تعتبر مرحلة الجامعة وما يصحبها من تطورات فكرية وشخصية المرحلة الأكثر أهمية فى حياة أى شخص لاسيما إذا تزامن معها كونك أحد الطلاب الجامعيين المغتربين، وهنا تكون المدينة الجامعية الملجأ الذى يقضى فيه الطلاب سنوات الدراسة الطويلة بحكم ظروف دراستهم التى فرضت عليهم الانتقال من مسكنهم ومحافظتهم إلى هذا السكن الجامعى. هناك من يرى أن المدينة هى المكان الآمن لسكن أبنائهم وذلك بحكم مواعيد الخروج والدخول المحددة والصارمة، ووجود مشرفين ومشرفات على تصرفاتهم. وهناك من يراها غير آمنة على أبنائهم خوفا من اكتساب فتياتهم لصفات وتقاليد غير ما تعودوا عليها، كما لا يأمنوا ما يفعله أبناؤهم بعيدا عن أعينهم.. وبتجربة صحفية لمعرفة حقيقة ما تعيشه الطالبات داخل هذا العالم كانت هذه التفاصيل التى مررنا بها. بمجرد دخولك إلى المدينة الجامعية تشعر كأنك داخل مجتمع منفصل عن العالم الخارجي، تتدرج فيه الوظائف والمهام لتنتهى إليك، ليس باعتبارك الأهم ولكن الهدف المفترض خدمته وحمايته داخل هذا الكيان المؤسسى الجامعى. المبانى أصفها بالجيدة، يبدو العمل بالمدينة على قدر من النظام، مواعيد للطعام، مواعيد للدخول، مواعيد لمشاهدة التليفزيون. ولكن هناك عالمًا آخر، تبدأ طقوسه مع عودة الطالبات إلى المدينة بعد انتهاء اليوم الدراسى واللحاق بوجبة الغداء قبل كل شىء ثم تأتى فترة المساء عندما تجتمع الطالبات معا، هنا يختلف الهدف من التجمع وتتعدد المذاهب الفكرية فهناك مجموعات الصلاة، وهى مجموعة من الفتيات قد التزمن معا وكون فريقا من المتدينات وسيكون دورهن فيما بعد هو عمل الدروس الدينية ومحاولة استقطاب باقى الفتيات ممن ينضممن إليهن حديثا للصلاة فقط وأداء الفروض إلى محاولة إقناعهن بضرورة حضور الدرس الذى عادة ما يتحدث عن ملابس الفتيات المتبرجة وضرورة الاحتشام لتفاجأ بعد الشهر الأول من بداية العام الدراسى بتغير هيئة الفتيات التى تتطور تدريجيا من الجوانتى والطرحة الطويلة ثم مرحلة الإسدال وانتهاء إلى النقاب. ثم تتوالى الدروس سواء بعد الصلاة أو فى الغرف ليلا بعد انتهاء مرور المشرفات واللاتى يرفضن مثل هذه التجمعات. وتتدرج مراحل الدرس كذلك من الحديث عن الاحتشام وثياب المرأة المسلمة الذى يجب مراعاته مرورا إلى التحذير من استخدام العطور وحكم المرأة المتعطرة ومخالطة الشباب فى الجامعة والمدرجات، وغيرها من أحاديث عذاب القبور والآخرة وأهوال يوم القيامة. وتأخذ هذه الفئة فى الانتشار سريعا لنشر أفكارها إلى الجميع دون ملل أو كلل.. تقودك قدمك إلى الداخل أكثر لتتحرك بين الغرف لتتلقى حلقات أخرى مختلفة التوجه والأفكار حيث تتوجه إلى حلقات من التحرر الانفعالى دون وعى أو مبدأ. لمجموعة من الفتيات المتعطشات لروح المدينة ولكنهن أردن الخروج سريعا جدا دون اتزان من طور الحياة الضيقة بالأقاليم والقرى اللاتى جئن منها، فتحولت أفكارهن سريعا طلبا للخروج والانطلاق، فتنطلق حفلاتهن الساهرة السامرة فى المساء. والتى تثير غضب الباقين ممن يردن استذكار دروسهن. كما تتحول أفكارهن بالتحول الأخلاقى الذى يختلف كثيرا عما تعلمنه وتأسسن عليه فى حياتهن الأولى بقراهن البريئة فتتغير الملابس إلى كل ما هو ضد الاحتشام أو مراعاة العادات والتقاليد. ويساعد الفتاة فى هذا التحول تشجيع فتيات أخريات يسبقنها بعام أو أكثر قد نقلن إليها خبراتها فى التمتع بحياة المدنية المتحررة تحت عنوان عريض «محدش يعرفك هنا» وتبدأ تتغير أفكارها دون إحساس بالخوف أو الذنب لأنها عادة تفعل كثيرا مما يحلو لها، وعندما تعود لزيارة أهلها فى إجازة أسبوعية أو شهرية تعود بنفس هيأتها القديمة حتى لا تتعرض لتأنيب أهلها فى غالب الأحوال.. • المذاكرة وبس وهناك مجموعة ثالثة لا تعرف سوى الاستذكار وكتابة المحاضرات المتأخرة وتصوير الملازم. تنفذ التعليمات عن ظهر قلب، إنهن المغتربات قلبا وقالبا، فلم تستطع هذه الفئة الاندماج مع التحرر والمدنية الحديثة التى فرضتها عليها وجودهن بالقاهرة ولكنهن يكنّ دائما متأرجحات بين محاولات التطور «على خفيف» وبين الالتزام، وإن كن يملن أكثر إلى المجموعة التى تدعو إلى التدين لأنها بطبيعة الحال تكون أقرب إلى أفكارهن ونشأتهن القائمة على الأخلاق والدين بالفطرة. قالت إحدى الفتيات التى قضت 3 سنوات فى المدينة الجامعية وتدعى شيماء: «فى البداية كنت رافضة لكل شىء، الأكل والنظام المفروض على أن أتقبله ومواعيد الدخول لكن مع الوقت تعودت وكمان ده كان له تأثير إيجابى على البيت لأنى بعدها بدأت أتقبل أى طعام وبدأت تدريجيا فى الاعتماد على نفسى لأن توجيهات ونصائح أسرتى لى دائما بالاهتمام بنفسى واختيار صديقاتى دفعنى إلى أن آخد بالى جدا من نفسى وأنى مسئولة أنى أرجعلهم زى ما خرجت وزيادة عليا الشهادة، ولكن أفضل ما تعلمته أيضا أن الصحبة الجدعة هى كنز هونت عليا حاجات كتير.. لأن أكثر ما يميز حياة المدينة الجامعية هى المشاركة بين الطالبات فى كل شىء وأول ما دخلنا المدينة كانت فى حالة رهبة على المجتمع الجديد ده لكن سرعة اختيار صديقات وصحبة جدعة تكون معاك فى الحياة والأكل والمذاكرة وحتى أوقات الرفاهية، هى اللى خففت ألم الغربة والبعد عن الأهل. • حياتك طوابير هالة عبدالنبى - الفرقة الثانية - دار علوم: «المدينة الجامعية بالنسبة للفتاة هى عالم مش سهل إما أن تخرج منه سالمة أو تتغير وتتحول لشخص تانى تماما واللى بيأثر فى ده مدى تربيتها وسلوكها اللى بتكون متمسكة وثابتة عليه.. يعنى مثلا أنا أعرف بنات بيلبسوا هنا كل اللى هما عاوزينه سواء داخل المدينة أو فى الجامعة لكن لو قررت تسافر بلدها لازم تلبس محترم وحشمة عشان ميتقلش عليها إنها انحرفت. وفى بنات كتير جدا هنا بيعملوا كده. لكن أصعب حاجة فى المدينة إنك تحس إن حياتك كلها طوابير. أى حاجة تقف فى طابور ولازم تنفذ الأوامر، وطبعا هى حماية وأمان عن السكن الخارجى لكن فى نفس الوقت محتاجة تتغير وتتطور أكتر فى الخدمة ومستوى الأكل. • عسكر فى المعسكر وقت الامتحانات عسكر فى المعسكر.. هكذا تقول منة عبدالرحمن الفرقة الرابعة آداب، وقت الامتحانات المدينة بتتقلب ثكنة عسكرية، محدش بيهزر ولا بيدلع كله بيذاكر والجو فعلا بيشجع على الاجتهاد لأن كل الناس عندها نفس الظروف وطبعا كله بيعسكر فى المدينة ومحدش بيسافر بيت أهله إلا بنهاية الامتحانات والميزة أيضا أن الطلبة يتبادلون الأوراق والكتب والأسئلة المهمة والملازم من «الدحيحة»، بتوع الدفعة، عندهم الأوراق والتلخيصات لكل المحاضرات واللى بتنجح الدفعة كاملة، وبالتالى شهر الامتحانات بيقرب الجميع، وتتحول أروقة المدينة وشرفاتها إلى ساحات للمذاكرة».• بداية المدينة الجامعية قام الملك فاروق بوضع حجر الأساس فى 12 فبراير 1949 وتشغل المدينة الجامعية والملاعب مساحة 46 فدانًا من أراضى الجامعة المطلة على شارع ثروت. صدر أول تفكير فى إنشاء مساكن لطلاب جامعة القاهرة عن لجنة الجامعة التى شكلت سنة 1917 وقدمت تقريرا للتنفيذ حتى نشطت كلية الآداب فى استئجار بيت لطالباتها ومن تستطيع إيواءهن من طالبات الجامعة لقاء أجر زهيد نظير المسكن والمأكل ووسائل الراحة كالمكتبة والتليفون وغير ذلك، وتعيين مشرفة على شئون الطالبات به.. وفى 4 سبتمبر سنة 1945 صدر مرسوم بإعادة نظام منشأة المدينة الجامعية ثم استبدل هذا المرسوم بمرسوم آخر فى 18 ديسمبر سنة 1952 وعدل بقرار من مجلس الوزراء الصادر فى 24 أغسطس سنة 1955 باعتماد لائحة النظام الدراسى والتأديبى الاجتماعى لطلاب الجامعات التى نصت فيها المواد 153 وما بعدها على الأحكام الخاصة بالمدن الجامعية ثم ألغيت هذه اللائحة بقرار رئيس الجمهورية فى 23 ديسمبر سنة 1956 الصادر باللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات المصرية. •