرطة والمُتهمين والمتورطين فى جريمة القتل. ومُخرج الفيلم كان حريصًا على تقديم مشاهد أكشن مُختلفة لجذب الجمهور. أيضاً ذكاء مؤلف الفيلم دفعه لرسم شخصيات جذابة لضباط المباحث بمواصفات خاصة جدًا لكى يحدث تناغم على مستوى الإثارة والتشويق بين مشاهد الحركة والمطاردات وبين مشاهد التحقيق التى تجريها المباحث مع المُتهمين والشهود والمتورطين فى جريمة القتل ومشاهد كواليس العمل مع الضباط أنفسهم. • «الأبطال» أحمد السقا لم يخذل جمهوره، هاهو يعود لتقديم فيلم ملىء بالحركة والمطاردات بالتوازى مع أداء تمثيلى يعكس نضجه وألقه الفني. فتحى عبدالوهاب قدم شخصية مُختلفة لضابط المباحث بأداء عبقرى ممزوج بخفة ظل، ومن خلالها كشف عن مناطق أداء تمثيلى جديدة له، طبعا لا ننكر براعة المؤلف فى كتابة الشخصية وإضافة تفاصيل لها جعلت المُتفرج ينتظر الأداء المُدهش لها، ومن أجمل مشاهدة فتحى عبدالوهاب «الضابط عصام» تلك التى جمعته بأحمد العوضى «الضابط أيمن» ومع بيومى فؤاد «عطية» الذى ساعد المتهمين فى الهرب. أمير كرارة حصر موهبته وألقه الفنى فى الدراما التليفزيونية، وفى «هروب اضطرارى» أتيحت له فرصة جيدة لكى يشاهده الجمهور الذى لا يتواصل مع المسلسلات بشكل عام، من خلال شخصية ديلر المخدرات المتورط فى جريمة قتل، والذى يخلق منه الحب شخصية مُختلفة عن التى كان عليها. أمير كرارة موهوب جدا وعليه الانطلاق للسينما لأن الشريط السينمائى هو الأبقى. غادة عادل فى دور الزوجة الكادحة التى تبحث عن فرصة عمل وتتورط فى جريمة قتل، أدت الدور كما هو مطلوب منها ويبدو أنها اهتمت بالتواجد فى فيلم لنجم يتمتع بشعبية جماهيرية كبيرة أكثر من الاهتمام بالإضافة لتاريخها الفنى الحافل بالنجاحات مثل أفلام «شقة مصر الجديدة» و«ملاكى اسكندرية» و«ابن القنصل» وغيرها.. دينا الشربينى التى لعبت دور حبيبة أحمد السقا وفى ذات الوقت زوجة محمد رمضان فى فيلم «جواب اعتقال» صُدفة غريبة استفادت منها ليشاهدها جمهور «أحمد السقا» و«محمد رمضان». أحمد العوضى تألق فى أداء شخصية الضابط أيمن أمام عبقرية أداء فتحى عبدالوهاب. أحمد خالد موسى فى أول تجربة سينمائية له بعد نجاحات مُتتالية بالدراما التليفزيونية أكد أننا أمام مُخرج من العيار الثقيل، لديه خيال سينمائى جيد ومسيطر على أدواته، وبحرفية سينمائية أدار كمًا «يخض» من ممثلين لهم مكانة خاصة لدى الجمهور سواء كانوا أبطالاً رئيسيين أو ضيوف شرف وأخرج منهم أفضل أداء حتى رجال أمن العمارة كان لهم حضور جيد، وبالمناسبة - رحم الله أحمد راسم أحد رجال أمن العمارة الذى توفى فى فبراير الماضى ولم يفرح بنجاح الفيلم. رغم بعض المشكلات الموجودة بالسيناريو المرتبطة بعدم منطقية الأحداث فإننا فى النهاية أمام فيلم حقق هدفه بجدارة ونال رضا الجمهور محُققا رقماً اقترب من ال 50 مليون جنيه حتى كتابة هذه السطور. وأخيراً هل ظلم الشقيقان أحمد ومحمد السبكى محمد رمضان عندما وضعا فيلمه «جواب اعتقال» أمام فيلم «هروب اضطرارى» لأحمد السقا؟! أحمد السبكى هو منتج فيلم محمد رمضان ويعلم جيدا أن هناك مسافة شاسعة بين الفيلمين سواء على مستوى الإنتاج أو حجم نجومية أبطال الفيلمين وخبرة كُلٍ منهما فى القيام بهذه النوعية من الأفلام. ليس على مستوى لياقة كُلٍ منهما فقط، بل على مستوى العناصر الأخرى الداعمة لهذه النوعية من الأفلام. وكان من المنطقى قيام أحد الشقيقين بترحيل فيلمه إلى موسم عيد الأضحى حتى لا يضعا محمد رمضان أمام منافسة حسمها الجمهور مُبكرا ليست فى صالحه.•