ما أكثر الكتب والدراسات التى صدرت عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر سواء فى حياته أو بعد رحيله بعضها صدر باللغة العربية والكثير صدر باللغات الأجنبية المختلفة وأغلب الكتب الأجنبية التى صدرت عن جمال عبدالناصر كتبها صحفيون أجانب عاشوا فى مصر وغطوا أحداثها الكبرى وعلى رأسها ثورة 23 يوليو 1952 وما تلاها من أحداث مهمة وخطيرة من إلغاء الملكية إلى تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثى عام 1956 على مصر من 3 دول هى: إنجلتراوفرنسا وإسرائيل. والغريب أن نسبة كبيرة من هذه الكتب صدرت فى فرنسا بأقلام صحفيين فرنسيين بارزين ومن هؤلاء الكاتب الصحفى الفرنسى جان لاكوتير يعمل مراسلا لصحيفة فرانس سوار فى مصر لمدة ثلاث سنوات من عام 1953 إلى عام 1956 إلى أن انتهى به المطاف أستاذا فى العلوم السياسية فى فرنسا. بعد عام واحد من رحيل جمال عبدالناصر أصدر جان لاكوتير كتابه المهم «عبدالناصر» وفى هذا الكتاب يقول إن الثورة المصرية وعبدالناصر متلازمان ولا يمكن الحديث عن أحدهما بغير الحديث عن الآخر، فهو العقل المدبر والقائد الذى خطط للثورة ثم قادها بنجاح فأصبح من بعدها محط اهتمام العالم كله رئيسا وزعيما وقائدا. يتناول الكتاب بداية وميلاد عبدالناصر من خلال حواراته التى أجراها معه فى فترات متفاوتة ورصد فيها طفولته ونشأته وكشف عن اهتماماته وهو طالب فى مدرسة النهضة الثانوية وعشقه للقراءة ومساهمته بالكتابة فى مجلة المدرسة فى مقاله الشهير «فولتير رجل الحرية».. كما يكشف عن حب عبدالناصر للتمثيل وكيف شارك فى مسرحية مدرسية عن الإمبراطور يوليوس قيصر.. كما يتحدث بعد ذلك عن التحاق عبدالناصر بكلية الحقوق التى سرعان ما تركها ليلتحق بالكلية الحربية.. بعد ذلك يروى المؤلف مشوار جمال عبدالناصر بعد تخرجه ثم سفره إلى السودان ومشاركته فى حرب فلسطين سنة 1948 وتأسيسه لتنظيم الضباط الأحرار مع زملائه حتى القيام بالثورة. من الأشياء المهمة التى حرص عليها المؤلف تلك التفاصيل الإنسانية الصغيرة عن جمال عبدالناصر فيروى قصة زواجه من السيدة تحية كاظم التى تزوجها فى عام 1944 وأنجب منها خمسة أبناء 3 ذكور وبنتان.. ويقول عنه إنه رجل بلا نزوات أو هفوات «كان رجلا لا عيب فيه» إنه مسلم يتلو صلواته بانتظام ومن هواياته الشطرنج الذى يخصص له ساعات طويلة يشاركه اللعب فيها صديق عمره عبدالحكيم عامر ويعشق كرة التنس والسباحة. إنه زوج صالح بالتأكيد ولم يعرف عنه أية نزوات عاطفية فهو يمضى أوقات الفراغ مع عائلته فى منزلهم بمنشية البكرى وهذا المنزل لم يتغير حتى بعد رحيله. من أهم فصول الكتاب فصل عنوانه (7 أسماء لصنع رجل) وفى هذا الفصل يرسم صورة لعبدالناصر كما يحاول أن يقدمها للقارئ الأجنبى فيقول: هناك جمال اليتيم الأم عام 1927.. والطالب المجتهد عام 1934 والطالب الذى يقود المظاهرات وهو التلميذ المجتهد فى الكلية الحربية والضابط الشجاع فى حرب فلسطين وزعيم تنظيم الضباط الأحرار ويحمل عبدالناصر 7 أسماء يعرفه بها أقرباؤه ومواطنوه والعالم الغربى والصحافة الأجنبية هناك اسم جيمى الذى كان يطلقه عليه عبدالحكيم عامر صديق عمره وأصدقاؤه المقربون. أما الصحافة الأجنبية فكانت تطلق عليه لقب البكباشى أما داخل مصر فقد أصبح اللقب الشائع هو الريس، أما خارج مصر فكان الاسم المفضل عند الصحفيين ووكالات الأنباء هو ناصر تلك الكلمة السحرية الرائعة التى كانت ترددها الجماهير فتلتهب حماسها ثم جاءت بعدها كلمة «الناصرية» و«الناصريون» بعد رحيله.. هناك أيضا صفاته الجسدية كان رجلا ذا بنية عالية.. عملاقا «طوله متر و84 سنتيمترًا» ووزنه «96» كيلو يبدو دوما بقامته المديدة مؤثرا وملهما فى الجماهير، كان يعمل كثيرا فلا ينام قبل الثانية صباحا وكانت ساعات عمله تتراوح ما بين «12 و14» ساعة فى اليوم دون كلل أو ملل. يقول المؤلف: أنه لاحظ من تعدد لقاءاته بالرئيس عبدالناصر أنه كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة وكان مثقفًا ثقافة واسعة وكان يقرأ كثيرا الأهرام بانتظام و«3» صحف أمريكية وبعض المجلات الإنجليزية ويتابع الصحف «البيروتية» التى تهاجمه. ويتحدث المؤلف عن الذوق الفنى للرئيس فيقول: كان يحب الموسيقى وأغانى أم كلثوم سيدة الغناء العربى وفى بدايات الثورة كان حريصا على حضور حفلاتها مساء كل خميس من أول كل شهر حيث تمتد الحفلة لساعات طويلة.. كما كان يحتفظ بعشرات الأشرطة والاسطوانات لأغانيها فى بيته. الغريب أن «جان لاكوتير» المؤلف كان موجودا بالقاهرة عندما رحل جمال عبدالناصر وشاهد الجنازة الأسطورية لوداعه فكتب يقول: على ضفاف النيل بين الروضة وبولاق كنا ملايين من البشر يشهدون آخر رحلة يقوم بها جمال عبدالناصر الذى توفى عن «52» عاما، ملايين من البشر ينتظرون شيئا ما لم يكن فى حساب إنسان وما لبت الجماهير الهادرة أن اقتحمت الطوق الأمنى حول النعش وكبار المشيعين وهكذا انقلبت الجنازة الرسمية عيدا شعبيا كبيرا إذ انتزعت الجماهير النعش واحتضنته وبدا كأنها التهمته لقد كانت عملية استرداد ملحمية فالسلطة التى أعطته إياها الجماهير استردته هذه الجماهير بجثمانه. وفى سطور مهمة ربما تلخص جمال عبدالناصر فى سطر واحد يستعير المؤلف عبارة أحد كبار السياسيين الغريبين فيقول: الملهم فى عبدالناصر كونه لا عيب فيه فلا تستطيع شراءه أو تهديده أو إغراءه كنا نكرهه من الصميم ولكننا احترمناه لأنه كان نظيفا جدا.. ووطنيا جدا. والجديد بالذكر أن الكاتب الفرنسى «جان لاكوتير» قد توفى يوم 16 يوليو الماضى عن عمر يناهز ال 94 عاما وكان متشعبا بالفكر اليسارى وله أكثر من «71» كتابًا وكتب سيرًا ذاتية لشخصيات عديدة.•