منذ فترة بسيطة جمعتنا إحدى المناسبات الاجتماعية التى اعتدنا فيها أن نجتمع نحن معا «شلة العمر» من أيام الثانوى والجامعة.. اعتدنا على هذا اللقاء بعد أن فرقتنا سبل الحياة وهمومها ومشاكلها.. فجأة سألت إحدى الصديقات: كيف ستحتفلون بليلة رأس السنة؟ أجبنا فى صوت واحد وسط ضحكاتنا وقلنا زى كل سنة فى البيت وأمام التليفزيون.. قالت أخرى إذا كنا نودع سنة من عمرنا مضت بكل مصاعبها ومشاكلها وأخطائها، فلماذا لا نستقبل السنة الجديدة بفكرة جديدة، مثل أن نقوم كل واحدة منا بجرد حساب للسنة التى انتهت وأن نواجه أنفسنا بصراحة فيما واجهناه من مشاكل ومصاعب ونحاول فى السنة الجديدة أن نتلافى كل ما ارتكبناه وما حدث من أخطاء أو ما تسببنا فيه من مشاكل سواء إن كانت صغيرة أو كبيرة.. واتفقنا على اللقاء وكان ذلك منذ أيام قليلة.. قالت الصديقة الأولى دعونى أقدم لكم ملخصا للجرد العاطفى الذى قمت به، أستعرض فيه 365 يوما فى السنة الماضية وبدأت تقول: هل تصدقون أن حياتى العاطفية لم تتغير كل هذه السنوات نفس الملل.. نفس الروتين والجفاف العاطفى.. نفس المشاكل والمتاعب لكن ما زاد وغطى هو سلوك زوجى نفسه، فكل عام أحاول معه لإقناعه قبل أن ينقضى العام أن يقدم كل منا كشف حساب مشاعره العاطفية وأحلامه تجاه الآخر فتصدمنى إجابته الثابتة التى لا تتغير أبدا فيقول لى: إيه العبط ده؟! عواطف إيه وحساب إيه؟؟ هو أنا متجوز موظف حسابات أو مأمور ضرائب، إنتى فاكرة نفسك لسه فى أيام الخطوبة؟ والفسح التى لا تنتهي... إحنا خلاص كبرنا على الحاجات دي!! وعندما أقول فيها إيه لو تقولى كلمة حلوة فى ليلة رأس السنة، تفاجئنى بسهرة حلوة فى أى مكان تختاره.. نودع به سنة ونستقبل سنة جديدة... فيضحك ساخرا إيه شغل المراهقين ده؟ وهنا أحاول جاهدة أن أحبس دموعى وأسكت وأقول لنفسى مفيش فايدة امبارح زى النهارده.. زى بكره.. فهل أنا طلبت المستحيل؟ لا أعتقد. عاشقة الرومانسية أما الصديقة الثانية ذات المركز المادى المرموق التى تعشق الرومانسية والتى طالما كانت تحكى لنا عن مشاعرها الفياضة وهى تقرأ إحسان عبدالقدوس.. ويوسف السباعى وتدوب رقة وعشقا مع أغانى عبدالحليم حافظ، وهى التى تزوجت بعد قصة حب كنا نحسدها عليها.. وكانت المفاجأة عندما تنهدت تنهيدة عميقة وقالت: لقد تعودت منذ زمن بعيد أن أدفن رومانسيتى ورقة مشاعرى فى أرض الواقع فكلمة الرومانسية عند زوجى لا تعنى بالنسبة له سوى قلة العقل والتفاهة وأننى عايشة مع أوهام زمن أفلام الأبيض والأسود، فإذا قلت له: هل تذكر منذ سنوات عندما ألححت عليك طويلا لكى تذهب إلى إحدى دور السينما لمشاهدة فيلم»تيتانك« ولاحظت بنفسك أن معظم الحاضرين الذين يشاهدون الفيلم راحوا يبكون تأثرا وانفعالا بقصة الفيلم وأحداثه، فقال لى ساخرا كل إللى أعرفه إن السفينةغرقت بكل إللى فيها ماعدا أشخاص معدودين والستات إللى بكت من أحداث الفيلم ستات فاضية ماورهاش حاجة تعملها. التغيير وقالت أخرى لقد «اتنبح» صوتى من محاولة التغيير ففى كل مرة أحاول عمل شيء جديد فى هذه المناسبة تصدمنى ردود جافة من زوجي... محدش فاضى يسهر.. الناس مليانة مشاكل... والناس إللى حنعزمهم دمهم تقيل على قلبي.. فإذا قلت له هذه فرصة لتقريبب المسافات وإزالة أسباب الجفاء يقول لى: مافيش فايدة فيهم. غلطانة ووسط هذه الدردشة والحوارات المتبادلة بيننا نحن أفراد شلة العمر قالت صديقة: عندى فكرة لا تسخروا منها، وأنا باتكلم بجد لقد قمت منذ أيام بإعادة تقييم وجرد محتويات عقلى وقلبى مع زوجى طوال السنة ولأول مرة اكتشف أننى كنت مخطئة فى بعض الأشياء معه.. صحيح أنها أشياء بسيطة وصغيرة كان من الممكن أن تعدى وتمر الأمور بسلام، لكن عنادى جعلنى أتوقف أمامها وأتشبث برأيى حتى لو كان خطأ مما تسبب فى مشاكل عديدة مع زوجى لقد قررت أن أكبر دماغى ولا ألتفت إلى الأشياء الصغيرة والعبيطة التى تسبب خلافاتنا وصدامنا المستمر.. قلنا لها: زى إيه؟ قالت: إن زوجى عنيد جدا وقد فشلت تماما فى أن أجعله يتغير ويترك هذه العادة سواء فى موضوع تافه لا يستحق العناد أو موضوع كبير ومصيرى يهم كل الأسرة.. فقلت لنفسي، لماذا لا أبدأ أنا فى التغيير وهنا بدأت خطتى فقد فوجئ زوجى بى شخصية أخرى ومع أول مشكلة حدثت بيننا قلت له إللى تشوفه.. وفى مرة أخرى عرض على إحدى المسائل الخاصة بالأمور المادية وفوجئ بأننى لم أناقشه كثيرا فى هذا الموضوع بل كان الأغرب أنه قال لى: على إيه حال شوفى أنتى عايزة تعملى إيه؟ وتقررى إيه وأنا أدعوكم يا صديقاتى لأن تجربوا هذه الفكرة مع بداية السنة الجديدة. مفاجأة جديدة كانت المفاجأة أن إحدى الصديقات قالت لنا بكل بساطة: أنا عندى تجربة أخرى مختلفة لقد فوجئت منذ أيام بزوجى يقول لى: إحنا شبعنا خناق وزهقنا من النكد فسألته: تقصد إيه؟؟ فقال لى: تعالى مع بداية السنة الجديدة نقلد أهل السياسة ونعقد سويا خارطة سلام زوجية قلت له مستغربة أنت بقيت محلل سياسي؟!! قال لى: أبدا.. والفكرة التى أقصدها هى أنتى عصبية وأنا عصبي.. أنتى عنيدة وأنا عنيد.. ومنغير المعقول أن تصبح كل أيامنا عناد* عناد وعصبية* عصبية، غير معقول عصبية فى مواجهة عصبية وعناد مقابل عناد.. صراخ فى مقابل صراخ... فقلت له: معك حق ولكن ما هو الحل الذى تسميه خارطة سلام زوجية؟ قال: فكرتى ببساطة وسأكون أنا المبادر بتنفيذها حتى يتأكد لك حسن نيتي، فإننى إذا وجدتك عصبية فلن أبادلك عصبية بعصبية وإذا وجدتك عنيدة فى موضوع ما لا يستحق العناد فسوف أتخلى عن عنادي.. قلت له: فكرة رائعة وجميلة.. ولن تكلفنا شيئا وربما كانت الفائدة أكبر وأعظم وعودة لحظات سعادة وهناء بال واستقرار أسرى وزوجى افتقدناهم طويلا بسبب العصبية المتبادلة والعناد المتبادل. قال لى مبتسما: يعنى زى ما عدوية بيقول: سيب وأنا أسيب بعد هذه الفكرة الرائعة قالت صديقة الحياة أبسط مما تتصور فلماذا نجعلها صعبة.. ولو أن كل إنسان جلس مع نفسه يحاسبها بصدق فسوف يكتشف أنه مسئول عن جزء كبير أو قليل مما يعانيه.. فلماذا لا يبدأ كل منا ويقلد التاجر الذى يقلب فى دفاتره القديمة لكى يعرف ماذا عليه وماذا له؟؟! هذا هو التاجر الشاطر الناجح.. ولهذا أقول يا صديقاتى فلنجعل العام الجديد بداية جديدة يحاول كل منا أن يعيد تقييم نفسه ويتخلص من كل الروبابيكا التى يختزنها فى عقله وقلبه. فما أكثر الروبابيكيا والأشياء القديمة الموجودة فى حياتنا وتعطلنا عن الاستمتاع بالحياة وعلى رأى الأغنية التى تقول: الحياة حلوة بس إللى يفهمها!! •