«كل الفنون تسعى لكى تكون موسيقى، فالموسيقى وحى يعلو كل الحكم والفلسفات»، هكذا قال لى الموسيقار محمد الشيخ فى معرض حوارنا عن الموسيقى. الموسيقى هى لون من ألوان التعبير الإنسانى، فقد يتم التعبير فيها وبها عن خلجات القلب المتألم الحزين، وكذلك عن النفس المرحة المرتاحة، وفى الموسيقى قد يأتى المرء بشحنة من الانفعالات التى فيها ما فيها من الرموز التعبيرية المتناسقة.. فى «مقاطع» معزوفة يحس بها مرهفُ الحس أو من كان «ذوّاقة» ينفعل ويتفاعل سماعياً، وجدانيا وفكريا، يحس بها إحساسا عميقاً وينفعل به انفعالا متجاوبا، مثله مثل أى من الكائنات الحية، فالموسيقى وبخاصة الراقية منها والروحانية تساهمُ فى علو الروح. على غير العادة فى حواراتى الصحفية التى تعودت أن أجريها داخل المجلة، أو فى الاستوديو الخاص بأحدهم، حيث طلب منى الموسيقار محمد الشيخ أن نجرى الحوار من داخل المعهد العالى للفنون المسرحية، نظراً لانشغاله بالتدريس والطلبة، فهو لا يزال يحمل رسالته ويحرص على أن تصل لأكبر قدر ممكن من الطلبة والطالبات، واستأذنته فى بعض من وقته لإجراء هذا الحوار: • أنت الآن الموسيقار الكبير والدكتور محمد الشيخ.. فكيف كانت البداية؟ أعشق الموسيقى منذ نعومة أظافرى، وأطرب للأصوات الجميلة، وما لبثت أن أنهيت المرحلة الثانوية حتى ذهبت لأختبر فى معهد الموسيقى العربية، ويوم اختبارى فى قسم الأصوات بالمعهد العالى للموسيقى العربية، كانت النتيجة ثلاثاً وثمانين فى المائة ولكن إدارة المعهد اختارت من هم من بعد التسعين أو لديهم وساطات كبيرة، بدأت الدراسة ولم أفقد الأمل، ثلاثة أشهر سعيا وراء واسطة، آخرها من الأستاذ راجى عنايت ب«روزاليوسف» الذى أرسلنى للفنان الكبير صلاح جاهين، وتوجهت إليه حيث كان يحاضر فى الدور الثالث فى مسرح العرائس، وأدخلوا له «كارت الواسطة» خرج ونظر إليّ واهتزت كل أركانى لحظة النظر إليه، وقال: ربنا يسهل ومضى، وكنت لا أدرى أن الأقدار ستزيحنى مرة أخرى إليه، بعد سنين عندما صرت ملحنا معروفا ومن أحد أصدقائه وتلاميذه، وقد لحنت له عددا كبيرا من أعماله من أهمها على اسم مصر من أهم أعمال الكتاب المسموع وبعض الفوازير، وستة أعمال لفرقة المصريين بخلاف أعمال أخرى. مرت أيام، وتوسطت لى عضوة الاتحاد الاشتراكى فى هذا الوقت «زينب جوهر»، وقُبلت للدراسة فى المعهد بعد مرور ثلاثة أشهر من الدراسة، وبعد مقابلة للعميد كان ملخصها «أصابع يديك غليظة، أدخلوه تخصص لدراسة آلة التشيللو»، لم أع ما قال ولكن الفرحة تغمرنى لمجرد قبولى بالمعهد، ومما لاشك فيه أنى أهملت آلة التشيلو تماما، ودرست العود على أيدى كبار الأساتذة بالمعهد بشكل ودى، بجانب المواظبة على حضور محاضرات قسم التأليف الموسيقى الذى كان يشرف عليه المايسترو السيسى، والمايسترو عزيز الشوان اللذان كان لهما فضل عليّ كبير. وفى أثناء دراستى فى السنة الثانية تقدمت للإذاعة المصرية كملحن، واللجنة كانت تتضمن أسماء كبيرة فى عالم الفن، منها مدحت عاصم، عبدالحليم نويرة، رفعت جرانة، عبدالحميد عبدالرحمن..إلخ، رفض الأستاذ نويرة مجرد السماح بامتحانى بحجة «لما تخلص دراسة المعهد»، وكان الإصرار يملأنى كى أواظب على الذهاب للإذاعة ذلك المشوار الذى يمثل الحلم كله، ماشيا على قدماى ذهابا وإيابا من المعهد فى الإسعاف مروراً بشارع 26 يوليو إلى شارع خلف التليفزيون، تنعكس منه كل ما يمت بصلة إلى العالم الشعبى والفئات غير القادرة، وأصبح هذا الشارع فيما بعد جزءا من مشوارى نحو بلوغ الأمل لسنين طويلة. • الأوبرا والإذاعة • كنت شاهداً على عصر إنتاج الغناء منذ السبعينيات وحتى الآن.. حدثنا عن الغناء فى كل مرحلة؟ كان هناك شركات ناطحت بعقولها سحاب الفن لجيلين كاملين، وغيرت أذواق الغناء العربى ومقاييس الصيغ اللحنية فى الستين سنة السابقة، وأهمها شركة صوت القاهرة التى كان يملكها الفنان محمد فوزى وآلت إلى تأميمات الدولة فيما بعد1956 وأهم ما فى هذه الشركة أنها حافظت على تراث أم كلثوم وما خلفها من مؤلفين وملحنين، ثم شركة صوت الفن محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ، ومجدى العمروسى، التى قدمت كل إنتاج عبدالوهاب وعبدالحليم ومعظم ألحان الفرسان الثلاثة ظاهرة وعبقرية الثلاثين عاما السابقة الموجى والطويل وبليغ. وللأسف الشديد انهارت هاتان الشركتان العملاقتان انهيارا مدويا على المستوى الإنتاجى، وحلت عديد من الشركات الأخرى التى تسلقت الجذور والفروع، وسَبحَت عكس التيار مستخدمة كل السبل غير الفنية واستحدثت فنانين قاصرى الفكر، استوردوا بعض الفنون الأوربية والعربية وبنوا عليها أفكارهم إلى أعمالهم حتى طُمست الشخصية المصرية والعربية فى معظم مناحى الحياة الغنائية إلا القلة القليلة ولولا القنوات الشرعية مثل الإذاعة والأوبرا لضاعت هذه المعالم، وقد أقحمتهم للحياة الفنية فى معترك الفن تلبية لفرض ما وراء الحروب من متغيرات، مؤكدة على كل المستويات الفكرية، ضمن إطار الحرب الباردة على المنطقة بداية من أم الدنيا. والمقصود بهذا هو عرض المتناقضين، وكشف الأسرار المهمة فى هذا المعترك المهم الذى يعتبر تأريخا حيًا لعملية البناء والهدم، وكيف قامت هامات الشركتين الكبيرتين، وكيف تسربت باقى الشركات التى كانت بداية لهبوط الخط البيانى الإنتاجى إلى الحضيض، حتى بيعت كل شركات مصر بما فيها الكبار والمتسلقين، حيث تم تأميم شركة فوزى وأثر ذلك على محمد فوزى، ومستقبل الشركة فيما بعد، وما جرى عليها من تعديلات أثرت فى تاريخ الإنتاج الفنى على مدى عشرين عاما، وكذلك أثر قياداتها على الإنتاج الفنى ومدى الحفاظ على تراثها الفنى. وأيضاً موجز تاريخ شركة صوت الفن وأصل اسمها وملكيتها، وكيف أصبحت بالاسم الجديد مع ملاكها الجدد، ومشوارها المتميز من منتصف الخمسينيات وإنتاج عبدالوهاب المتميز لمعظم النجوم، وانضمام إنتاج عبدالحليم حافظ ومؤلفيه وملحنيه كسبب من أهم الأسباب لإثراء الفن الغنائى فى العالم العربى ومصر، حتى وفاة عبدالحليم، ويأتى دور محمد عبدالوهاب ومجدى العمروسى فى مقاومة الهجمات الشرسة من الشركات التى لا ينتمى أصحابها للفكر الفنى، حتى وفاة عبدالوهاب ثم وفاة مجدى العمروسى وكيف انهار الصرح الكبير جدا. • صفحة الذكريات • وماذا عن حياتك مع أهل الفن ومبدعى جيلك؟ بعد فراق ورحيل الكثير منهم قررت أن أطوى صفحات كثيرة زاخمة بالذكريات والصور، لشخصيات فنية غنائية، تعتبر من رموز الفن اليوم وهى تبدأ مشوارها تحت مظلة كل من «فؤاد حداد، وصلاح جاهين، وسيد حجاب والأبنودى، وعلى وجه الخصوص كل من عبدالرحيم منصور وأحمد منيب ويحيى خليل» وأنا فى الحياة الفنية، حيث أثروا على فن على الحجار ومحمد الحلو وعمرو دياب ومحمد منير وعمر فتحى وكتكوت الأمير وغيرهم الكثير والكثير أسماء لا تعد ولا تحصى، وفى كيان ومصير فرقة المصريين. ولما مر الزمن وتضخمت الأسماء، وزادت النرجسية، سعى معظم هؤلاء الفنانين لتتويج مشوارهم الفنى بتصوير مشوار حياتهم، وللأسف تنكروا جميعا من ذكر اسم أحد بالرغم من أن الفنانين الذين أنكروا اسماءهم مازالت أعمالهم تتداول بين الناس ومازالت الذاكرة الحديثة تسجل معظم هذه الأعمال مثل اليوتيوب، والفنانون لا يذكرون أحداً بشيء سوى أنفسهم سواء فى الإعلام المكتوب أو المرئى أو المسموع. وأنا مع مرور الزمن استطعت أن أتغلب على أوجاع النكران المؤلمة من كل هؤلاء، وأسافر داخل الزمن كى أقرأ سطورا من حياتى الفنية والإنسانية معهم، ثم أعود للزمن الحالى، وأضع الحقائق أمام الناس لتسجل، ربما أسمع كلمة شكر أو عرفان، أو يسددوا ما عليهم ولو بالعرفان، لأنى والحمد الله منذ خمسة عشر عاما وأنا أستاذ جامعى. والسؤال الذى يطرح نفسه تكلمت الآن وصمت كل هذه الفترة وذلك بسبب حصولى على دكتوراة فى فلسفة الفنون قسم المسرح، وأعمالى فى عالم الغناء التى سجلها التاريخ الحديث والإليكترونى مثل اليوتيوب وغيره، فربما أحسست أنى لم أفقد الكثير، بخلاف أننى أملك موقعاً إليكترونياً وضعت فيه كل ما قدمته من أعمال علمية وفنية وطرحت فيه الحقائق الفنية والعلمية وهو متصل بالفيس بوك وتويتر وغيره، وأخيراً وددت أن أتحدث وأخرج ما فى جعبتى، على مشارف الثمانينات، بعد أن قَطعت شوطا كبيرا فى مجال التأليف الموسيقى والألحان فى مجالات عديدة كالإذاعة والتليفزيون والمسرح والسينما، حيث قدمت ألحانا مختلفة لمعظم جيل الكبار، وفى هذا التوقيت قدمت الألحان الأولى لكل من «على الحجار، ومحمد الحلو، ومحمد منير، وسوزان عطية»، تزامن مع هذا التوقيت أن شركة صوت الحب - عاطف منتصر- قد استنفدت قوتها فى الإنتاج لأحمد عدوية، وأرادت الشركة تقديم فريق غنائى معاصر سمى فيما بعد «بفرقة المصريين» واختار مؤلفوها وملحنوها وهم محمد الشيخ وهانى شنودة ومصطفى على إسماعيل، وانتهى الأمر بهانى شنودة ومحمد الشيخ، وأعلنت الشركة عن استقبال أصوات جديدة تقدمها للفرقة، وعُقدت جلسة استماع مكونة من الشاعر عمر بطيشة وعاطف منتصر وأنا وهانى شنودة، وهنا تقدم المطرب الشاب «محمد هندى» الذى اشتهر باسم عمر فتحى الذى اختار اسم عمر من عمر بطيشة وفتحى من المخرج فتحى عبدالستار لفضلهما عليه. وقد استرعى انتباهى صوت عمر فتحى لانفراده بنوعية من الصوت لها خصوصية فهو صوت بسيط يصل للقلب يؤدى جميع أنواع الغناء بحرفية وموهبة فطرية، وبالرغم من عدم دراسته للموسيقى فى معاهد أكاديمية، فكان مؤهلا ليكون له فى المستقبل مدرسة فى الأداء تميزه، ويذكرك بانفراده فى نوعية صوته بنوعيات صوتية مصرية كان لها رنين معين وشكل ومذاق معين مثل تفرد صوت عبدالغنى السيد وكارم محمود وعبدالعزيز محمود والبليدى ونازج، وقد وافقنا جميعا عليه ليصبح المغنى الأول فى الفرقة ومنذ ذلك اليوم توطدت علاقتى به، بل صداقتى بعمر فتحى، هذا اليوم كنا عند مصطفى على إسماعيل فى منزل والده بالدقى وخرجنا من عنده بعد منتصف الليل وظللنا نمشى على الكورنيش حتى وصلنا للزمالك ومنه إلى أبو العلا ثم باب الحديد «ميدان رمسيس حاليا»، وفى هذا المشوار الكبير حكى ليَّ عمر فتحى عن أسرته وكيف تربى ومسئوليته نحو تربية إخوته وإرضاء أمه، وطموحه للوصول إلى الشهرة فقط ليحقق آمال إخوته ويزوجهم، وكذلك حدثته أنا عن عصاميتى وإصرارى على الوصول وها أنا قد حققت أول الطريق إلى الشهرة فى عالم التلحين، من خلال أصوات شابة آمنت بهم، ولتعاطف كل منا مع الآخر صارت صداقة مُؤسسة على ناتج حقيقى مقنع، بعد ذلك بأيام استدعتنا الشركة أنا وعمر فتحى، وقدم لى عمر بطيشة كلمات «فى يوم 8 ديسمبر» ولم يتوقع عاطف منتصر أنها ستنول إعجابى، وذلك لبناء نظمها كأغنية لها مواصفات خاصة بعيدة كل البُعد عن نصوص الأغانى الحالية، وفى نفس اليوم وعدت أننى سوف أختفى مع عمر فتحى لمدة ثلاث ساعات ربما أعود باللحن، ولما كنت قد اقتنيت سيارة قديمة فولكس واجن، سرعان ما ركبناها أنا وعمر ووصلت منزلى الشهير فى الوسط الفنى فى شبرا، وبمجرد دخولى جلست على البيانو، وكانت المفاجأة بعد ساعة انتهيت من اللحن بشكله المعروف وسجلنا على الكاسيت اللحن بصوت عمر فتحى، وتوجهنا فى الحال إلى عاطف منتصر الذى استمع وهلل لجمال اللحن والأداء وكانت هذه هى بداية عمر فتحى فى لحنه الأول وميلاد جديد له بعد أن سجله فى الاستوديو، ومن الملاحظ أن اللحن مفصل على صوته وإمكانياته المستقبلية فى الغناء العاطفى. ونزل الشريط الأول لفرقة المصريين باسم بحبك لا التى غناها عمر فتحى لهانى شنودة وكانت باسم الشريط الذى يتضمن ألحانا كثيرة لى أنا شخصيا من بينها أغانى «فى يوم 8 ديسمبر، وماما ستو، وياللا افرجها بلاش تعقيد» وحازت 8 ديسمبر بصوت عمر فتحى على درجة عالية من النجاح، وانهالت العروض الفنية على عمر فتحى من كل اتجاه فى السينما ومع فرقة رضا التى أحدث فيها ضجة بانتمائه إليها، وتعاقد على فيلم إنتاج محمود ياسين وقد قمت بعمل الموسيقى ولحن أيام فيه، هذا اللحن الذى انعكس منه الجانب التراجيدى فى صوت عمر فتحى، فبالرغم من خفة ظل أدائه وكمية البهجة التى يدخلها إلى قلبك من جراء غنائه وحركته كان بداخله عالم كبير من التراجيديا الإنسانية، ظهرت جليا مع أغنية فى يوم 8 ديسمبر وأغنية أيام، وأغنية غروب للشاعر عبدالرحيم منصور. • خلاف حاد وبعد إتمام الشريط الثانى للمصريين، اختلف كل من عمر فتحى وعاطف منتصر، وكان خلافا حادا، حدث من جرائه أسى شديد لصديقى عمر، مما اضطرنى إلى أخذ موقف من الشركة والفرقة وانسحبنا أنا وعمر فتحى. كنا فى الشتاء وكنا نتجول فى وسط البلد، وتقابلنا بالمصادفة مع المرحوم سعيد عبدالله أكبر موزعى الكاسيت فى هذا الوقت ومعه صديقاه محمد النجار، وهاشم، واتفقنا سويا على أن يقوم الثلاثة بإشهار شركة لإنتاج الكاسيت سموها شركة «الشرق وعبدالله» لتنتج أول كاسيت لهم لعمر فتحى، ومن هنا سعيت بكل جهدى بالاتصال بكبار الشعراء المصريين كى أحشد اثنتى عشرة أغنية متنوعة ألحنها ليغنيها عمر فتحى وكان هؤلاء الشعراء هم «صلاح جاهين - عبدالرحيم منصور - مجدى نجيب - صلاح فايز - مرسى السيد - سمير محبوب -عنتر هلال» فى الواقع قمت بتلحين الألبوم كله فى وجود عمر فتحى أمامى، فيغنى معى أولا بأول كل ما أقوم بتلحينه، وقد تم تلحين الشريط فى أماكن مختلفة على مدى شهور، منها منزله الأصلى الذى كان يقطن فيه مع أهله، أو فى منزلى بشبرا، أو فى معظم الوقت داخل سيارتى الأمريكانى التى اشتريتها من المرحومة فايزة أحمد، ومن طرائف العمل فى هذه السيارة أن عمر فتحى فى هذه الفترة دخل الجيش وكان يأتى معى معظم وقته لكى نكمل العمل فى السيارة بملابس الجيش، وعندما يحُل علينا التعب أنام على الكنبة الأمامية وينام هو على الكنبة الخلفية، وقد عانينا كثيرا وكثيرا فى عمل البروفات مع مجموعة من أعظم عازفى الجاز فى مصر، فكنا نعمل بروفات فى جراج ومرة فى نادى. وجاء على هذا أول شريط فى حياة عمر فتحى باسم «على قلبى» يتضمن 12أغنية ذات طراز شبابى جديد فى هذه الفترة من حيث اللحن والتوزيع الموسيقى المتقدم وموضوعات الكلمات الجديدة تماما، ولحنت الأغانى بأسلوب يتفق مع مناطق صوتية محددة فى صوته، بعيدا عن الأغنية التقليدية أو الشعبية التى كانت منتشرة، ونزل الشريط 1981 وكانت مبيعاته تفوق 2 مليون نسخة فى موسم صيف هذا العام وكان العائد المادى من هذا الألبوم أنه فتح شركتين كبيرتين هما عبدالله والشرق للإنتاج الفنى، وتأتى المفاجأة الكبرى التى صدمتنى كثيراً، وهى أن الشركة المنتجة تجاهلت اسمى فى عشرات الإعلانات التليفزيونية والإعلامية التى كانت تنشرها واهتمت بوضع اسم الشركة فقط لتشهر نفسها ضمن العمل، وأحزننى أن صديقى عمر لم يحاول إصلاح ذلك أو تدارك هذا الخطأ، فيجبرهم على إصلاحه، وأتذكر أنى فى هذه الأيام التى كان الألبوم يذاع فى كل محلات البلد تقريبا ليل نهار، كنت أتجول وأكاد أبكى على مجهودى الكبير الذى حرمونى منه بالمشاركة فى هذا النجاح. بعدها انتبه عمر إلى العمل ليل نهار فى كل مناحى الفن وأصبح مطلوبا فى كل مكان بداية من الأفراح وصولاً إلى المحلات الليلية ثم الكاسيت والسينما، وأصبح وقته لا يتسع لتلبية كل الكم الذى ينتظره، ظلت الشركة تحتكر كلمة على قلبى كتميمة يتفاءلون بها، وأنتجت العديد من الألبومات التى تبدأ بكلمة على قلبى، آملين فى نجاحه كالألبوم الأول، وبعد مُضى عدة سنوات أنتجت الشركة أكثر من خمسة ألبومات تبدأ باسم على قلبى كلها نجحت من أجل صوت عمر فتحى ولكنها لم تقدم جديدا فى عالم الغناء عما هو موجود، وبدأ كل منا يصعد فى تخصصه أنا كموسيقار أعمل فى شتى اتجاهاتى وعمر يتقدم فى فنه ولكننا نتقابل ويطمئن كل منا على الآخر ولا نفكر فى أعمال فنية للكاسيت، حيث أن عمر اختار الطريق الغنائى المشاع السهل يتكئ فيه على الألحان الشعبية التى تساهم فى انتشاره فى كل المجالات وهذا ليس يعيبه فى شيء إلى أن أتى يوم اللقاء الأخير:- فبعد غياب سنين، حدثنى عمر قبل الفجر بساعات تليفونيا وطلب منى بإلحاح الذهاب إليه فى منزله فى المهندسين، وبعد إلحاح وافقت وذهبت، وكان استقبالا يحمل كثيرا من الحميمية والوحشة، جلسنا، حيث قال: سأحدثك عن سِرْ لا تعرفه طوال هذه السنين التى لم نجتمع فيها، وبدأ يحكى وعيناه تُغرر بالدموع، وقال أنا أؤمن جدا بالطريقة التى قدمتنى فيها فى ألبوم على قلبى، ولكنى اضطررت أن أجارى السوق بأعمال تجارية تجلب لى عملا دائما كنت أحتاج أن أعمله ليعيد عليّ مكاسب تجعلنى أساعد أخوتى على الزواج وأكمل لنفسى مشوار حياة أحلم بها، والآن وبعد توفيقى من الله بتحقيق أمنياتى على المستوى المادى والحمد الله، انتبهت أنى أريد أن أقدم فنا غنائيا على مستوى معين فأنا أعتز بك وبفؤاد عبدالمجيد، فلنبدأ بعمل الألبوم الثانى، ثم زادت دموعه وقال إن هناك سببا آخر أود أن تعرفه كصديق عُمْر وهو أننى عرفت فى منتصف طريقى أننى مصاب بعيب خلقى فى القلب وقد نبهنى الدكاترة ألا أعمل كثيرا وبالرغم من ذلك كنت أعمل ليل نهار للوصول إلى هدفى الاجتماعى والفنى المطلوب على الأقل هذه الفترة، وفى هذا الجو المهيب، ضحك وقال لى «مش عاوز تاكل»، وقمنا ممتلئين بالحزن وذهبنا للمطبخ نعد وجبة مكونة من بيض على الطريقة الفلاحى، وبعد الأكل قال: سمعنى جديدا لنبدأ به الشريط القادم، فأسمعته لحنا حزينا إلى حد ما من كلمات المرحوم رضا أمين يقول «كنا فى المغارب، كانت ليلة غريبة، كان الفرح غايب والدموع قريبة، فى شيء غالى ضاع ، قولنا ياعنينا متخبيش علينا، ابكى وريحينا فيه غالى ضاع» وفوجئت بعد انتهاء اللحن بدموع غزيرة من عمر وأصر على أنه يأخذ هذا اللحن كأول لحن فى الألبوم الذى يعتزم عمله معى.. واتفقنا على مُهلة أسبوع لنحجز فيها الاستوديو ونسجل أول عمل فى الألبوم، وقبل أن يكتمل الأسبوع جاءنى تليفون من مؤلف الأغنية رضا أمين، أن عمر فتحى توفاه الله، ومن المفاجأة لم أستطع الرد، وظل الحزن يسيطر عليّ أياما كثيرة، داعيا الله أن يرحمه ويحسن إليه ويسكنه فسيح جناته، فقد ترك بداخلى ذكريات وتفاصيل كثيرة. • مناصب وجوائز تقلد الموسيقار محمد الشيخ العديد من المناصب منها: ملحنًا بالإذاعة المصرية 1969 وملحنا ومؤلفا موسيقيًا بالتليفزيون منذ عام 1975ومؤلفًا موسيقيًا وموزعا بالإذاعة والتلفزيون منذ عام 1984م، وعضو مؤتمر الموسيقى العربية منذ عام 1994 حتى اليوم وله أبحاث عديدة فى مجالات مختلفة، ومستشار إدارة الموسيقات العسكرية المصرية، وعضو لجان الاستماع والتحكيم بالأوبرا المصرية، وعضو جمعية المؤلفين والملحنين بباريس CCM من عام 1970م، وعضو نقابة الموسيقيين، والممثلين.. وتولى أيضاً منصب رئاسة عديد من لجان تحكيم للجامعات والثقافة الجماهيرية. كما حاز على خمس شهادات تقدير فى عيد الإعلاميين عن أعماله التليفزيونية، وأعماله الأخرى فى الأعوام التالية:- عن تأليف الألحان والموسيقى التصويرية عن فوازير عمو فؤاد من التلفزيون عام 1983م، عن تأليف الموسيقى والألحان للفوازير إخراج فهمى عبدالحميد عام 1985م، وعن تأليف الموسيقى والألحان لفوازير عمو فؤاد للمرة الثانية عام 1990م، وأخرى عن التأليف الموسيقى لمسلسل بلاغ للنائب العام إخراج حسن سيف الدين 1991م، والخامسة عن التأليف الموسيقى لمسرحية فلاش إخراج أشرف النعمانى عام 1994م. كما أحدث تغييرا فى الموسيقى التصويرية للمسرح والأغانى المسرحية وله أعمال عديدة بالمسرح تشهد له بذلك منها ولكننا سنذكر أهمها: - مسرحية فيدرا: تأليف جان راسين إخراج جان بير لاروى بطولة: سميحة أيوب، عبدالله غيث أمينة رزق، وآخرين، على المسرح القومى السبعينيات. - مسرحية بداية ونهاية تأليف: نجيب محفوظ إخراج فتحى الحكيم على المسرح القومى السبعينيات. - مسرحية عالم على بابا تأليف : نبيل بدران إخراج سعد أردش بطولة صلاح قابيل وآخرين على مسرح الجمهورية الثمانينيات. - مسرحية منين أجيب ناس نجيب سرور، وقد تضمنت حوالى 24 لحنا إخراج مراد منير بطولة محسنة توفيق ، على الحجار على مسرح السلام 1986. - ثلاث مسرحيات لصلاح عبدالصبور تأليف: صلاح عبدالصبور فى يوم المسرح العالمى سعد أردش بطولة: نبيل الحلفاوى، محمد وفيق، سوسن بدر أحمد زكى، عبدالرحمن أبو زهرة وآخرين على المسرح القومى التسعينيات. - إعادة قراءة لمسرحية منين أجيب ناس تأليف: نجيب سرور إخراج مراد منير بطولة على الحجار على مسرح الهناجر عام 2003. والكثير من الأعمال السينمائية والدينية وأغانى الأطفال، كما أنه ساهم فى بدايات العديد من المطربين المشهورين والمتميزين على الساحة الغنائية وهذا ما سنتناوله فى الحلقات القادمة... إلى اللقاء فى الحلقة القادمة مع الموسيقار والمبدع محمد الشيخ.. فانتظرونا. •