لم يكن حفل إعلان ترشح السفيرة مشيرة خطاب، الذى أقيم مؤخرًا فى حديقة المتحف المصرى سوى فاصل جديد فى سلسلة إنجازات الدبلوماسية المصرية التى استطاعت استعادة حيويتها فيما بعد ثورتى «25- 30». البداية كانت عودة مصر إلى الاتحاد الأفريقى، وتبعته بالحصول على مقعد بمجلس الأمن. وها هى اليوم تحصد على مدار عامين نتيجة العمل فى ملف مرشح مصر كمدير عام لمنظمة اليونيسكو، وعلى الرغم من كون المعركة لم تبدأ بعد فإن حصول السفيرة مشيرة خطاب مرشحة مصر على لقب «مرشحة القارة الأفريقية» يعتبر انجازاً كبيرًا فى بداية الحملة التى ستظل 6 أشهر، حيث ستبدأ الانتخابات مع بداية عام 2017، وهذا تتويج لعمل الدبلوماسية المصرية على مدى عامين، حيث قامت وزارة الخارجية بالتنسيق مع الوزارات الأخرى المعنية بشئون اليونيسكو من خلال لجنة لاختيار أفضل الوجوه المصرية ذات القبول العالمى التى يمكن معها تحقيق هدف حصول مصر على رئاسة اليونيسكو، وهو الحُلم القديم الذى ظل فى أذهان المصريين منذ «إخفاق» وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى فى الحصول على المنصب أمام منافسته «إيلينا بكوفا» الرئيسة الحالية للمنظمة التى تنتهى ولايتها مع نهاية هذا العام. غير أن كواليس المرحلة السابقة ثرية التفاصيل، تنبئ عن إدارة لحملة منظمة إلى الآن!! وأتوقف عند كيفية الاختيار المصرى والجهد المبذول والتنافس الشريف والروح الطيبة من قبل الأسماء المرشحة، وسنذكر أهم ثلاثة أسماء دارت بينهم المنافسة. حيث إن الترشح المصرى لرئاسة اليونيسكو كان من أولويات القضايا على أجندة المؤسسة الرئاسية والخارجية المصرية منذ نهاية عام 2014 وقد برز وقتها اسم الدكتور إسماعيل سراج الدين المدير الحالى لمكتبة الإسكندرية منذ نشأتها والمعروف بالكفاءة العلمية الدولية، والذى ستنتهى رئاسته للمكتبة مع نهاية العام الحالى أيضًا. وهو عضو بالعديد من الهيئات الدولية المهمة. وظل اسمه يتردد كمرشح مصر لليونسكو لمدة عام كامل، غير أن انقسام المثقفين المصريين ما بين التأييد الشديد أو الرفض التام من بعضهم بسبب انتسابه الخاطئ لنظام مبارك رغم استقلاليته فى إدارة المكتبة الذى اتضح فيما بعد. والشخصية الثانية هى الدكتور محمد سامح عمرو وهو مندوبنا الدائم فى اليونيسكو والذى استطاع إثبات كفاءته من خلال حصوله على رئاسة المجلس التنفيذى لليونسكو عبر تجربة انتخابية. والشخصية الثالثة هى السفيرة والوزيرة السابقة للصحة والسكان «مشيرة خطاب» والمعروفة بإنجازاتها فى قضايا «التعليم، محو الأمية، حقوق الإنسان، مكافحة التمييز، الطفولة، الزواج المبكر»، وقد انتهت اللجنة التى أنشئت من ممثلى الوزارات المعنية إلى اختيار السفيرة مشيرة خطاب خاصة أنها تعبر عن المرأة المصرية التى كان لها دور فعال فى الثورة المصرية. وعلى جانب آخر كان الملف يمثل أولوية لمؤسسة الرئاسة وتم الاهتمام به على مستوى دولى ومعرفة مدى فرص مصر لفوز مرشحها من خلال طرحه على الدول الصديقة وقد نشرت الصحافة الدولية أن الملف احتل مكانًا فى مباحثات لقاء الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى والرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند عند زيارته لمصر ضمن قضايا أخرى. كما استطاع الرئيس السيسى الحصول على موافقة قادة الاتحاد الأفريقى للمرشح المصرى وإعلانهم فى نهاية القمة الأفريقية الأخيرة ترشحه باسم القارة. أما على الجانب العربى فإن الأمر بات شائكًا، حيث أصبح التنافس بين مرشحى الدول العربية على أشده. وقد بدأ أولاً بين قطر ومصر، حيث أثار جدلاً ولغطًا فى الصحافة العربية عامة والخليجية خاصة. حيث استبقت دولة قطر مبكرًا جدًا للإعلان عن مرشحها وهو وزير الثقافة القطرى السابق ومستشار الأمير الحالى للشئون الثقافية «حمد الكوارى» وقد كان سفيرًا فى فرنسا والولايات المتحدة وممثلاً أيضًا لبلاده فى اليونسكو. وقد أشيع بأن قطر أعلنت عن مرشحها مبكرًا وقبل القمة العربية لمساومة مصر على المنصب بحيث توافق على المرشح المصرى للجامعة العربية فى حال وافقت مصر على «الكوارى» لمنصب اليونيسكو. وظل هذا الاعتقاد سائدا فى الأوساط الدبلوماسية العربية لحين أعلنت مصر عن ترشيحها للسفيرة مشيرة خطاب. غير أن التحدى الحقيقى أمام مصر الآن وعلى الرغم من التعاطف الدولى لفوز مصر بالمنصب طبقًا لاستطلاعات الرأى التى قامت بها اللجنة الاستشارية والإنجاز الأفريقى، لكن يظل الانقسام العربى والتنافسى يشكل خطرًا كبيرًا حيث يظهر على الساحة العربية أربعة مرشحين وهو ما ينبئ بخسارة الجميع. وكانت محاولات سابقة لإيجاد حل للاجتماع على مرشح واحد قد باءت بالفشل، والمطلوب اليوم أن تتكاتف جهود الجامعة العربية للإجماع حول مرشح واحد. خاصة أن جميعهم شخصيات تحظى بالثقل الدولى. وبجانب المرشح القطرى، هناك مرشح اليمن الدبلوماسى «أحمد الصياد» وقد ظل ثلاثة عقود يعمل فى منظمة اليونسكو ممثلاً لبلده تارة ومساعدًا لمدير عام اليونسكو تارة أخرى وهو بذلك يعرف دهاليز المنظمة. كذلك المرشح اللبنانى غسان سلامة وزير الثقافة السابق والدبلوماسى بالأمم المتحدة. والرابع هو المرشح المصرى «السفيرة مشيرة خطاب» الحاصلة على لقب مرشحة القارة السمراء. • الحذر مطلوب ويجب على مصر الحذر والاستعداد جيدًا لأن الصراع لم يبدأ بعد فلم يتم ترشح أحد من الأسماء من أوروبا أو أسيا بعيدًا عن الدول العربية، ويجب التعلم من أخطاء الماضى وأقصد بذلك تجربة وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى الذى كان قد قارب على الفوز وليس صحيحًا أن مصر حصلت على صفر، حيث حصل حسنى على 27 صوتا مقابل 31 صوتًا ل«إيلينا بكوفا» أى بفارق 4 أصوات فقط والأسباب كانت كما استعرضتها الصحافة الأجنبية طبقًا لتحليل الحقوقى «مجدى خليل» المقيم بأمريكا. أولها أنه كان أى «فاروق حسنى» محسوبا على نظام حسنى مبارك الذى ينظر إليه المثقفون الغربيون على أنه غير ديمقراطى ويمنع الانتخابات الحرة، وثانيها الخوف من تكرار تجربة «التكتل العربى الإسلامى» على نمط ما حدث فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، وهذا السبب حركته إسرائيل بشكل خاص، غير أن بعض الدول العربية وقعت فى «الفخ» حيث كانت تحرك العالم لإدانة العنصرية الإسرائيلية وترفض الاعتراف بالانتهاكات العنصرية داخل دولها خاصة ضد المرأة والطائفية وهو ما أثار تخوف المجتمع الغربى من التلاعب بقوانين المنظمات، وخافوا من حدوث ذلك فى اليونيسكو. كذلك الاتهامات التى طالت فاروق حسنى نفسه، سواء إعلانه بحرق أى كتاب إسرائيلى فى مصر أو ما أثير حوله فى الصحافة الإيطالية لتستره على مختطفى الباخرة «اكيلى لاورو فى أكتوبر 1985»، وقتما كان فاروق يشغل مدير الأكاديمية المصرية بروما. ولذلك اعتبروه ضد ثقافة السلام وأنه فقط موظف لدى نظام مبارك. • معركة المرحلة القادمة ويظل السؤال كيف سنتعامل فى المرحلة القادمة. أولاً على المجلس الاستشارى الذى تكون من صفوة العقول المصرية وعلى رأسهم الدكتور إسماعيل سراج الدين، الدكتور جابر عصفور وغيرهما كثيرون ورغم أن غالبيتهم غابوا عن احتفال التحرير، إلا أن دورهم لمساندة السفيرة مشيرة خطاب مشهود لهم، ولكن المهمة الأساسية أمامهم الآن هو الوصول للإجماع العربى على المرشح المصرى وإلا سنخسر جميعًا. كما أن هناك وجوها لها ثقل دولى وثقافى غابت عن الحفل ولا نعرف لماذا؟! وعلينا بحشد أكبر عدد من الرموز الثقافية العربية والدولية بجانب المرشح المصرى وربما يكون من المفيد الإعلان عن حملة دبلوماسية شعبية تقودها شخصيات بارزة بالمجتمع المصرى والعربى لها ثقل دولى وتتجه الحملة لمثقفى المهجر المصريين والعرب، ومن الأسماء المهمة التى يجب أن تقود تلك الحملة السيد عمرو موسى الأمين السابق لجامعة الدول العربية ورئيس لجنة الخمسين للدستور المصرى الحالى «دستور الثورة» وما له من ثقل عربى ودولى. ورجل الأعمال نجيب ساويرس داعى الثقافة والفنون للشباب، ورجال الأعمال محمد الصاوى والذى يقف خلف «المؤسسة الشعبية للثقافة» ساقية الصاوى وغيرهم كثر. هم رمز للتنوع الثقافى والأيديولوجى فى مصر ورغم التباين الواضح للوهلة الأولى للهوية الثقافية للأسماء الثلاثة إلا أنه مقصود أن يعبروا عن التنوع والزخم الثقافى المصرى، بل إن إجماعهم على هدف واحد أيضًا مقصود، هو إعلاء الصوت المصرى والعربى. •