عندهم.. يتبادل الخبراء والمتخصصون الرأى والرأى الآخر قبل وبعد كل حادثة ذات صلة مباشرة بتقنيات التواصل الاجتماعى وانعكاساته، للبحث وتبادل الرأى معا حول سبل تلافى سلبياتها أو تشديد الحصار القانونى والمجتمعى على من يسيئون استخدام مفرداتها لمحاسبتهم.. ولكنهم أبدا لا يفكرون فى منعها.. ليس هناك حجب ولا حظر، ولا يحزنون.. عندهم قانون صارم، قضى مؤخراً بالسجن ثمانية أعوام على قرصان إلكترونى بريطانى يقيم فى مدينة كارديف عاصمة إقليم ويلز.. وعندهم نهج مقاضاة نافذ وسريع لا يُهمل ولا يُرجئ، وليس عندهم محامون مستعدون للدفاع «عَمًّال على بطال» عن أى متهم سعياً وراء الشهرة! ولا حقوقيون مولعون بالظهور على شاشات الفضائيات حبا فى الاعتراض على لا شىء وكل شىء.. عندنا.. تتعامل الحكومات مع وسائل التواصل الاجتماعى بالمنع والحظر.. خد عندك.. بعد مرور أقل من أسبوع على تمرير التعديلات الدستورية التى صمم الرئيس التركى على إنفاذها رغم ما أثارته من جدل وانقسام مجتمعى، أمر أردوغان بحجب موقع ويكيبيديا الموسوعى الأوسع انتشاراً، بعد نجاح قرارات الحظر المؤقت التى قامت بها حكومته للحد من قدرة معارضيه على استخدام «الفيس بوك» و«تويتر» لتنظيم الاحتجاجات والتظاهرات فى فترات سابقة.. فى نفس التوقيت تقريباً أعد نائب بمجلس النواب المصرى مشروع قانون بشأن تقنين ووضع ضوابط لاستخدام نفس الشبكتين (بعد أن تحولتا - وفق رؤيته - إلى وسيلة للهجوم على مؤسسات الدولة وعلى الحياة الخاصة للأفراد) «بهدف تقنين قدرة الأجهزة المختصة فى الوصول إلى مستخدميها ومساءلتهم على ما ارتكبوه من تجاوزات.. خلينا فى موضوعنا، ربنا يجعل كلامنا خفيف على دول ودول كفانا الله شر القرصنة والسجن.. ليه حكم عليه هذا الحكم؟.. تعالوا نبدأ الحكاية من أولها.. لأنها مثيرة.. فضمن عناصرها مكتبة توفر المواد الدعائية لتنظيم داعش الإرهابى! وفيها تطبيق ميدانى لأساليب التخفى التى تفننت فى عرضها أفلام الجاسوس الأشهر جيمس بوند! وفيها متطوع عرض خدماته على التنظيم الدموى، وتحول إلى مصدر لبيع أسلحة القتل والتدمير ومُدرب للإرهابيين على كيفية استخدام التشفير وجمع المعلومات.. صاحبنا اسمه «سمة الله» يبلغ من العمر 34 عامًا.. ألقى عليه القبض فى مسكنه بعد تعقب شديد المهنية أدارته الشرطة البريطانية المتخصصة لعدة أشهر.. تراكم كم المعلومات التى جمعتها عدة أطراف تربطها بالأجهزة الأمنية البريطانية اتفاقات تبادل معلومات وتسليم متهمين، على أثر إلقاء الشرطة الكينية القبض على متدرب طبى يدعى محمد عبده على وكنيته «أبوفداء» .. حدد مواصفات صاحبنا البريطانى «كهدف» يجب رصد جميع حركاته حتى تكتمل أركان القضية.. تقول الأوراق: لفت المتدرب نظر الشرطة الكينية وإدارة المستشفى الذى يتدرب فيه.. ولما نسأل إزاى؟ .. ترد.. أولاً لأنه تنازل عن سكنه المجانى فى قلب المستشفى، وفضل السكنى خارجه رغم أن المكافأة التى كان يحصل عليها لا توفر له هذه الرفاهية.. وثانيا لأنه كان لا يستقر فى مكان واحد، لا يمضى عليه أيام أو أسبوع إلا ويسارع بتغييره.. الأهم من ذلك أنها لاحظت عدم اهتمامه بمستوى الإيجار الذى يُسدده ولا قيمة التأمين الذى يخسره فى كل مرة ينتقل فيها من واحد إلى آخر.. وحامت حوله الشبهات.. من أين له المال الذى يكفى هذه المصاريف؟ .. دون أن يتوافر لديهم دليل على إدانته، طالما لم يشك منه أحد.. ولما وقع فى قبضتهم بالصدفة، انكشف المستور على أثر إلقاء القبض عليه بعد مشاجرة مع صديقة له تبادلا خلالها السباب واللكمات، ولم تفلح تدخلات الجيرات فى فضها.. وتم ترحيلهما بعد منتصف الليل إلى أقرب مركز شرطى.. فى الصباح عرض المتدرب على المحقق، بينما نقلت الفتاة للمستشفى للكشف عما بها من إصابات بالغة.. قبل نقلها، قالت للضابط أنها تشاجرت معه لأنه رفض - بعد أن قضت الليل معه - أن يعطيها المبلغ الذى اتفقت معه عليه بالعملة الأمريكية، رغم امتلاكه لعدة مئات من الدولارات، وفق أقوالها.. العلاقة بين المتشاجرين لا تعنى الشرطة فى شىء.. ولا يهمها أيضا أن يسدد الزبون الأجرة بالشلن الكينى أو بأى عملة أخرى.. ما شغلها فى حينه «من أين له وهو المتدرب - الذى يحصل على مكافأة مالية محدودة - أن يكون فى حوزته مئات الدولارات؟».. ولما قامت بتفتيشه عثرت معه على ما يزيد قليلاً على خمسة آلاف دولار نقدا وعدا.. ولما سُئل من أين له هذا؟! التزم صاحبنا الصمت.. أخذوا منه تليفونه المحمول.. وكانت المفاجأة الثانية أنه من نوع حديث وغالى الثمن.. سامسونج / 6 .. اشتريته منين؟ جابوهولى واحد صاحبى كان مسافر فى جنوب أفريقيا.. مين صاحبك ده؟ رجع تانى لبلده.. جبت ثمنه الغالى منين؟ هو أعطاه لى هدية؟ .. طيب اسمه إيه؟ رفض النطق.. لما استعانت شرطة المركز بالخبراء الأمنيين لتفريغ ذاكرة الهاتف والعمل على فك شفرات ما به من رسائل.. اكشتفت بلاوى.. منها أنه على إتصال متكرر بمندوب بريطانى الجنسية ل «جيش الخلافة الإلكترونى» يدعى جنيد حسين يقيم بين العراقوسوريا.. وأنه على تواصل متكرر مع بريطانى آخر يدعى سمة الله.. نقلت هذه المعلومات بالكامل للأجهزة الأمنية البريطانية التى سرعان ما أخضعتها للبحث والتنقيب.. واطمأنت لصحتها.. وتأكدت أن جنيد حسين قتل فى غارة جوية قامت بها طائرات التحالف فى سبتمبر 2015.. أما المدعو سمة الله، فكان قرارها أن يُحاصر على مدار الساعة بدقة متناهية.. لماذا؟ لأنه بلا مناسبة قال للمتدرب الطبى فى واحدة من رسائله «أنه يرغب بشدة فى التواصل مع الخليفة الذى أعلن عن نفسه فى بغداد، لأن لديه معلومات قيمة للغاية تنفع التنظيم الذى يتزعمه»، ولما استفسر منه محمد عبده عن نوعية ما فى حوزته من معلومات.. قال له كلها ذات صلة بالعمليات الجهادية التى يقوم به جيشه فى العراق وفى سوريا.. وعندما طالب صاحبنا الكينى بمزيد من التفسير.. قال سمة الله مثل «تركيب القنابل شديدة الانفجار والعبوات الجرثومية».. نقل المتدرب هذه المعلومات إلى جنيد حسين مسئول الاتصال بمثل هذه المجموعات، فأذن له أن يعطيه رقم الهاتف الذى يمكن أن يحادثه عن طريقه.. ونفذ الوسيط ما طلب منه.. وأرسل له رسالة بهذا المعنى.. اندفع صاحبنا نحو هدفه الإرهابى بقوة وبلا تعقل.. بادر بالاتصال بجنيد.. وتبادل معه أساسيات التعارف.. أنت مين؟ وساكن فين؟ وبتشتغل إيه؟ وعايز تتصل بينا ليه؟ وليه احنا بالذات؟ وإيه هى المعلومات اللى عندك؟ طب ممكن تعرفنا على حاجة منها على سبيل توثيق الروابط وكسب الثقة بيننا؟.. وافق صاحبنا.. وأرسل لهم مجموعة منتقاة وغير مترابطة من المعادلات الكيميائية الخاصة بالقنابل الجرثومية.. طبعا قام جنيد بعرضها على من يفهم فيها.. وجاءه الرد.. وثق علاقتك به شوف تمنه كام واتفق معاه على بقية التفاصيل.. واكتشفت وحدة مكافحة العمليات الخاصة البريطانية أن صاحبنا متعدد المرجعيات والمصادر فى مقدمتها مجموعة من اللينكات الأمريكية المتاحة مجاناً لمن يستطيع الدخول إليها، فما كان منها إلا أن تواصلت مع نظيرتها فى واشنطن للتنسيق وتبادل المعلومات. بعد فترة من المتابعة اللصيقة.. والرصد اللحظى لتحركات الهدف، صدرت الأوامر بالتخطيط لإلقاء القبض عليه داخل شقته.. فى الوقت المحدد، نُفذت الخطة.. وضع المهاجمون أيديهم على ما عثروا عليه عنده.. مكتبة إلكترونية وسمعية موسوعية دأب على تجميعها بعناية فائقة وضعها تحت تصرف تنظيم داعش الدموى.. احتوت على أدلة عدة ومتطورة لكيفية تشفير الرسائل.. وخلاصات تجارب لتجنب متابعات الأجهزة الأمنية.. وبرامج لكيفية تصميم أساليب الدعاية لجذب الأنصار المؤدين والمتطوعين.. أما أخطرها فكان يرتبط مباشرة بتصنيع المواد الناسفة وتحديثها.. وكيفية شراء الأسلحة الخفيفة والثقيلة.. وخطوات صنع الأسلحة الجرثومية وكيفية استخدام البكتريا والأمراض المعدية فى القتل الجماعى عن بُعد.. عثروا على كتيبات بعضها قام بنسخه مجاناً عن طريق لينكات التواصل.. وبعضها الآخر مُشترى من مكتبات غربية - معظمها أمريكى - .. أما غالبيتها فكان عشرات من السيديهات والفلاشات متعددة السعة التى عكست رغبته التدميرية الدموية التى لا سقف لقدرتها على مساعدة التنظيمات الإرهابية فى التخطيط المباشر للتخريب وإزهاق الأرواح .. علق دين هايدن مدير وحدة العمليات الخاصة لمحافحة الإرهاب فى شرطة العاصمة لندن على الحادث.. قائلا: «هذه هى المرة الأولى التى نرى فيها شخصًا واحدًا قام بإنشاء مكتبة لمساعدة الإرهابيين حول العالم».. أسمع البعض يهمس.. كان لازم ياخد إعدام.. من جانبى لا تعليق! •