تولى رئاسة الجامعة فى الفترة من 1993 إلى 1997 وخرج منها وزيرا للتعليم العالى كله وخلافا للعرف السائد جاءها رئيسا دونما مرور على منصب عمادة أو نائب لرئيس جامعة. فقد جاءها من رئاسة قسم القانون الدولى بكلية الحقوق، حيث كانت سيرته ومسيرته فى ملف طابا هى جواز المرور وكسر الروتين العادى. تولى الجامعة فى فترة حرجة سياسيا وتعليميا، فقد كانت مصر كلها تعانى من ضربات الإرهاب والجامعة تسيطر عليها التيارات الدينية المتطرفة إلى الحد الذى كانت تؤثر فيه إدارة الجامعة السابقة السلامة وتغلق الأنشطة والمسارح حتى لاتثير غضب أصحاب هذه التيارات.. فجاء بهدوء المفاوض المحنك وواجه هذ التيارات أساتذة وطلابا وفتح مسرح الجامعة الرئيسى المغلق لتدب الحياة برونقها وأنشطتها من جديد فى أوصال الحرم الصامت.. وكان أول من ابتدع فكرة المواسم الثقافية وأرساها سُنة اقتدت بها باقى الجامعات الأخرى من وقتها للآن.. وإلى تفاصيل صفحة من صفحات الجامعة حكى لى فيها د. مفيد شهاب عن الكثير من تجربته. • الاختيار • بدأت حوارى معه بسؤال ربما لم يطرح عليه أو ربما لم يجب عنه وقتها وهو الجدل الذى أثير بعد اختياره رئيسا للجامعة وهو رئيس قسم فقط بكلية الحقوق؟ ابتسم وسرح قليلا ليعود لى قائلا: سأعود معك للوراء كثيرا .. أنا كنت أول دفعة حقوق إسكندرية وفى ترتيب أوائل الجامعات الثلاث القاهرة، وعين شمس، والإسكندرية.. كنت الأول على الجامعات الثلاث وأصغرهم سناً (20) سنة وتمر الأيام ليصبح خريج الإسكندرية رئيسا للقاهرة. صحيح كنت رئيسا لقسم القانون الدولى بحقوق القاهرة ولكنى كنت أيضا مديرا لمعهد قانون الأعمال الدولى الذى أنشئ باتفاقية بين الحكومتين المصرية والفرنسية عام 89 تحت إشراف جامعة السوربون للدراسات العليا وكنت أول مدير مصرى بجوار آخر فرنسى من 89 إلى 93 - وإذا كان شرط اختيار شخص رئيس الجامعة هو الخبرة بالإدارة فأنا اختبرتها ليس كعميد ولا نائب ولكن كرئيس قسم 5 سنوات وكمدير لهذا المعهد الكبير أربع سنوات. صحيح كان العرف السائد أن يتم الاختيار من العمداء والنواب ولكن القانون لم يشترط هذا، هناك حالات أخرى مخالفة لهذا العرف وأنا كنت واحدا منها، فالعبرة فى الاختيار هى عدم مخالفة القانون والعبرة فى الإدارة بالقدرة والكفاءة. • كان حلماً نعم حلم رئاسة جامعة القاهرة كان أغلى ما يمكن أن أفكر فيه.. واستكمل د. مفيد قائلا: فأنا قضيت عمرى كله فى جامعة القاهرة عقب تخرجى فى جامعة الإسكندرية فقد جئتها وعمرى 22 سنة إلى أن أصبحت 57 سنة.. عشرة وتدريس وارتباط عقلى وعاطفى بها.. ولا أخفى عليك سراً فقد عرض عليَّ عام 90 رئاسة جامعة طنطا ورفضت وعام 91 عرض عليَّ جامعة الإسكندرية وحاول د. حسين كامل إقناعى كثيرا واعتذرت وأرسلوا مكانى وقتها د. عصام سالم.. كنت بحلم بجامعة القاهرة. هو أكثر منصب فرحت به فى حياتى حتى الآن، ولا أنسى يوم اختيارى لها كنت فى معسكر أبوقير ألقى محاضرة وإذا بأحد العمال يأتى إليّ قائلا: مبروك أنت بقيت رئيس جامعة القاهرة قلت فين منين الكلام ده .. قال لى أذاعوها فى التليفزيون فى نشرة التاسعة وبعد أن عرفت الساعة 10 هرعت إلى الفندق أتلقى الاتصالات والتهنئة وكانت فرحتى لا توصف وقتها. • عظم المسئولية لكونها جامعة القاهرة واقع الحال بالجامعة كان صعباً فالجامعة كانت مخطوفة من قبل التيارات الدينية والنشاط الجامعى الطلابى متوقف إلا من نشاطهم الذى يتوغلون به أكثر بين جموع الطلاب هذا أكيد ومن هنا شعرت بعظم المسئولية وهى كيف أعيد الجامعة لطبيعتها ويسودها الأمن والاستقرار والروح الطيبة بين الأساتذة وبين الطلاب بعضهم البعض، فجامعة القاهرة هى النبراس والرائدة لكل الجامعات الأخرى فمسئوليتى أكبر من أى رئيس جامعة آخر. فركزت على أن تصبح الجامعة مركز إشعاع تنويريا.. وكان معى نواب عظام وهم د. فاروق إسماعيل ود.حسن إمام ود. على السلمى وكل منهم تولى ملفا مهما فى الجامعة بكل جهد اشتغل عليه وساعدونى فى أنى أركز فى مشروع الموسم الثقافى الذى بدأته بشكل فردى بدعوة شخصية معروفة أو مفكر فى ندوة ونقاش مفتوح بينه وبين الطلبة أو أتصل بالأوبرا ترسل لى بعض تذاكر أوزعها على الطلبة ليذهبوا للأوبرا ويشاهدوا عروضها وكذلك أتصل بوزير الثقافة أطلب منه تذاكر للمسارح القومية والحفلات الموسيقية وأوزعها على طلاب المدينة الجامعية لأنهم مغتربون ليخرجوا إلى العالم الآخر ويشاهدوا فنونا ترتقى بوجدانهم وعقولهم وهكذا والسنة التى تلتها توسعنا أكثر وأصبح هناك مسمى الموسم الثقافى وله خريطة من أول العام الدراسى وشامل الندوات الثقافية والفكرية والسياسية والحفلات الفنية موسيقية وغنائية وكانت المرة الأولى التى يدخل فيها سليم سحاب وفرقته لمسرح الجامعة وعادت المسرحيات والتمثيل. وكان موعدها ثابتا «الأربعاء» السادسة مساء من كل أسبوع وأعدت افتتاح مسرح الجامعة المغلق منذ سنوات. رغم أن بعض الأساتذه أنفسهم كانوا يعترضون على عودة الحياة للمسرح خوفا من طلاب التيار الدينى وكانوا يقولون لى (أنت كده بتستفزهم يادكتور) وكان هناك أساتذة يحرضون الطلاب ضدنا ولم أستمع لهذا وكان بعض الطلاب فى البداية يحاولون الحضور لإفساد الموسم ولكنى كنت حريصا على الجلوس فى أول صف ووأد أى محاولة لإظلام الجامعة مرة أخرى. • المدينة الجامعية.. التحدى الآخر المدينة الجامعية نتيجة إهمالها لفترات طويلة من كل النواحى كانت بؤرة لتفريغ العقول المتطرفة.. لاشك فى ذلك . وهذا الملف (المدينة الجامعية) كانت بداية الصدام بينى وبين وزارة التعليم العالى وقتها.. حيث كانوا يعتمدون منهجا واحدا فى التعامل مع الطلاب المتطرفين وهو التشدد بالفصل والحرمان من خدمة المدينة.. أنا رفضت وبدأت أتعامل بأسلوب آخر.. فالحكاية تتلخص فى 10 أو 20 طالبا هم القادة أو الزعماء الذين يقودون المظاهرات أو يجتذبون الطلاب إلى التظاهر.. بدأت أستدعى أولياء أمورهم فى مكتبى ويأتى الولد منهم وأشرح لوالده عواقب ما يفعله ابنه فكان الأب يهدد الابن (انا جايبك تتعلم وتتخرج عشان تشيل عنى ولا عشان تعمل لى فيها زعيم)، فالطالب يجد نفسه فى موقف لا يحسد عليه فى مكتب رئيس الجامعة وتهديد والده ومستقبله على المحك فعلى الفور يعد بالعدول عما يفعله ويعود لدراسته وأعتقد أن هذه الطريقة جاءت معى بنتيجة جيدة بنسبة 70% نجاحاً. وليس هذا فحسب كانت هناك حوارات مفتوحة مع الشباب وأذهب إلى المدينة لأرى أوضاعها وحاولنا تحسينها والارتقاء بخدماتها والتحقيق فى كل شكوى وإزالتها على الفور. • تدخل الأمن كثيرا ما كنت أستمع لاعتراضات الشباب وكانت توحى لى بفكرة لقاء أو ندوة يعنى مثلا لو معترضين على السياسة الزراعية أو الصناعية اتصل بالوزير المسئول وأدعوه للقاء مفتوح مع الشباب وهكذا دخل الجامعة مسئولون تنفيذيون ووزراء كثيرون ليردوا على استفسارات الشباب. • ورداً على سؤالى: هل معنى ذلك أن عصا الأمن الجامعى تراجعت أيامك؟ - قولا واحداً.. علاقتى بهم كانت طيبة ولكنى كثيرا ما اختلفت معهم فيما يطالبونى به لدرجة أنهم اشتكونى للرئيس وقتها وقابلنى فى لقاء وقالى يا مفيد الأمن بيشتكى منك ليه.. بس اعمل إللى أنت شايفه.. كنت أميل للاستماع والتحاور واستيعاب الشباب لكن دون إخلال بالقيم. • رؤية رجل القانون • أرى أن تخصص وطبيعة دراسة كل مسئول تفرق معه فى أسلوب إدارته ورؤيته للجامعة، فالمهندس غير الطبيب غير رجل القانون؟ ما رأيك فى هذا الكلام؟ - بالتأكيد بتفرق فى الرؤية وطريقة الإدارة، فالنظرة تكون أكثر شمولية للإصلاح فدراسة القانون لها تأثير كبير على شخصيتى فكان كل تعاملى مع الناس من منطلق القانون الحق والواجب وهو أجمل شيء فى الدنيا ودراسة القانون مميزة فى بلدنا لأن كل قوانينا مأخوذة أساسا من أوروبا من فرنسا وإيطاليا وكلها قوانين نشأت فى جو حريات. • إنجازات وإحباطات • ما الملفات التى تشعر أنك أنجزتها وتركت بصمتك فيها وأخرى العكس لم تحقق فيها المرجو منها؟ - أول الملفات التى فتحتها وأنجزنا فيها كإدارة للجامعة هى انفتاح الجامعة على المجتمع من خلال أنشطة عديدة منها القوافل ومحو الأمية والتوعية والتثقيف وحرصت على تشجيع كل عمليات خدمة البيئة.. وكذلك إتاحة الفرصة لشباب الجامعة للخروج إلى المؤسسات الأخرى فى البلد سواء الرياضية أو الثقافية. استضافة كبار الشخصيات فى الجامعة سواء من داخل مصر أو من خارجها فقد خطب جاك شيراك فى الشباب عام 96 فى قاعة الجامعة حينما جاء لافتتاح مستشفى قصر العينى الجديد الذى كان متوقفاً لسنوات طويلة قبل مجيئى للجامعة بسبب مشكلات مالية بين الحكومتين المصرية والفرنسية وتدخلت بحكم علاقتى بالفرنسيين وأنهيت المشكلة وافتتحه الرئيسان المصرى والفرنسى.. أيضا وضعنا كجامعة القاهرة البذرة الأولى لإنشاء مستشفى أورام الأطفال 57357 حينما جاءنى د. شريف أبوالنجا طالبا تنازل الجامعة عن أرض تابعة للجامعة فى السيدة زينب وبالفعل تنازلنا عنها لصالح المشروع. أيضا بدأنا التجديد فى مبانى الجامعة وإعادة تنظيم الحرم الذى اكتست مبانيه باللون الأسود والحرم كان أقرب إلى العشوائية وهنا تذكرت تجربة باريس عندما كانت مبانيها أقرب إلى السواد وديجول قرر تنظيفها فقط وليس تغييرها فعادت إلى رونقها مرة أخرى.. وطبقت نفس التجربة مع مبانى الكليات فتحولت بعملية تنظيف من السواد إلى البياض لونها الأصلى للحافظ عليها كتراث معمارى خاص وكان الدكتور فاروق إسماعيل هو المعنى بهذا الملف والحقيقة أنه أعاد للحرم بهاءه ورونقه بتنظيمه ورصفه وتشجيره وعمل طريق دائرى يسهل المرور والدخول والخروج. أيضا أنشأت جهاز تسعير الكتاب الجامعى لدعم الطالب وتخفيض سعر الكتاب وإصلاح ساعة الجامعة الشهيرة بعد توقفها لسنوات وعودتها للحياة مرة أخرى. أما أهم الإحباطات أو الملفات التى لم تحظ بالإنجاز وقتها هى حل القضية الأزلية بين الجودة والإتاحة الكم والكيف المعادلة الصعبة بين النهوض بالتعليم والحفاظ على مستواه دون حرمان لأحد من التعليم وكانت لى محاولات مع بعض الكليات النظرية التى تعتمد أغلبها على الحفظ والتلقين مثل الحقوق والتجارة والآداب. وذلك بإدخال جزء عملى فى الدراسة بعمل نماذج محاكاة للطلاب فمثلا طالب الحقوق يتخرج وهو لا يستطيع كتابة مذكرة ولا مرافعة ولا يعرف شيئا عن المحاكم.. لذلك أدخلنا برامج محاكاة لتدريبه لكنها للأسف لم تستمر. • كانت لى معارك وبحساسية شديدة يرفض الكلام عن معاركه مع وزير التعليم العالى وقتها فهو يرفض أن يتحدث عن شخص فى رحاب الله.. لكن إجمالا يقول: يخطئ من يظن أن سلطة وزارة التعليم العالى هى سلطة أعلى على الجامعة.. فأنا كرئيس جامعة كنت أدير من خلال مجلس جامعة نضع التوجهات العامة للكليات والكليات للأقسام وهكذا فأنا طبقت مبدأ استقلالية الجامعة عن الدولة ولم أسمح بالنيل من هذه الاستقلالية لا من الوزارة ولا غيرها.. وعندما أصبحت وزيرا للتعليم كنت أعرف جيدا حدود كل سلطة وحافظت على تلك المعادلة بين الوزارة والجامعات فالإدارة لا تكون إدارة ناجحة بالتعليمات فقط وإنما بالود والمحبة والعمل الجماعى. • الأقرب لى لاشك أن الأقرب لى هو د. فاروق إسماعيل ود. على عبدالرحمن فيمن جاءوا بعدى فكرا وتنظيما واشتغلنا مع بعض سنوات. • وماذا عن رجل القانون د. جابر نصار الرئيس الحالي؟ - الحقيقة تابعت بعض محاولاته الإصلاحية وأستطيع الإشادة بها.. لكن لا أستطيع الحكم عليه الآن أو تقييم تجربته بشكل كامل.•