أكتب لكم من أرض الفيروز، من سيناء، حيث الجبال الملونة، والطبيعة الخلابة، والمناظر التى تسعد ناظريها وتطيل أعمارهم، كيف لناظر كل هذا الجمال الربانى ألا يبدع، وكيف لا يُلتفت لمبدعى هذا المكان، فمن الطبيعى أن يكون لهم طابعهم الخاص وإبداعهم الخاص وهويتهم التى تمثل الهوية المصرية الأصيلة الراسخة، أخذتكم معى فى جولة سريعة لوصف المكان الذى أكتب منه، فى قلب سيناء الحبيبة، كى تعيشوا معى وتعشقوا وتبدعوا. تنفرد سيناء بشواهد ربانية مباركة لم تحظ بها مناطق عديدة على مستوى العالم، ويجلها أتباع الديانات السماوية الثلاث ولها فى نفوسهم قدسية كبيرة، أبرزها جبل الطور أو جبل موسى الذى يبلغ ارتفاعه 2242 متراً فوق سطح البحر والذى حمل اسم نبى الله موسى عليه السلام باعتباره شاهدا على قدوم النبى، لذلك يحرص السياح على تسلقه تبركاً به ومشاهدة شروق الشمس وغروبها من أعلاه، بالإضافة إلى منطقتى عيون موسى ومجمع البحرين والذى أطلق عليه فيما بعد رأس محمد، وهى نقطة التقاء خليجى السويس والعقبة معاً ليمثلا مثلثا قاعدته فى الشمال ورأسه فى الجنوب، وعلى الرغم من ذلك فإن السياحة الدينية لم تتمتع بما تمتعت به سياحة الشواطئ والمؤتمرات التى تقام بشرم الشيخ لأسباب عديدة، منها غلق طريق وادى فيران المؤدى إلى سانت كاترين ومنع مرور السائحين منه لأسباب أمنية رغم أن سانت كاترين تحظى بكنوز السياحة الدينية. تحوى سيناء الموقع الفريد فى العالم الذى تجلى فيه المولى سبحانه وتعالى مرتين فى موقع واحد، تجلى فأنار، شجرة العليقة الملتهبة الموجودة حتى الآن بالوادى المقدس طوى، وتجلى فهدم، حين نظر نبى الله موسى للجبل فكانت المعجزة الإلهية بدك الجبل، ومازال الجبل يطلق عليه اسم الجبل المدكوك. كرم الله سبحانه وتعالى جبل الطور وجعله فى منزلة مكة والقدس فى قوله تعالى «والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين» والتين والزيتون ترمز للقدس، وطور سنين هو جبل الطور بسيناء، الذى تلقى عنده نبى االله موسى ألواح الشريعة منها جبل موسى وجبل الطور وجبل الشريعة الذى تعددت الآراء فى تحديد موقعه لدرجة أن البعض اعتقد أنه خارج سيناء وهذا بعيد تماماً عن الواقع وعن النصوص الدينية وخط سير رحلة الخروج بسيناء. أما الآراء التى ذكرت أنه بسيناء فانحصرت معظمها فى جبلين جبل موسى الحالى وجبل سربال بوادى فيران الذى يبلغ ارتفاعه 2070 متراً فوق مستوى سطح البحر وسبب ذلك أن جبل سربال كان مقدساً قبل رحلة خروج بنى إسرائيل وكانوا يحجون إليه واسم سربال مأخوذ من سرب بعل وتعنى نخيل المعبود بعل، إشارة إلى نخيل وادى فيران فى سفحه وهو ما ينفى تماماً أنه جبل الشريعة بالوثنية. وعيون موسى، ورأس محمد، ودير سانت كاترين، وصخرة الحوت، الكثير من المعالم السياحية الدينية، التى تملأ المكان وتعطيه قدسية أكثر من غيره.. لم أكتف بالتمتع بتلك الطبيعة الخلابة والمناظر التى تعطى لناظرها حياة بالحياة، وإنما رحت أفتش هنا وهناك عن شخص أتحدث معه عن الواقع الثقافى بسيناء وأنظر من خلاله عن نشاط مبدعيها، ولم أجد أفضل من الشاعر السيناوى الكبير «عبد المنعم المنيعى»، سبقت اسمه بالشاعر الكبير لما رأيت فيه من إبداع وموهبة لا يعلم عنها أحد سوى من يعيش حوله، يكتب الشعر كما يتنفس الهواء، وكما يشرب الماء، كان لنا حوار طويل معه تعالوا معنا لنرى سيناء الثقافة بعيونه: • الحضور الثقافى • ماذا عن النشاط الثقافى داخل الأندية الثقافية ومراكز الشباب فى سيناء؟ - النشاط الثقافى يكاد أن يختفى داخل الأندية الرياضية ومراكز الشباب بالرغم من احتكاكها مباشرة بفئة عمرية تحتاج إلى تنشئة ثقافية، تقيها من السقوط فى المخدرات والانحراف الجنسى والسلوكى، وكذلك الانحدار إلى جماعات تكفيرية متطرفة تغرى أصحاب الموهبة بمظاهر كاذبة من الثقافة الموجهة من خلال كتب منتقاة، ومبادئ أيديولوجية، تخلق فى النهاية شخصًا يحقد على مجتمعه، وأنه لا يمكن تفسير نجاح التطرف، إلا من خلال رصد إهمال تلك النوادى والمراكز لدورها الثقافى، المشروع السياسى يبرز فى حالات التدهور الاجتماعى وازدياد الفقر والجهل فى يد السلطة كعصا سحرية لإنقاذ البلاد والعباد، وتغيب الثقافة كأداة إرشاد، وبغيابها تصبح العلاقات السلطوية بمعزل عن الحركة الاجتماعية ويصبح هدفها الأول إنتاج ما يؤكد أهليتها وحفاظها على مكتسباتها وفق مفهوم التسلط لا السلطة. • هل تأثرت الحياة الثقافية فى سيناء بالظروف الأمنية؟ - الحضور الثقافى الحالى فى سيناء تأثر سليًا بالظروف الأمنية التى تمر بها، ويحتاج إلى رعاية ثقافية مكثفة لإمداد شبابه بالمعرفة والثقافة الوسطية الوطنية، ويحتاج أيضًا إلى إعادة عرض الكثير من قصص البطولة لأبناء سيناء؛ حيث إن الشباب اليوم يفتقد القدوة وفى حالة من التشويش والاغتراب، ولذلك فلابد من ربط الشباب بماضيه المضىء حتى يبنى مستقبله من خلال الماضى والحاضر الذى يؤسس لثقافة فاعلة، هناك معالم تراثية ثقافية تتمثل فى مهرجانات الهجن، منطقة الجفجافة بوسط سيناء وعيون موسى بالسويس وسهل القاع وشرم الشيخ والمقرح بنويبع بجنوب سيناء وفى سرابيوم بالإسماعيلية وتكون المهرجانات السنوية ونصف السنوية وربع السنوية أعياد الثقافة والتراث، كما تقام أمسيات الشعر النبطى والفصحة إلى جانب فرق الفنون الشعبية التى تعزف الربابة والشبابة والمقرون والسمسمية وغيرها من الفنون التى تحتاج إلى رعاية من قبل الهيئات الثقافية الموجودة فى المحافظات، لا يمكن لراصد الواقع الثقافى فى شمال سيناء إلا أن يتملكه الحزن لما وصل إليه حال الثقافة فيها، فالحراك الثقافى بعد مرور ثلاثة عقود وما بذل خلالها من جهود لولادته وتطويره، يمكن وصفه بالمتردى لأسباب يعود بعضها فى تصورى إلى المؤسسة الثقافية، ويعود البعض الآخر إلى الأدباء أنفسهم، فالواقع الثقافى بشكل عام يعانى من غياب الاستراتيجية الثقافية الحقيقية، وناهيك عن تقاعس المؤسسة الثقافية عن أداء دورها الثقافى النهضوى كما يجب أن يكون، تلك المؤسسة، الذى يعد بناء الإنسان والمجتمع السيناويين من أولى مهامها، مكتفية بما تتبناه من طباعة بعض الأعمال الشعرية والقصصية لأعضاء من الجماعة المنتمية إليها، أما ما يسأل عنه الأدباء فهو إشكالية حصر أكثرهم للمفهوم الثقافى فى الأدب على «الشعر، القصة، الرواية» والتعامل معه باعتباره وسيلة للاسترزاق، وهو ما أدى إلى انقسامهم وتفرقهم، تتنازعهم اعتبارات ومصالح شخصية لا تمت لا للأدب بصلة، ولا للصالح العام كما يدعون، هذا الفهم المغلوط أدى إلى غياب الوعى لديهم بأهميته وقيمة الثقافة والإبداع على المستويين الشخصى والعام، وبالتالى غاب مع هذا المفهوم الضيق أى مخطط حقيقى للتنمية الثقافية فى شمال سيناء، وما يزيد من إحساس المتتبع للمشهد الثقافى فى شمال سيناء حزناً، هو حرمان هذا الجزء العزيز من تراب مصر من روافد الثقافة مثل السينما والمسرح، فلا يوجد فى شمال سيناء بكاملها سوى سينما واحدة بمدينة العريش «سندريلا» وهى للأسف معطلة ونشاطها متوقف تماماً من قبل الثورة فلا أحد يرتادها بسبب سوء إدارتها ونوعية أفلامها وعدم اهتمام الشارع فى سيناء بها من الأساس وقد وجد فى الفضائيات ما يغنيه من وجهة نظره عنها، كما لا يوجد بها مكتبات عامة أو مسارح غير ما يتبع قصور الثقافة فى كل من العريش ورفح والشيخ زويد وبئر العبد. • ماذا تفعل عندما يضيق بك الحال وتود أن تشعر بأن أحداً ما يسمعك ويسمع أشعارك؟ - أغادر مدينتى بكل جمالها وأنزح إلى القاهرة لأستمتع بالضوء الثقافى والحراك الذى تتمتع به العاصمة على عكس الحياة هنا، وأحياناً ألجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعى كالفيس بوك وغيرها. ** دع الأيام تفعل ماتشاء فستبقى الأرض أرضا والسماء سماء فلا استرجاع الماضى يغنينا ولا غدا سيجعلنا فقراء سنكون كالعشب يوما إذا سقاه الماء تطاول بالنماء ولا تقل ذكريات فلربما بعد الفراق يجمعنا لقاء أحلامنا ننساها وإن جاءت فى خفاء وواقعنا نذكره بمره وإن كان فيه جفاء وقلوب تكدر صفوها بعد نقاء وصفاء وأحبت لنا رحلوا بعد عز وهناء ويئسنا بعدما تجدد من اليأس رجاء ونعيش وسط أهل لنا مع أننا بداخلهم غرباء أيها الباكى توقف فعيوننا لم يبقى بها من الدمع بكاء هى حياتنا نعيش فيها بين خبث ودهاء نتوه فيها بطريق بعدما حل العناء نبحث عن ماء الحياة بعدما انخدش الحياء فلا ماضى يسعدنا ولم يبق لنا غير العزاء أحياء بين أموات وأموات بينا أحياء. • كيف كانت انطلاقتك بالشعر؟ - أولاً أنا كتبت الشعر منذ فترة طويلة ولكن لم أثق فى نفسى إلا بعد كتابة الشعر بقوة، وبدأ بعض الأصدقاء يشجعونى، كتبت العديد من القصائد ولكن ليس لى دواوين، ولى موقع على اليوتيوب باسمى يضم مجموعة ضخمة من أشعارى المسجلة، ومنها قصيدة بعنوان «رهف» عن شهيدة فلسطينية لا تتعدى البضع سنوات والتى بلغ عدد مشاهداتها إلى أكثر من مليون مشاهدة. • ختمت حوارى مع الشاعر المبدع السيناوى عبد المنعم المنيعى والكثير من الأسئلة تدور برأسى وأعلم جيداً ألا إجابة لديه لتلك الأسئلة وهى: ولصالح من إبعاد المثقفين السيناويين عن خريطة الإبداع؟ لماذا يُنظر لهم على أننا مثقفون من الدرجة الثانية؟•