صدرت للكاتب والروائى «عمرو حمودة» روايته الجديدة «السمسار»، عن «دار الثقافة الجديدة»، وتعد «السمسار» مفاجأة بحق على جميع المستويات، يقدم فيها حمودة ملخصا لحقبة زمنية من تاريخ مصر الحديث، بقراءة ثاقبة ومفسرة لكثير مما عاشه المصريون على مدار سنين طويلة. متأثرا بالمدرسة الواقعية الاجتماعية، ويُنتظر أن تثير «السمسار» جدلا واسعا فى أوساط مصر الثقافية والسياسية والاقتصادية وحتى الفنية، وهذا ما سيتأكد منه القراء والنقاد والمهتمون بالأعمال الأدبية بعد قراءة الرواية. لا تخلو الرواية من الإمتاع والتشويق والإثارة على جميع مستوياتها الأدبية، رغم الإيقاع الهادئ والجميل والوصف الدقيق المشوق السلس، يضفر فيها الكاتب الخاص بالعام، تدهشك قدرته كذلك على ضخ كمية مهولة من المعلومات، كأنه يقرؤها من ملفات مكتوبة، ما يشير إلى قدرات لغوية وسردية لا يُستهان بها. يقول الناقد شعبان يوسف عن الرواية وكاتبها: يفاجئنا الكاتب والباحث الجاد والأديب عمرو كمال حمودة بروايته الثانية «السمسار»، بعد روايته المثيرة «فيوليت والبكباشي»، والمفاجأة تكمن فى قدرته على قراءة المشهد السياسى المصرى عبر أكثر من نصف قرن من الزمان، ولا يعنى ذلك أن الرواية تسرد وقائع سياسية بشكل تقريرى ومباشر، لكننا سندرك أن الكاتب يبرع فى بناء الشخصيات والأحداث بقدرة كاتب محترف، بالإضافة إلى أن الأحداث الخاصة للشخصيات تشتبك بقوة مع الأحداث العامة للوطن، ورغم أننا من الممكن أن ندرك كثافة الأحداث، فإن تلك الأحداث تمر فى سلاسة ونعومة بالغتين. ونكتشف كذلك المستتر الذى يكمن فى جميع أشكال الصراع على السلطة والمال والنساء، ورغم أن ذلك المستتر يخص «مصر» على وجه الخصوص، فإن السرد يستطيع أن يفلت من تلك الخصوصية، ليضعنا أمام شخصيات تراجيدية تتكرر فى كل مكان وكل زمان، شخصيات متجبرة عندما تمسك بزمام الأمور، ومنهارة عندما تفرّ منها السلطة والمال والنساء. والكاتب يملك الطاقة السردية العالية التى تجعل القارئ ممسكا بالخيوط المعقدة لكل أطراف الرواية، حتى تنتهى الرواية ولا ينتهى تأثيرها العميق على طرح الأسئلة الحادة، والتى تبرز مقارنات بين الشخصيات المتخيلة فى الرواية، وشخصيات أخرى تحيا بيننا. إنها شخصيات تمدّ بظلها الثقيل على حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية منذ نصف قرن من الزمان، صنعت الأحداث، وشكلتها الأحداث الكبري، وتغيّرت مصائر كبرى فى العالم تبعا لخيالات وأطماع تلك الشخصيات التراجيدية بامتياز. إنها رواية شائقة وشائكة فى الوقت ذاته، تخوض بيسر ونعومة فى التاريخ والجغرافيا والحب والمال، تلك العوالم المعقدة، التى يسعى الكاتب بموهبة كبيرة ليكشف أسرار تلك العوالم البعيدة والخاصة جدا». يقول عمرو حمودة: ولدت بذرة هذه الرواية بعد العشرة أيام الأولى من ثورة 25 يناير، كان حكم مبارك يتهاوى وعهد جديد يتشكل، وكان فى ذهنى العلاقة بين المال والسلطة، وكيف حدث التفاعل بينهما وأدى لنشوء هذه الظاهرة الاجتماعية التى رافقتها ظاهرة اقتصادية مرتبطة بها وهى ظاهرة اقتصاد المحاسيب، وأخذت تتكون أمامى شخصية البطل «مونتى فهمي»، كتعبير فذ عن هاتين الظاهرتين، وكنموذج معبر بجدارة عن مرحلة من التاريخ المصري، وتجسيد للخراب الذى حدث والانهيار الذى وصلنا إليه على مدار عقود طويلة. وشخصية البطل فى «السمسار» لا تجسد شخصا بعينه، إنما عدة أشخاص يكوّنون الظاهرة والرابطة بين المال والسلطة، وكان يهمنى إبراز التحولات فى حياة البطل وتطور علاقته بكل الشخصيات التى نشأت معها علاقات وأحداث، بانت خلالها انتهازيته وآلامه وأفراحه ونجاحاته وإخفاقاته كإنسان كانت له رؤية وهدف طوال المسيرة. ولقد وجدت من خلال تطور النص أن الظاهرة مازالت قائمة ولم تتأثر أبدا بما حدث فى 25 يناير 2011، لأن شروط الظاهرة باقية رغم التغير فى الظروف. كان يدفعنى فى أثناء الكتابة الرغبة فى فك الشفرات عن المسكوت عنه والجزء الغاطس فى كواليس مجتمعنا، وذلك من خلال تركيبة الشخصيات التى لعبت أدوارها على مسرح الرواية. كما أبرزت تلك الشخصيات التى حافظت على توازنها ولم تنسق مع التيار مثلى الكاشف وحافظ فرهود، وكان من المسائل التى واجهتنى فى الرواية تلك العوالم المختلفة والمرتبطة فى آن معًا، وهى: الفن والسياسة والمال والجنس، كأن اللعبة لم تتغير منذ أعمال شكسبير مرورا بنجيب محفوظ. يذكر أن هذه الرواية هى الثانية للروائى عمرو حمودة، بعد روايته الأولى «فيوليت والبكباشي»، التى فتحت الباب بعد ما يقارب 58 عاما للجدل مرة أخرى، حول ذكريات ثورة 1952 والأحداث التى تبعتها.•