ريشة: محمد عبدالغنى إنه واحد من أسوأ الصفات الإنسانية، بل الأسوأ على الإطلاق بالنسبة للمجتمعات التى تتطلع دائمًا للتقدم والتطور، ولذلك ليس غريبًا أن نجد دولة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وقد حاسبت رئيسها الأسبق بيل كلينتون على جريمة (الكذب) وتضليل شعبه، ربما بصورة أكثر من ارتكابه خطيئة أخلاقية - مع المتدربة بالبيت الأبيض (مونيكا لوينسكى) - فى حق نفسه وحق أسرته، وذلك إيمانًا منها بأن الرئيس الذى يكذب ويضلل شعبه لا أمان له ولا يوثق فى تصرفاته وقراراته المصيرية المرتبطة بمستقبل أمة.
وبصفة عامة يعتبر الأغنياء والسياسيون هم الأكثر كذبًا.. وهذا ما تظهره عدة تجارب أجراها علماء النفس، فالأغنياء أكثر عرضة للتصرف بطريقة غير أخلاقية والتعامل بالكذب والخداع، فزيادة الثروة لدى الإنسان تجعله يريد مزيدًا، وطلب الزيادة يقوده إلى كسر قواعد النظام والقانون لخدمة المصالح الذاتية. ووفقًا لبحث أكاديمى اقتصادى قامت به الأمريكيتان كاسى موجلنار - من جامعة بنسلفانيا - وفرانسيسكا جينو - فى جامعة هارفارد - أوضح أن الذين يحبون المال أو يفكرون فيه كثيرًا أقرب إلى الكذب والتزوير والفساد من غيرهم. ويتشارك الساسة الأغنياء هذه الصفة السيئة، باعتبارهم الأقدر على الكذب لقدرتهم على إطلاق الأكاذيب والعمل على تصديقها والإيمان بأنهم يقولون الحقيقة مما يجعلهم أكثر قدرة على إقناع الآخرين - الشعوب - بما يروجونه من أكاذيب أو حقائق بعيدة عن الواقع، بينما هم لا يدركون فى حقيقة الأمر أن ما يروجونه هو محض أكاذيب وأشياء منافية للواقع، فيخدعون أنفسهم ليصدقوا ما يريدون تصديقه. • الرجال الأكثر كذبًا وعلى عكس المتوقع والشائع، فقد بين مسح أجرى أخيرًا على 2531 بالغًا أنّ 5% فقط من الناس يقولون الحقيقة فى جميع الأوقات، والأغلبية - 52% من الرجال - قالوا إنهم يكذبون ثلاث مرات فى اليوم، بينما 14% قالوا إنّهم يكذبون أكثر من خمس مرات فى اليوم، وبالمقابل فما يقارب ثلاثة أخماس النساء- 57% - قلن إنهن يكذبن مرة واحدة فى اليوم(!). وتبين أن الرجال مستعدون للكذب ثلاثة أضعاف كذب النساء، وأنّ متوسط الكذب لدى الرجال هو ثلاث مرات فى اليوم، أو أكثر من ألف كذبة فى السنة، وبالمقابل فإن متوسط كذب المرأة هو مرة واحدة فقط كل يوم. وبطبيعة الحال فإن للنساء محطات كبيرة مع الكذب أيضًا، ولكنهن على الأغلب يعتمدن الكذب فيما يتعلق بمشاعرهن، كأن يدعين أنهن بخير مثلًا، بينما حالتهن النفسية تكون فى أسوأ حالاتها، أو أنهن سعيدات فى حياتهن الزوجية بينما يكون الوضع مختلفًا تمامًا! كما أظهرت دراسة نشرتها صحيفة The Sun البريطانية بأنّ الرجل يكذب مرتين أكثر من المرأة، موضحة أن الرجل يكذب بمعدل ست مرات عن قصد فى اليوم الواحد، أى ما يعادل ال 42 كذبة فى الأسبوع و2184 كذبة فى السنة. وأشارت دراسة سابقة صادرة عن جامعة ميامى الأمريكية إلى أنّ الرجل تفوق على المرأة فى مجال الكذب وأصبح لديه قدرة على الخداع والتظاهر بغير الحقيقة، فرغم أنّ بعض الأبحاث العلمية تؤكد أن المرأة تتفوق على الرجل فى قراءة تعبير الوجه وكشف المشاعر، إلا أن الرجل «أصبح محترفًا فى هذا المجال حتى إن قدرات المرأة لم تعد تجدى معه». • أمة تلفق الكذب وقد تصدر الإنجليز قائمة شعوب العالم فى الكذب الذى يعرف بأنه (الكلام غير الصادق الذى يقال بغرض تشويه الحقيقة للاحتفاظ بها أو إظهار سمعة غير حقيقية أو تجنب ردود أفعال الآخرين الغاضبة)، وذلك حسب مجموعة من الدراسات العلمية التى صدرت أخيرًا فى هذا الإطار. فقد وصفتهم دراسة حديثة - أى البريطانيين- بأنهم (أمة تلفق الكذب)، بعد أن أكدت أنهم يرددون ما يصل إلى 189 مليون كذبة كل أسبوع، ويستند هذا الرقم إلى عدد سكان المملكة المتحدة البالغ حاليًا حوالى 65 مليون نسمة تقريبًا. وتستند الدراسة - التى نشرتها صحيفة DailyStar إلى أن 14% فقط من البريطانيين اعتبروا أنفسهم صادقين تمامًا، فى حين اعترف 16% منهم بأنهم لفقوا كذبة كبيرة خلال (الأسبوعين الماضيين) من وقت الدراسة.. ووجدت أن الرجال هم الأكثر ميلاً لاستخدام الكذب عند القيام بأعمال الإصلاحات المنزلية، وفى المقابل فإن النساء يلجأن لاستخدام الكذب عند إحساسهن بالغضب أو الغيرة من نساء أخريات، ويبلغن رجالهن بأنهن على ما يرام مع أنهن يشعرن عكس ذلك تمامًا. وأشارت الدراسة إلى أن 30 % من البريطانيين اعترفوا أيضًا بأنهم يلجئون إلى الكذب بشأن مؤهلاتهم وخبراتهم العملية عند التقدم للحصول على وظيفة. • ورجال ألمانيا على الطريق! أما الرجال فى ألمانيا فإنهم يكذبون فى كل شىء، بداية من مستوى دخلهم وحتى الادعاء بأنهم لا ينظرون إلى أى امرأة أخرى... وهذا ما كشفه استطلاع للرأى نشرته وكالة الأنباء الألمانية شمل 1066 من الرجال الألمان تتراوح أعمارهم بين 20 و60 عامًا. وقالت الوكالة فى تعليقها على ذلك: «الرجال فى ألمانيا لديهم طرق للعيش فى سلام مع زوجاتهم، فهم يكذبون فيما يتعلق بالمال ليبدوا كالعباقرة فى الشئون المالية ولتجنب الدخول فى مجادلات مع زوجاتهم». وأظهرالاستطلاع أن 93% من الألمان لا يتورعون عن الكذب على زوجاتهم فيما يتعلق بحجم ما يكسبونه من أموال، أما فى مجال العلاقات العاطفية فخلص الاستطلاع إلى أن الرجال يعتبرون التستر على نزوات رجل آخر سببًا وجيهًا للكذب! فعلى سبيل المثال عندما يأتمن صديق مقرب من الزوج على سر علاقته بامرأة أخرى غير زوجته، فإن أكثر من 80% من الرجال مستعدون للكذب للتغطية على الصديق الخائن، لكن فى المقابل فإن غالبية النساء يرفضن إبقاء مثل هذه الخيانة سرًا، وقالت أكثر من 70% أنهن قد لا يبلغن الزوجة لكنهن سيبلغن آخرين بالتأكيد ليصل الخبر إلى الزوجة فى نهاية المطاف كخدمة للحقيقة وللمرأة المخدوعة نصرة لبنى جنسهن(!) وأظهر الاستطلاع أيضًا أن الألمانيات يملن إلى الكذب عندما يتعلق الأمر بمظهرهن، فقد اعترفت حوالى نصف من شملهن الاستطلاع بالكذب فيما يتعلق بمقاس حذائهن أو فساتينهن أو وزنهن ليجعلن أنفسهن يبدين أكثر أناقة فى نظر الآخرين، لكن 28% فقط من الرجال قالوا إنهم كذبوا حول وزنهم أو مقاس ملابسهم. • الحب والكذب ومن الطريف أن هرمون الحب أو (الأوكسيتوسين) يحفز العقل على الكذب بشكل ملحوظ.. وهذا وفقًا لما أكده باحثون فى الدراسة التى نشرتها دورية (الأكاديمية البريطانية للعلوم)، حيث قاموا بإجراء الدراسة على مجموعتين من الأشخاص، أعطوا المجموعة الأولى هرمون الأوكسيتوسين، بينما أوهموا المجموعة الثانية بأنهم أخذوا نفس الهرمون - وهو هرمون يفرزه الجسم بتركيز عالٍ خلال الوقوع فى الحب أو خلال الولادة أو الرضاعة الطبيعية - ووجدت الدراسة أن المجموعة الأولى كانت أقدر على الكذب حول الأشخاص الذين يحبونهم من المجموعة الثانية التى كانت نسبة الكذب عندهم أقل بكثير لأنهم لم يتناولوا هرمون الأوكسيتوسين. وأوضح الهولندى كارستن درو - الباحث الرئيس فى الدراسة وهو من جامعة أمستردام - أن البشر يميلون للتصرف بشكل غير أخلاقى باستخدام (الكذب) لحماية وتعزيز مصالح الأشخاص الذين يحبونهم بشكل حقيقى! ترى ما هو الحال لو أجريت دراسات عن الكذب فى عالمنا العربى.. أعتقد أن رصد الحالات والنتائج على جميع المستويات سيكون صعبًا وربما مستحيلاً، هذا مع ملاحظة أن منطقتنا حظيت بظهور الرسالات السماوية الثلاث على أراضيها وهو ما يعنى - افتراضًا - تضاؤل الكذب لقوة الإيمان والتقوى والورع لاتباع الديانات الثلاثة كافة، ولكن مع الأسف والأسى.. بات (الكذب) الرذيلة الحاضرة فى حياتنا حتى إشعار آخر!! •