«الإنسان الطيب».. إنه ليس مجرد عرض مسرحى، وإنما هو حالة إنسانية نجح كاتبها ومخرجها المخرج سعيد سليمان فى ترجمتها من خلال مجموعة من اللقطات التمثيلية، الغنائية الراقصة، بواسطة بعض الآلات الموسيقية التى عزفت على أوتار قلوب كل مشاهدى العرض المسرحى، الذى أشاد به الجميع لما تضمنه من نص قد يبدو مختلفا للوهلة الأولى، إلا أنه تدريجيا يتضح أنه الأقرب إلى الواقع الذى نعيشه، حيث الإنسان بكل ما يحمله من موروثات ثقافية وسياسية واجتماعية ودينية، كانت الأقدر على إخفاء فطرته النقية، التى ولد عليها. بالإضافة إلى النص كان فريق العمل من ممثلين وعازفين، راقصين ومغنين، من موسيقيين ومخرجين منفذين، وغيرهم ممن اجتمعوا معا حول فكرة واحدة وعملوا عليها من خلال ورشة عمل مكثفة شهدت العديد من الأفكار المقترحة والارتجال والتدريب على التمثيل والرقص والغناء والعزف لجميع أبطال العرض الذين نذكر منهم: نجلاء يونس، هانى عبد الناصر، زياد سمير، محمد عبدالفتاح، حسام حمدى، مصطفى الزيات، شروق القناوى، ميما أحمد، مريم سعيد وغيرهم من الأبطال الذين برعوا فى أداء مهمتهم الصعبة من خلال العرض، تلك المهمة التى قام برسمها مسرحيا كل من المخرج المنفذ رأفت سمير والمخرج المنفذ وليد الزرقانى، كل هذا تحت إشراف المخرج سعيد سليمان. • واقع مؤلم تدور أحداث العرض المسرحى «الإنسان الطيب» حول ثلاثة فصول، فهى بمثابة الرحلة التى يقوم بها الإنسان باحثا من خلالها عن فطرته فى ظل ما يحيط به من موروثات وأفكار نجحت بشكل أو بآخر فى اتلاف تلك الفطرة وما بين مواجهتها والتخلص منها والتمتع بصفاء فطرته والتمسك بها رغم ما يحمله الواقع. كانت رحلة الإنسان الطيب، تلك الرحلة التى قال عنها المخرج سعيد سليمان: «من خلال الإنسان الطيب نشهد معا وصول الإنسان إلى صفائه الداخلى بعيدا عن أى موروثات سياسية، دينية، أو اجتماعية، من ثم يبدأ فى ظل تلك الحالة من السلام والاتزان مع الكون فى البحث عن وسيلة للعيش مع واقعه الرأسمالى، المتطرف دينيا أحيانا والعاهر أحيانا، مؤكدا على احتفاظه بنقائه رغم أنه يحيا فى واقع مؤلم بالنسبة له، والحقيقة هكذا يكون الواقع كما يبدو لنا جميعا سواء على المستوى المحلى أو العالمي». حالة روحانية سادت أجواء العرض المسرحى الإنسان الطيب خاصة من خلال أحداث الفصل الثانى منه والذى يشهد تسامح الإنسان مع نفسه ونجاحه فى الوصول إلى فطرته، والجدير بالذكر ما استلزمته تلك الحالة من تحضيرات لالتقاء جميع أبطال العرض حول نقطة واحدة حيث النشوة التى أكد عليها مخرج العرض سعيد سليمان قائلا: «وراء هذا العرض الكثير من الأفكار الفلسفية، لذلك كان علينا الخضوع للكثير من التدريبات الروحية والنفسية القائمة على التأمل، والتى تمت الاستعانة من خلالها بعلم اليوجا، وهو ما جعل كل ممثل قادرا على التعبير عن نفسه والوصول إلى حالة من السلام النفسى وهو على اقتناع تام بما يقدمه». من خلال الإنسان الطيب نتعرف أيضا على الاوبرا الطقسية والتى تستدعى وفقا لحيثياتها تمتع أبطالها بحس فنى يجمع فى طياته اجادة بنسبة مقبولة لكل من التمثيل، الغناء، العزف والرقص، وهو ما بدا ملحوظا من خلال أداء جميع أبطال العرض الذين برعوا فى الفنون الأربعة من خلال أحداث العرض، الذى شهد العديد من الاستعراضات وعزف لمقطوعات موسيقية جماعية وفردية وأيضا بعض الفقرات الغنائية، لذلك كان علينا التعرف على كيفية اختيار أبطال العرض، الذين بلا مبالغة أذهلوا جميع مشاهدى العرض باتقانهم بدرجات متفاوتة للفنون الأربعة، ومن جانبه فقد أكد المخرج سعيد سليمان: «من خلال ورشة عمل تم اختيار أبطال العرض، وعلى أساس واحد ألا وهو تمتع كل منهم بمرونة جسدية وأذن موسيقية والقدرة على العزف ولو بنسبة ضئيلة وقع اختيارى على أبطال العرض، حيث إنه تم تدريبهم على مدار تسعة أشهر وذلك بمساعدة د.هانى عبد الناصر، وهكذا على مستوى الأداء الحركى، فقد كنت حريصا على الوصول بالجميع الى الشكل الموسيقى الكامل والأداء الشامل، أى الأوبرا الطقسية». • العمل الجماعي من أبطال الإنسان الطيب الفنانة الشابة نجلاء يونس التى تحدثت عن رحلتها مع الإنسان الطيب، الذى يكمن بداخلها وبداخل كل إنسان، ومهمة لم تكن بالسهلة على الاطلاق، فمن جانبها فقد أكدت نجلاء: «عقب العديد من التمرينات، أخيرا تمكنت من إدراك فلسفة العرض التى لم تكن سهلة على الاطلاق، ففى البداية قام مخرج العرض سعيد سليمان بشرح وجهة نظره لى دون أن أحصل على السيناريو الخاص بالعرض، فقد عبر لنا جميعا عن حلمه، الذى يود تحقيقه من خلال العرض، ومن ثم عرض علينا السيناريو الذى شهد العديد من المناقشات، إلى أن تم رسم الحركة بمجرد أن أطمأن علينا جميعا وعلى التقاء تفكيرنا فى نقطة قريبة». أما عن سر حماسها للعرض فقد قالت نجلاء: «مبدئيا العمل الجماعى الذى لطالما يستهوينى فقد شهدنا معا جميعا ميلاد سيناريو مختلف بعنوان الإنسان الطيب، يحسب له اختلافه وكونه نصا غير تقليدى، لذلك أجدها بالتجربة الجديدة على، هذا بالإضافة إلى ما اكتسبته من خلال هذا العرض من شجاعة، فقد كنت أشعر بالخوف فى بادئ الأمر ولكن تدريجيا أصبحت أشجع وأقدر على تكرار التجربة، فمن خلال الإنسان الطيب ولأول مرة أغنى «شرقي» وتم تدريبى موسيقيا، فأنا لم يشغلنى كثيرا عالم الموسيقى فأنا ممثلة فى المرتبة الأولى وإن كنت أقوم بدراسة الكمان، أيضا لأول مرة أقدم على تقديم عمل ميوزيكال، والحقيقة أن الفضل فى كل ذلك يعود بعد ربنا لكل من د.هانى عبد الناصر الذى قام بترشيحى ووضع ثقته فيَّ وشجعنى كثيرا، وأيضا المخرج سعيد سليمان الذى تحمس من أجلى ومنحنى تلك الفرصة من خلال عرض الإنسان الطيب». • عرض متكامل من أبطال الإنسان الطيب أيضا الفنان الدكتور هانى عبد الناصر، الذى حظى بإعجاب الجميع سواء كممثل أو كعازف أو كمغنى، فقد جاء أداؤه رائعا وهو ما أشاد به الجميع سواء من خلال العرض أو عقب عرضه، لذلك كان لنا هذا الحديث معه حول انطباعه كفنان لديه رصيده المميز من خلال خشبة المسرح حول العرض، حيث قال: «قبل أن يقوم المخرج سعيد سليمان بعرض فكرة الإنسان الطيب على، كنت قد اتخذت قرارا بالابتعاد عن خشبة المسرح لبعض الوقت والتركيز كممثل على السينما والفيديو، ولكن بمجرد أن قام المخرج سعيد سليمان بعرض الفكرة على لم أجد أمامى سوى التراجع عن قرارى وذلك لسبب فى غاية الأهمية ألا وهو حالة الاستفزاز التى نجحت الفكرة فى تحقيقها لى، فأنا لأول مرة أخوض من خلال عرض مسرحى واحد تجربة التمثيل والغناء والعزف والرقص، كما أنه وضع على عاتقى مهمة البحث عن الفرقة التى من خلالها سنخوض معركتنا من خلال الإنسان الطيب، هذا العرض الذى يتسم بالاختلاف، فمن خلاله نقدم الإنسان الطيب، فى إطار من الأوبرا الشعبية بكل عناصر المسرح المتعارف عليها لذلك نجد أن الشكل الفنى للعرض تم تحديده قبل محتواه الذى اعتمد على معالجة مخرج العرض سعيد سليمان». أما عن سر حماسه للعرض فقد أكد د.هاني: «مضمون النص، فمن خلال الإنسان الطيب نشهد معا مدى أهمية التأمل، فهو الوسيلة الوحيدة التى من خلالها ينفصل الإنسان عن أى ضغوط ومؤثرات محيطة به حتى يلمس فطرته ليصبح قادرا على لمس مدى الاختلاف، فهو ذلك الإنسان الذى اصبح لا يعنيه شيء فقط ينأى بنفسه عن كل شيء ليجد نفسه أمام التحدى الأكبر وهو مواجهة المجتمع المادى البحت الذى لا يؤمن بالروحانيات، فنجد على سبيل المثال تلك الموروثات التى قام بتجسيدها مخرج العرض على هيئة جان أو أشباح والتى ينجح الإنسان فى طردها ولمس فطرته ليبدأ فى التحليق والشعور بالنشوة ومواجهة المجتمع، كل هذا لم يكن من السهل تنفيذه وعلى الرغم من ذلك لا أستطيع إغفال مدى المتعة التى شعرت بها أثناء العمل، فقد استلزم العمل على عرض الإنسان الطيب ما يقرب من التسعة اشهر من خلال ورشة عمل». وأخيرا عن الإضافة الحقيقية له من خلال العرض فقد أكد: «على المستوى الفنى، الإنسان الطيب هو أول عرض مسرحى بالنسبة الى تظهر من خلاله قدراتى الفنية بشكل متكامل سواء تمثيلا أو عزفا أو غناء أو استعراضا، أما على المستوى الإنسانى، فقد نجح الإنسان الطيب فى توفير الفرصة لى لإعادة حساباتى ونظرتى للكثير من الأشياء المحيطة بي». • إشباع غير متوقع على الصعيد الآخر يشهد عرض الإنسان الطيب حضورا مميزا لكثير من المواهب الشابة والتى نذكر منها الفنان الصاعد محمد عبد الفتاح الذى تحدث عن مشاركته من خلال العرض المسرحى الإنسان الطيب قائلا: هذه هى التجربة الأولى لى من خلال مسرح الدولة، عقب الكثير من التجارب التى خضتها سواء من خلال مسرح المدرسة، أو بعض الفرق الحرة، والحقيقة أننى لمست مدى اختلاف تجربتى مع الإنسان الطيب سواء على مستوى نوعية العرض أو أسلوب الإخراج، وهنا ينبغى أن أؤكد على مدى براعة مخرج العرض سعيد سليمان، فهو أحد مبدعى المسرح، فقد التزم معنا أسلوبا جديدا فى التنفيذ وهو أنه كان يعمل على ادخالنا فى الحالة العامة للعرض عقب العديد من التدريبات ومن ثم كان يمنحنا كامل الحرية حتى يحصل على أداء تلقائى هو الأقرب إلى توقعاته لكل حركة ولكل أداء». أما فيما يخص فلسفة العرض التى لم تكن مهمة ادراكها بالمهمة السهلة على أبطال العرض فقد أكد عبد الفتاح: «اختلاف العرض هو سر نجاحه برأيى، وهو أيضا سر تحمس الجميع من أجله، فعلى عكس جميع التوقعات حضر الأبطال لقراءة النص والنتيجة اقتناع الجميع بفكرة العرض، وعلى عكس كل التوقعات حضر الجمهور للحصول على جرعة ما من الضحك، فى البداية واجه صعوبة فى إدراك حالة العرض ولكنه تدريجيا تجده مستمتعا لأنه من خلال العرض يجد ما يريده لإشباع روحه من موسيقى وغناء ورقص وتمثيل». • مستقبل آخر على عكس جميع التوقعات أيضا جاءت مشاركة الفنان الصاعد زياد سمير الذى أكد لنا أنه لم يكن يتوقع على الإطلاق مشاركته من خلال الإنسان الطيب ولم يكن يتوقع أيضا ما حققه له العرض من نجاح يعد بالنسبة إليه مستقبلا آخر لم يحلم به من قبل، فمن خلالها أصبح من أولوياته التمثيل، الذى قال عنه: «يكفى أن أقول إن التمثيل هو السر الرئيسى وراء تحمسى للعرض، فمن خلال الإنسان الطيب خضت أولى تجاربى مع التمثيل، فمن قبل كنت أقوم بالعزف على آلة الناى وأيضا أمارس التلحين والكتابة والرسم، فأنا عاشق لكتابة القصص القصيرة، ولكن بمجرد أن حانت ساعة العمل من خلال التمثيل قررت أن اعتزل جميع تلك الهوايات لحين إثبات موهبتى من خلال التمثيل، فأنا وأخيرا أستطيع أن أقول أنا ممثل». • تجربة ثرية هذا فيما يخص التمثيل من خلال عرض الإنسان الطيب اما فيما يخص الإخراج فقد كان لنا هذا الحديث مع المخرج المنفذ للعرض رأفت سمير الذى تحدث عن سر تحمسه له وعن خطته لتنفيذ العرض ورؤيته حيث قال: «باختصار اختلاف التجربة كان السر الساحر بالنسبة لحماس جميع أبطال العمل وبالنسبة لى لتقديمها دون تردد، هذا بالإضافة إلى ثراء التجربة فمن خلال الإنسان الطيب سنلاحظ ما يتمتع به جميع أبطال العرض من قدرة متميزة فى أداء أكثر من شخصية والعزف على أكثر من آلة والغناء بأكثر من طريقة». على الصعيد الآخر تحدث المخرج رأفت سمير عن رؤيته فى تنفيذ الإخراج قائلا: «بلا مبالغة فتنفيذ إخراج هذا العرض لم يكن بالمهمة السهلة على الإطلاق، فبالنسبة إليَّ كان مختلفا عن أى عرض مسرحى آخر سبق وقمت بتنفيذه، وذلك باعتباره عرضا غير تقليدى، قائما على ورشة عمل فى الكتابة والحركة، بحاجة إلى مجهود مضاعف، فعلى سبيل المثال اللوحة الواحدة بها العديد من التفاصيل بداية من الموسيقى والأداء والحركة والرقص والغناء، ولكن رغم هذا يظل هناك شعور بالمتعة يسود أجواء العمل ويخفف من حدة القلق والتركيز لتقديم عمل مميز يحظى بإعجاب الجميع». • ورشة عمل أخيرا كان الحديث مع المخرج المنفذ للعرض المسرحى الإنسان الطيب وليد الزرقانى الذى أكد لنا فى البداية على مدى سعادته بالتجربة لما تتمتع به من اختلاف، فهو عمل قائم على ورشة عمل، تم من خلالها تدريب أبطاله على التمثيل والرقص والغناء والعزف وهو الأمر الذى لطالما كان يستهويه منذ بداية مشواره فى عالم الفن فمن جانبه فقد أكد: «مبدئيا بفضل مدير مسرح الهناجر حاليا محمد دسوقى تم ترشيحى للمشاركة من خلال الإنسان الطيب لذلك أجد أن إليه يعود الفضل بعد ربنا فيما أعيشه اليوم من شعور بالنجاح لما حققه العرض من صدى لم يكن متوقعا، لاختلافه فى الشكل والمضمون، فهو ينتمى إلى المسرح التجريبى، ولعل ما يميز هذا العرض أنه قدم المسرح التجريبى ولكن بشكل شرقى بعيدا عن السائد، فهو يميل بشكل كبير للمدرسة الشرقية وهو ما بدا واضحا من خلال شكل ومضمون العرض». أما فيما يخص التنفيذ ورؤيته من خلاله فقد أكد: «من خلال الإنسان الطيب كان ينبغى علينا العمل على مهارات كل ممثل حيث الممثل الشامل، لذلك اعتمدنا من خلال التنفيذ على مجموعة من الورش اليومية التى تم من خلالها تدريب الممثلين على أكثر من مهارة على سبيل المثال العزف والغناء والرقص وهو ما ظهر من خلال أحداث العرض، فأنا شديد الاهتمام بهذا الكيان الذى يدعى ورشة عمل، وبالفعل كانت لى تجارب سابقة من خلال بعض الورش الخاصة بالتمثيل».•