إنها المرأة.. التى دائما ما تبحث عن الحب والحنان والاهتمام مهما كان وضعها الاجتماعى أو ما بلغته من العمر، تحدثت إليها بمختلف أعمارها وثقافتها وجلست أستمع اليها فقالت: «من البداية وأنا أضع احتياجاتى وأمنياتى كفتاة تربت على تعاليم دينها وتقاليد مجتمعها فى جعبة «العَدَل» ترافقها جرعة مركزة من الصبر وطول البال، وذلك حماية لمشاعرى كأنثى من «العته»، نعم.. فللزمن وطول الانتظار عته تُفسد المشاعر، فهما قادران بقسوتهما على اختراق وهزم كل حوائط الصبر التى تبنيها داخل نفسك، التى ما أن تعيدى ترميمها لتستعيدى قواك حتى تدور المعركة من جديد فلا سلم دائم ولا حرب قائمة. تلك هى مرحلة العشرينيات، ربيع العمر، وردية الأحلام المغلفة بعدد من القواعد والالتزامات التى تتخطينها أحيانا وتمتثلين لها أحيانا أخرى، تنتقدينها كثيرا، ولكن تنفذينها دائما، تصرخين وتشكين منها، ولكن دون صوت، ففى المجتمعات جاهلة الفكر صوت المرأة عورة، وتمردك خطيئة، وتحررك أولى البوابات إلى الجحيم. تسير بك تلك المرحلة بحلوها ومرها، ما بين التمرد والطاعة، حتى يسير بك العمر وتصلى إلى النضج، حيث الثلاثينيات التى يكون من الصعب التعايش معها وأنت لاتزالين ظمأى للحياة، أو لديك إحساس بالحاجة «حاجة للمشاعر - حاجة للعمل - حاجة للمال». فكسرة الثلاثين تعقبها كسرة نفس تعيشها فتيات كثيرات ممن ارتضين انتظار النصيب على أن يظل هدفهن هو «الحلال». تقرر أن تنتظر من يضع أساس حلمها الوردى الذى رسمت ملامحه فى سنوات مراهقتها وعشرينيات عمرها وهى أنثى تجمع ما بين نضج بدايات الثلاثين ومراهقة الأيام الأولى قبيل العشرين. جاءها العدل وتزوجت كعادة الفتيات دون الحديث فى عناء التفاصيل كيف ومتى وماذا ومن وإلى أى مدى ستكون سعيدة؟! فإذا ما تزوجت انتقلت إلى مرحلة أخرى تضفى عليها المسئولية باعتبارها الزوجة النصف الآخر، رفيقة العمر التى تحولت من شريكة الحب إلى شريكة الأولاد والأعباء أيضا فقد تعاهدا وديا على أن يتقاسما كل شىء بحلوه ومره. فهى كأم لن تستطيع أن تترك بيتها بلا طعام أو ترفض أن تنفق ما لديها مثلا على أبنائها إذا أرادوا شيئا، تحويشة عمرها أنفقت فى الزواج وعلى تجهيز نفسها، ولكن استمرار عملها وعودتها للعمل بعد أيام الزواج أعاد توازن حقيبتها المالية إلى حد ما، فبدأت بطبيعة الحال تنفق على بيتها من مالها الخاص باعتبارها وزير مالية البيت، فهى تعد خطة مصاريف الشهر لتتناسب مع إمكانيات زوجها، ولإدراكها صعوبة أن يتحمل الزوج عبء الأسرة وحده فتشترك بعمل الجمعيات لدفع مصاريف مدارس أبنائها أو تحسين ظروف حياتها، فتناست تدريجيا إحساسها كأنثى واضطرت أن ترتدى ثوب الرجال بداية من خروجها للعمل والذى بالتأكيد ليس على سبيل الترفيه، ولكن لتفى بجزء من احتياجات بيتها واحتياجاتها الشخصية. هى امرأة ولكن.. تحولت بعض الشىء، لتناسب طبيعة المرحلة الجديدة التى فرضتها عليها الظروف، فقسوة الحياة وضعت المرأة ترسا فى دائرتها فتحولت ملامحها الرقيقة إلى شاحبة بعض الشىء لولا بعض المساحيق التى تعيد لها نضارة ذابلة، وصوتها الرقيق الهامس أصبح عاليا وهى تتعامل مع أبنائها، حتى خطواتها المتمهلة المتمايلة أيام صباها أصبحت أكثر جدية وصلابة وهى تخطو سريعا بعد انتهاء عملها لتصل إلى بيتها فى وقت أقل لتبدأ فى تجهيز الغداء لأسرتها ومن ثم تبدأ المذاكرة مع أبنائها الصغار والتربية وحل مشاكل أبنائها الكبار، لتحاول فى الربع الأخير من اليوم أن تغسل أو تطهو أو تنظف وتعيد ترتيب بيتها حتى يسدل الستار عليها وهى شبه جثة على السرير وتغط فى نوم عميق. إنها المرأة المصرية التى دائما ما لاحقتها الضغوط و«كسرة النفس» فمنذ أن كانت طفلة صغيرة وهى تعامل على أنها أقل ذكاءً من شقيقها الذكر حتى تصبح شابة فتكون أقل منه حرية حتى تتزوج فتكون نصفًا لأنثى «زوجة» ونصفًا لرجل «لتتحمل مسئولية الحياة مع زوجها» وهكذا حتى تنتهى مدة صلاحيتها كامرأة وتأخذ وسام الأنثى الشرفى وتصبح «حاجة».•