عندما تترصد الحملات الإعلانية والدعائية شهر رمضان بأكمله لتستعرض قوتها الترويجية لكسب أكبر شريحة من الشعب تجمع فى غالبيتها كل الطوائف والطبقات فى المجتمع المصرى والعربى لنجد أنفسنا أمام حالة غريبة ومستفزة من الحملات الإعلانية التى غاب عنها الدعاية للزيت والسكر والأرز والسمن والصابون والعيش والفول وكل ما يخص الشهر الكريم من مأكولات وحلويات وتسالى كما تعودنا زمان - قول للزمان ارجع يا زمان - واستبدال هذه الدعايات بحملات ترويجية لشركات المحمول التى تدفع ملايين الملايين لنجوم الفن والمجتمع والرياضة، أو تلك الحملات الترويجية التى تعلن عن الفيللات والشاليهات والمنتجعات.. وتتنوع الفيللات من «فيللا» واحدة لإعلان عن «تريو فيلاز» ثلاث فيللات مرة واحدة كل واحدة بحديقة فى آخر ما توصل إليه الابتكار العمرانى، المستفز فى الأمر يا سادة لا يقف عند علاقة شهر رمضان بمثل هذه الدعايات والإعلانات التى يدخل معها الإعلان عن السيراميك والحديد والأسمنت أيضا بل تزداد الأمور مفارقة عن الواقع عندما نجد هذه الإعلانات التى بالطبع تخاطب شريحة أصحاب الملايين وأغنياء القوم الذين لن يجدوا ضيرا فى إنفاق نصف مليون جنيه على الأقل فى شاليه بينما غالبية الشباب لا يجد بضع آلاف لشراء شقة يتزوج بها!! ورغم كل ذلك فليس هذا المستفز بل الأكثر استفزازا أن تجد هذه الدعايات تتبعها الحملات الإعلانية لمستشفيات السرطان والكبد والقلب التى من الطبيعى أن تكون حملاتها الدعائية فى شهر رمضان شهر الخير والزكاة ولكن إدخالها فى حالة الدعاية والإعلان طوال شهر رمضان بجانب الشركات التى تعلن عن العقارات الفارهة أو خطوط المحمول التى يأخذ نجومها الملايين جعل من واقع الأمر مكاشفة ومجاهرة وتعرية لمجتمع باتت صورة الفقراء فيه أشد فقرا وصورة الأغنياء فيه أكثر ثراء ترقص فيه الطبقة المتوسطة رمانة الميزان فى أى مجتمع ترقص على السلالم حبة فوق وحبة تحت!! • فين السكر والزيت السؤال الأغرب: أين اختفت إعلانات السكر والأرز والسمن والزيت التى كانت تتبارى الشركات المختلفة فى تقديم إعلاناتها فى شهر رمضان لتحفيز الجمهور لشراء منتجاتها أو الحقيقة مع ارتفاع أسعار هذه السلع الأساسية للشعب باتت الناس تبحث عن السلع الأرخص ثمنا، بصرف النظر عن الجودة أو البراند يعنى الماركة؟! وأصبحت السلع الأرخص معروفة دون الإعلان لها فى حملات ترويجية بالملايين، ولعل وجهة نظر أخرى ترجح احتكار السوق الدعائية فى رمضان لشركات العقارات والمحمول والحديد والسيراميك مع ارتفاع أسعار دقيقة الإعلان لا سيما فى الأوقات المتميزة مثل بعد الإفطار مباشرة أو قبل انطلاق مدفع الإُفطار لنرى البعض من الشركات يفضل أن يكتفى بصورة صامتة يعلن فيها قبل المدفع أن يتمنى لنا صوما مقبولا وإفطارا شهيا وهى بالطبع بضع ثوان هى أرخص بكثير من إعلان مصور يستحوذ على مساحة من الدقائق به كبار النجوم الذين لم يجدوا لهم فى الغالب مكانا فى وجبة الدراما الرمضانية ليعوضوا غيابهم بالطلة الدعائية طوال شهر رمضان فى وجبة إعلانية لا تقل حضورا عن حضور الدراما والمسلسلات! • الفساد والكهرباء الحقيقة كان لافتا للغاية تلك الدعايات المكثفة عن الفساد واستغلال الواسطة أو الرشوة أو المحسوبية فى المجتمع لتعتبر سابقة من نوعها فى مكاشفة واعتراف بقوة الفساد الذى تفشى فى أغلب المؤسسات الحكومية والخاصة، إلا أنه لخطورة الموضوع وأهميته كان من الضرورى أن يستحوذ على حملات دعائية أكثر يشارك فيها كبار النجوم مع تقديرى الشديد للفنان «بيومى فؤاد» إلا أن اشتراك بيومى فى الحملات الدعائية ضد الفساد والحملات الدعائية فى توفير الكهرباء والغاز والبنزين جعل الأمر مختلطا وملتبسا مع الكثير من الناس الذين يتساءلون لماذا يقوم بكل هذه الحملات الدعائية المهمة «نجم واحد» بينما تتبارى شركات المحمول والعقارات بكثرة النجوم الأعلى أجرا بكثير من «بيومى فؤاد» رغم أن محاربة الفساد فى المجتمع وتوفير الكهرباء هما موضوعان فى غاية الأهمية سيوفران على البلاد الكثير من المتاعب والأموال المهدرة وسيعيد تقويض الفساد الكثير من الفرص الضائعة على الملايين من الشباب المجتهد ليكون من الطبيعى أن يصل أهل العلم والخبرة والكفاءة والاجتهاد والأحق فى الفرص أن يصل كل هؤلاء قبل أهل المعرفة والواسطة والمحسوبية والصداقة والرشوة!! «الدوندو» و«قعدة أووو» لم يقتصر التنافس الدعائى طوال شهر رمضان بين شركات المحمول والسيراميك والشركات العقارية ولكن دخل التنافس وبقوة شركات تصنيع الملابس الداخلية وأصبح «البوكسر» هو بطل الدعاية الرمضانية بامتياز, الحقيقة الموضوع منطقى الدنيا حر والناس خلقها ضيق فى رمضان مع صيام حوالى ست عشرة ساعة إذن «الراحة فى البوكسر أمر ضرورى» وممكن أن يكون مفهوما ولكن أن يرتبط إعلان «البوكسر» بأغنية العندليب «سواح» ومن «سواح» التى كسرت الدنيا وقت إذاعتها وحتى الآن إلى «مرتاح» فى البوكسر كان بالطبع أمرا مستفزا لكل عشاق عبدالحليم وأعتقد أنه كان سيكون مستفزا لحليم نفسه وللراحل العبقرى مؤلف الكلمات محمد حمزة ومبدع اللحن بليغ حمدى ليتم فيما بعد اقتطاع جزء من الإعلان ولا نعلم هل لأنهم سرقوا الأغنية فاعترضت أسرة العندليب وحمزة وبليغ أم أنهم وجدوا الإعلان طويلا ومكلفا وفى كل الأحوال الإعلان مستمر بقوة حتى آخر رمضان. بطل آخر كان مثارا للجدل فى الأيام الأولى من رمضان إعلان الدوندو لإحدى شركات العصير والرايب الذى سرعان ما اختفى الإعلان فى بعض القنوات وقنوات أخرى تم استبدال الدوندو بالتيييت ليترسخ الدوندو فى ضمير ووجدان وقاموس معاكسات الشعب المصرى أكثر فأكثر حتى بعد حذف الدوندو من الإعلان نفس الموضوع حدث مع إعلان للملابس الداخلية يتحدث عن العلاقة بين القعدة والراحة الداخلية للملابس الداخلية ليتبدل لقطة قعدة أووو من سيدات يمارسن الرياضة إلى واحدة ست واقفة والحقيقة إلغاء بعض الألفاظ أو اللقطات فى الإعلان الرمضانية يثير التساؤل والدهشة عن مدى تقبل المجتمع اليوم لبعض القفشات الإعلانية التى يبدو أنها دخلت فى منطقة التحريم والتحليل والعيب وإللى يصح وإللى ما يصحش فى مجتمع يطلق على الدوندو عشرات الأسماء فى ذاكرته الشعبية وحتى فى بعض أغنياته لعل من أشهرها العنب نعم تتسع دوائر التحريم والعيب وتصبح الفتوى لكل من هب ودب فى زمن السلفيين والدواعش! من ناحية أخرى كانت الإعلانات الدعائية الخاصة «اشترى المصرى» من أنجح الحملات هذا الشهر تم إخراجها بذكاء لإخراج المتناقضات بداخلنا وعقدة الخواجة التى زادت من أعبائنا الاقتصادية وأدت إلى ارتفاع الدولار الذى أصبحنا نشترى به كل شىء حول العالم وإذا كان الإعلان ناجحا فى توصيل الفكرة إلى الناس إلا أنه من الواجب أن يواكب ذلك تطور فى منتجاتنا المصرية لتكون على قدر المنافسة بحق وحقيق وتدخل إلى دائرة ثقة مجتمع اكتسحته المنتجات الصينية والتركية ومن التناقض أن يكون نفس صوت العيب والحرام الذى يلفظ كلمة الدوندو نجده يقبل أن تكون سجادة الصلاة والسبحة والإسدال الخاص بالصلاة كلها صناعات صينية يصنعها أناس ربما لا يعرفون الله ولا يعلمون عنه شيئا؟!•