فى الإسكندرية.. كأن ذلك البلد كتب عليه أن يحتضن الكلمة كما يحتضن البحر، شاعرنا الذى سنتحدث عنه اليوم، ولد وترعرع على أرض مدينة الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط، التى تعشق الفن كما تعشق مبدعيها وترضعهم من مياه البحر حتى يكبروا ويصيروا توفيق الحكيم وحسن فتحى! قسطنطين كفافيس الإسكندرية.. حيث سيد درويش وعمر الشريف وفاطمة رشدى ويوسف شاهين وديميس روسو وغيرهم الكثير إلى سامح العجمى، الشاعر الذى ذهبنا إليه حيث هو لنحاوره ونعرف متى ولدت الكلمة داخله والتى حتما ولدت معه. • الطفولة شهدت سنة 1966 العديد من الاضطرابات السياسية فى مصر والمنطقة العربية، ولكنها شهدت أيضا ميلاد الشاعر سامح العجمى فى أسرة تقليدية بسيطة، فوالده كان يعمل محاسبا فى بنك ووالدته ربة منزل، عاش العجمى طفولته فى تلك الأسرة وسط ما شهدته البلاد من أحداث سياسية كثيرة ومتتابعة، منها حرب 73 والانفتاح وأحداث 17 و18 يناير حين كان طفلا فى المرحلة الابتدائية، وذهب والده يأخذه من المدرسة خوفا عليه من تلك الأحداث والاضطرابات التى أثرت على الشارع المصرى والحياة السياسية والاجتماعية بشكل عام. • كيف كانت البداية؟ - مثل كل الأسر التى تحرص على أن يجتهد ابنها فى المذاكرة ليصبح طبيبا أو مهندسا أو ما شابه ذلك، كانت أسرتى تحرص على أن أكون طبيبا خاصة أن إخوتى الأكبر منى أطباء، فكان من الطبيعى أن أجتهد لأصبح طبيبا مثلهم، ولكن كنت أميل للأدب والتاريخ والقسم الأدبى بشكل عام ومع ذلك دخلت علمى علوم إرضاء لرغبة أسرتى، ولكنى كنت أقضى معظم وقتى بين قصص نجيب محفوظ ورواياته التى لا أمل منها لدرجة أننى كنت أقرؤها أكثر من مرة، وكذلك إحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس والسباعى، وكنت دائم التردد على بائعى الكتب للشراء أو التبديل بكتب أخرى، وأهملت دراستى بعض الشىء.. فلن أحصل على مجموع يؤهلنى إلى كلية الطب فى النهاية ولكن مجموعى أهلنى إلى كلية الطب البيطرى أو العلوم، ففضلت كلية التجارة لسهولة المواد والدراسة بها وأيضا كى أصبح محاسبا مثل والدى أو هكذا خططوا لى كى أعمل مع والدى وبالفعل التحقت بكلية التجارة وكانت المفاجأة.. حيث بدأت تتفجر موهبتى فى الكتابة دون أن أدرى، ودخلت كلية التجارة لكى أكتب الشعر أو الأغانى وليس الدراسة، وكانت النتيجة رسوبى فى معظم المواد وشعورى بنهايتى فى التعليم وبداية علاقة جديدة بالشعر الغنائى وطالب صديقى يدعى مصطفى قمر وملحن كلماتى. • كيف كان شعور أسرتك تجاه فشلك الدراسى ونجاحك فى كتابة الشعر الغنائى أو الأغنية؟ - بالطبع قابلوا هذا بمنتهى السخط والغضب واعتبرونى فاشلا وشخصا مستهترا لا يهتم بدراسته وأتذكر أن والدى وقتها كان يعمل محاسبا فى بنك بالسعودية, أتى مخصوص غاضبا ليسألنى عن نهاية فشلى فى الدراسة وماذا سأفعل بالأغانى التى أقوم بتأليفها وغنائها أنا وصديقى مصطفى قمر، وبدأ إقناعى والحديث معى حول أن هذا الطريق بلا ملامح وبلا آخر وأن المستقبل هو أن أنتبه لدراستى وأنهيها لأذهب معه إلى السعودية حيث المكان الذى يحجزه لى هناك فى البنك الذى يعمل به، لأكون نفسى وأتزوج وأعيش حياة طبيعية مثلى فى ذلك مثل أى شاب. • لم تعرف الشعر أو تكتبه إلا حين لقائك بمصطفى قمر فى أول سنة من المرحلة الجامعية؟ - لا، كنت أكتب الفصحى.. فأول احتكاكى بالشعر وسبب حبى للشعر والكتابة هو أمير الرقص وأمير الشعر والشعراء من وجهة نظرى الشاعر أمل دنقل، فأنا أتذكر جيدا يوم وفاته كأنه أمس عام 82 بعدها ذهبت لشراء آخر ما كتب وهو ديوان أوراق الغرفة 8، وبعد أن قرأته مرة واثنتين وثلاثاً ذهبت لأبحث عن جميع أعماله وأقرأها فقرأت البكاء بين يدى زرقاء اليمامة ومقتل القمر والتعليق على ما حدث والعهد الآتى وأقوال جديدة فى حرب بسوس». وكنت أقف عند كل جملة وكلمة وحرف كتبها هذا العبقري: لا تصالح على الدم حتى بدم لا تصالح ولو قيل رأس برأس أكل الرءوس سواء أقلب الغريب كقلب أخيك وهل تتساوى يد سيفها كان لك بيد سيفها أثكلك؟ كان إعجازاً بالنسبة لى، ثم بدأت أقرأ لصلاح عبدالصبور وبدر شاكر السياب، وكتبت الفصحى فى البداية متأثرا بهم، ثم بعدها بفترة بدأت أميل للعامية وقرأت لصلاح جاهين وبيرم التونسى وفؤاد حداد وكان وقتها عبدالرحيم منصور فى أوجه مع محمد منير وكلماته جديدة بالنسبة للسمع وبالنسبة لكل ما يكتب وقتها وكذلك عبدالرحمن الأبنودى وفؤاد قاعود وسيد حجاب وغيرهم الكثير من عامية هذا الجيل الذين أثروا فى نشأة وجداننا بشكل كبير. ومن هنا بدأت أكتب العامية إلى أن قابلت مصطفى قمر بجيتاره، وجدته طالباً وكان تقريبا فى مثل سنى تماما، وكنا طلبة فى نفس الكلية ودون شعور صادفته وبدأت أكتب ويعجب هو بكلامى فيمسك جيتاره ويبدأ يؤلف عليه جملا موسيقية بديعة تأخذنى بعيدا إلى حيث أغنية ثانية وثالثة ورابعة وهكذا ونحن لا نشعر إلى أن بدأ يتكون لدينا جمهور ومعجبون وأشخاص يطلبون منا أغانى معينة. فى هذا الوقت لم يكن مصطفى قمر واعياً لأنه ملحن ومطرب له مستقبل باهر فى مجال الغناء وكذلك أنا لم أعبأ بالأغنية وكان كل تركيزى على أن أجمع مجموعة من أعمالى الشعرية وأصدر ديوانا يضم تلك الأعمال فقط لا غير، هذا كل همى وكنا نجلس سويا فترات طويلة نسمع خلالها سيد درويش والشيخ إمام والشباب الذى يعتلى الساحة الفنية الغنائية وقتها مثل محمد منير وعلى الحجار ومدحت صالح وغيرهم الكثيرون. • ولم تكن تعبأ بما تكتب وكل اهتمامك كان منصباً على إصدار ديوان شعر وأيضا مصطفى قمر لم يعبأ بأنه مطرب وملحن له مستقبل فكيف كانت البداية؟ - بدأ عدد كبير من زملائنا فى الجامعة وخارجها يلتفون حولنا ويطلبون أن نغنى لهم أغانى بعينها إلى أن طلب من مصطفى أن يحيى حفلا بمفرده ويغنى فيه الأغانى التى كنت أؤلفها وهو يلحنها ويغنيها فبدأنا نفكر مع بعض بصوت عال ونقول ماذا نفعل، فالمكان الذى سيقام فيه الحفل يسع ألف شخص فلابد أن تكون هناك فرقة وبالفعل كونا فرقة بسيطة وكان العدد زيادة عن المكان وفوجئنا بجمهور عظيم جدا وتشجيع لم نتوقعه واندماج مع الأغانى لدرجة أعطتنا طاقة وقوة لمواصلة ما نفعل ونؤمن به أكثر ونتمسك به أكثر وأكثر وكانت تلك هى البداية. بدايتى مع مصطفى قمر التى أفخر وأعتز وأسعد بها إلى اليوم حين أتذكر أول تعاون بيننا فى أغنية البيانولا: كان يا ماكان العم نوح رغم الجروح بيخطى عتبة حبنا نفس المكان آخر النهار وإحنا الصغار على البيانولا يلمنا. وياخدنا يلف بينا بين طرقات المدينة أنا وأنتى وفى عيننا الأمانى تضمنا نكبر يدوب نحلم نعيش بجناح وريش بين الدروب والأزمنة وندوب ندوب فجر وغروب والعم نوح رغم الجروح بيضمنا وياخدنا يلف بينا بين طرقات المدينة نكتم فرحة فى عنينا لليالى تصدنا وفى يوم حزين العم نوح الليل جروح ملياه الضروح جه فى المسا وبكيت بكيت لما التقيت زينة البنات وسط الزينات وأنا بتنسى ولقتنى لوحدى راجع بالحلم وبالمواجع أحبى فى مجرى الشوارع اللى ضمت خطونا البيانولا كانت ألحان وغناء مصطفى قمر وتوزيع حميد الشاعرى، وتوالت بعدها أعمالى مع مصطفى قمر، كتبت «عارفة ليه وغنى وعايشين يشهد عليا الليل وآخر كلمة وبحبك وألبوم افتكرنى» عدا أغنية «جراح ورمش عينه وسكة العاشقين وعلمنى ومنه الهوى وأرمى المنديل وطال الليل ومراكب وأنا لحبيبى وآه من الهوى وبعتناله القمر وشاغلين باله وألبوم عينيك وحشانى وسلمولى ونامت المدينة وأهل الغرام وجحا وكان لى يوم حبيب». وصعبان عليا وياناس والسود عيونه ونار الحب وزينة والله يا سمرا وآه من الليالى وحنحب أيامنا وحبيبى ومكاتيبى وحنو وأبو خد جميل. بالطبع هناك فترات زمنية بين كل عمل والتالى، ولكن ليست بعيدة، وتوالت أعمالى بعدها مع مطربين مختلفين مثل أحمد دوغان الذى كتبت له «آه لو حلمت» وألبوم «ارجعى يا هنادى وإزاى البنات تحبك» والشاب عراب الذى كتبت له «يا ملاكى وضمينى»، كما كتبت أيضا للمطربة إليسا أغنية «خلينى أعيش وإلين خلف دلع الحبايب وحاولت أنساك وبهواك والحلو ده وأميرة يا شمس غيبى» وأمين سامى كتبت له «لا وألف لا». بالطبع فى فترة من الفترات وهى بداية كتابتى وألحان مصطفى قمر كنا أكثر عمقا فى كتابتنا وكان السوق يتطلب أغانى من نوع آخر، حيث كنا بدأنا ندخل فى زمن الأغنية الفقيرة الخفيفة، فكتبت لإيهاب توفيق أغنية الحلو حلو وحققت نجاحا باهرا ثم كتبت له على كيفك وده إللى شاغل بالى ويا ولاد ومن حقنا وتعالى نسامح وأمر يا قمر. وكتبت لباسكال مشعلانى حبيبى وكتبت لريكو يا على، وفى بداية شهرتنا داخل الإسكندرية تعرفنا على الملحن السكندرى والصوت الذى تربع فى وجدان أجيال كثيرة والذى ساعدنا كثيرا وأخذ بيدنا حميد الشاعرى الذى كتبت له أغنية غزالى وخدنى بين إيديك ولو بتحبنى وعودة وسيدى والله وليالينا الحلوة، وكتبت لمى كساب خد كل شىء، ومدحت صالح وطلعت زين وسميرة سعيد، وصابر الرباعى مزيانة وسيدى منصور كما كتبت لشذى وغادة رجب وهشام عباس وغيرهم الكثير والكثير. بعد أن اشتهرنا أنا ومصطفى قمر وتعاقدت معنا شركة سونار وتبنانا يحيى خليل وفرقته لتوزيع أغانينا كتبت كلمات بحيث تغرد داخل السرب ولكن بعدما حققنا شهرة كافية وكماً من الإبداع يسمح لنا بكتابة أعمالنا التى أبقيناها حبيسة الأدراج فترة طويلة لكى نساير موجة الغناء وقتها عملنا ألبوم إلى من يهمه الأمر، الذى ضم أغنيات أهل الغرام وسلمولى وكان لى يوم حبيب. ونامت المدينة وجحا وشرحنا فى كتيب صغير للمستمتع لماذا اخترنا هذا الاسم حيث ألفت مثلا أغنية جحا وأنا فى سن 17 سنة التى تقول: أنا عمك جحا دينتى مرجحة من غير أجنحة أنا بارسى وأطير واسكت يا سكوت ما فى عندى بيوت ولا ميت سحتوت ولا خالى أمير بضحك يا ولاد وآدى سوق بغداد مليان مجاريح خلق مسافرين والباقى صايمين من غير تراويح بين القوانين بت التفانين طبل وزمامير والحقى ياما قلعوا العمة ولبسوا الطراطير. • من كتابة الأغانى والشعر لشركة إنتاج سينمائى.. لماذا فكرت فى تأسيس شركة إنتاج سينمائى ولماذا لم تكتف بكونك شاعرا غنائيا له العديد من الأغاني؟ - بعد ما كتبت كل هذا الكم من الأغانى وتعاملت مع عدد كبير جدا من المطربين من كل حدب وصوب؟ قررت أن أتجه للإنتاج السينمائى نظرا لعشقى للسينما وأيضا فضلت أن أكون واحدا ممن يشاركون فى صناعة العمل السينمائى بشكل أو بآخر وبشكل أكبر من كونى شاعرا وأول عمل أنتجه كان بمشاركة كامل أبوعلى وهو فيلم: «إزاى البنات تحبك» فى 2003! ثم «رامى الاعتصامى» و«حظ سعيد» و«بتوقيت القاهرة» و«خانة اليك» و«كشف حساب». وأعشق مشاركة كلماتى داخل الأعمال السينمائية وكان حلما من أحلامى التى لن استطيع تحقيقها هو أن أدرس فى معهد السينما لأصبح ممثلا فأستغنى عن ذلك بالإنتاج. • كيف ترى أزمة صناعة السينما وشبح الاحتكار فى مصر؟ - أنا أرى أن الإنتاج ليس حكرا على أحد أو شركة بعينها ولو نظرنا فى آخر 5 سنوات، سنجد أن إنتاج السبكى تقريبا يصل إلى 80% مقارنة بالسوق كله، والسبب فى ذلك هو أن السبكى هو من يجازف ويأخذ المخاطرة فى حين أن الآخرين يخشون كثيرا تلك الخطوة، أما عن أزمة السينما فالدولة هى من شكلت تلك الأزمة فعندما تضع حدا معينا لرأس المال تكون بذلك قضت على المنتج الذى ينتج فيلما أو فيلمين فى السنة. • خضت مخاطرات إنتاج سينمائى كثيرة.. فما هو الدافع الحقيقى وراء كل هذا الكم من المجازفات؟ - الدافع الحقيقى هو حبى للسينما وإيمانى برسالتها الصادقة وليس بدافع الكسب المالى، وإلى الآن أخوض تجارب جديدة وأغامر غير عابئ بالعائد المادى فأنا أجهز تلك الأيام لفيلم يتحدث عن الحجاب وهل هو حلال أم حرام وما الذى دفع كل شخصية لارتدائه فمنهن من ارتدته حفاظا على العادات والتقاليد ومنهن من ارتدته لأن والدها الذى يعمل فى السعودية كان يرى وجوب الحجاب وهكذا وفى النهاية أنا لا أحلل ولا أحرم ولكنى أريد أن أبعث برسالة لكل فتاة وهى أنها ترتديه عن اقتناع ذاتى نابع من داخلها دون الأخذ فى الاعتبار لخاطر شخص أو عادات وتقاليد أو ما شابه ذلك. • وماذا عن الإبداع فى مصر؟ - أى إبداع وكل ثقافتنا أصبحت المهرجانات والفن الهابط، للأسف الشديد جدا لا يوجد إبداع تلك الأيام. • كلمة أخيرة توجهها لشباب الشعراء؟ - إذا كان هناك شخص أو أشخاص يمسكون ورقة وقلما للتعبير عما بداخلهم فأنا أتمنى لهم احتراما وتقديرا فمجرد تفكير الشخص فى تفريغ ما بداخله عن طريق الكتابة يعتبر شخصا متميزا جدا ولكن الأكثر تميزا هو من يجعل الناس تلتف حوله وتسمعه.•