لأنه كان شابا فإن عينه دائما كانت على الشباب .. راهن عليهم .. وكسب الرهان .. والتفوا حوله وأنشأ لهم ما كانوا يحلمون به .. ملاعب واستادات .. فكانت الإنجازات والبطولات .. فى مصر مهد الحضارات ظهرت الرياضة على نقوش الفراعنة التى مازال يحتفظ بها تاريخ مصر. وفى العصر الحديث مع قدوم كرة القدم الحديثة ووجود الأسرة العلوية شارك أبطال مصر ولكن فى حالات فردية من أصحاب المواهب الطبيعية «الخارقة» ومنهم من انضم تحت لواء نادى أو هيئة ولكنها فى العموم كانت حالات فردية . وكان هناك اهتمام سلطانى وملكى بهؤلاء الأبطال وبطولاتهم ولكن كان محدودا ودون بناء مؤسسى قوى ودليل ذلك وجود عديد من الإدارات الحاكمة للحركة الرياضية وتواجد هذه الإدارة فى وزارة المعارف كأحد أقسام الإشراف والمتابعة لهؤلاء الأبطال ثم كقسم فإدارة فى وزارة الشئون الاجتماعية - بمعنى آخر كان نشاطاً هامشياً والدليل الميزانية التى أقرتها المملكة المصرية للرياضة موسم 51 / 52 بلغت 30 ألف جنيه . فى حين أنها وصلت فى الموسم 55 / 56 إلى مليون جنيه مصرى، وهذا دليل قوى وبرهان على ما وصل إليه اهتمام ثورة يوليو بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر للرياضة والرياضيين. والاتجاه إلى بناء كيانات قوية للرياضة. ودليل ذلك موافقة الرئيس عبدالناصر على تولى العديد من أعضاء مجلس قيادة الثورة لرئاسة اتحادات الألعاب لإدارة سياستها وكان على رأس القائمة المشير عبدالحكيم عامر الذى تولى رئاسة اتحاد كرة القدم، وحسين الشافعى اتحاد الفروسية، وزكريا محيى الدين اتحاد التجديف، وأنور السادات تنس الطاولة، وعلى صبرى السباحة، وعبدالمحسن أبوالنور السلة. كما تم إسناد رئاسة اللجنة الأوليمبية المصرية بعد دمجها من «أهلية وبدنية» للعميد عبدالرحمن أمين . الذى أقر فيها بالانضباط والالتزام وترتيب مواعيد المشاركات المحلية والدولية والأهم رعاية الأبطال الذين تحولوا من خانة الآحاد «الأفراد» إلى خانة المئات .. بل الآلاف . وكان العام 1954 هو الانطلاقة بحق حين قال الرئيس عبدالناصر فى خطاب شهير له : إن بناء المصانع سهل وبناء المدارس سهل ولكن بناء الشباب هو الصعب العسير . كأنها كانت صرخة نحو إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الشباب بدايات عام 1955 ثم وزارة الشباب والرياضة التى كان لانطلاقها مفعول السحر فى توسيع القاعدة ورفع المستوى .. وهو ما كان غائبا عن الحركة الرياضية فى مصر . ومع ارتفاع الميزانية قامت الثورة بأحد أهم الأعمال فى مجال الرياضة الذى مازالت فوائده موجودة حتى الآن وستستمر ألا وهو البنية التحتية التى راحت تتمدد بطول مصر وعرضها، وهو عبارة عن المنشآت الرياضية الضخمة من استادات وملاعب وصالات وأندية ومراكز شباب وساحات شعبية وأندية ريفية .. وكان فى قمتها استاد القاهرة الرهيب والذى عفوا أنقذ عاصمة الشرق من خجلها الرياضى، حيث إن العاصمة الكبرى كانت تخلو من استاد ضخم قادر على استضافة الأحداث الرياضية، فعلى مدار ثلاث سنوات تم بناء وتشييد استاد القاهرة على مساحة 500 فدان واستمر العمل فيه منذ عام 57 حتى كان الافتتاح فى عيد الثورة الثامن يوليو 1960 وكان الزعيم عبدالناصر على قمة الحضور فى افتتاح تاريخى حضره العديد من ملوك وزعماء وأمراء ومشاهير العالم وأصبح إلى جوار كونه منشأة رياضية ضمن أضخم المنشآت فى العالم. وتقول الأرقام إن ميزانية الاستاد وتكلفته وصلت إلى 5 ملايين جنيه ونصف المليون وقاد الحركة الإنشائية فيه الألمانى مارش وتحت قيادته 14 مهندساً مصرياً .. و3 آلاف عامل .. وكان ومازال هذا البناء شاهداً على عصر .. ناصر وتميزه الرياضى . وقد احتوى الاستاد إلى جوار المبنى الضخم عدة ملاعب فرعية لكرة القدم، ملعب هوكى، صالة جمباز، صالة لرفع الأثقال، مجمع لحمامات السباحة، وصالات مغطاة، بالإضافة إلى مبنى إدارى للجنة الأوليمبية وللاتحادات الرياضية .. وفندق للرياضيين باختصار كان مدينة رياضية متكاملة وكان نقطة الانطلاق، حيث أقيم فى كل محافظات مصر استادات رياضية على غراره لتكون بمثابة بيت الرياضة وعش الأبطال .. وانطلاقهم . • البطولات الكبرى شاركت الرياضة المصرية فى كل الأحداث والبطولات الكبرى مع قدوم ثورة يوليو وإعطاء الزعيم عبدالناصر لها الضوء الأخضر من الاهتمام وضرورة التواجد . فكانت المشاركة فى أوليمبياد ملبورن 56 التى حقق خلالها منتخب الفروسية المصرى أحسن إنجازات اللعبة فى تاريخها بإحراز المركز الرابع وحوز شرف الحصول على الدبلوم الأوليمبى وكان الفريق المصرى يتكون من أبناء القوات المسلحة والشرطة وضم الفرسان جمال حارس وعلوى غازى وعمر الحضرى ومحمد سليم زكى . ثم تعذرت مشاركة باقى البعثة المصرية بسبب وقوع العدوان الثلاثى على مصر . أوليمبياد روما 1960 أحرز المصارع عيد عثمان الميدالية الفضية فى وزن الذبابة ثم الملاكم عبدالمنعم الجندى ميدالية برونزية فى وزن الخفيف وكان هناك بعض المراكز الشرفية محمد محمود إبراهيم رفع الأثقال المركز الرابع والمركز الخامس للملاكم صلاح شقوير .. والخامس للملاكم سعيد النحاس، والمركز السادس للفارس حسن عباس . - أوليمبياد طوكيو 64 منتخب كرة القدم حقق إنجازات فى تاريخه بإحراز المركز الرابع .. وحصول مصطفى رياضى على لقب ثانى هداف الدورة ب10 أهداف . كانت هناك مراكز شرفية عديدة ما بين الرابع والخامس والسادس . أوليمبياد المكسيك ثم إحراز أكثر من مركز شرفى خلالها . • بطولات وأبطال العالم قام عبدالناصر بتكريم كل أصحاب الإنجازات فى كل المجالات الرياضية العالمية والدولية والأفريقية . وكان دوما على رأس المكرمين السباح الذى أبهر العالم وعبر المحيطات والأنهار أفضل سباح فى التاريخ .. عبداللطيف أبوهيف الذى كان بمثابة سفير فوق العادة لمصر ونشأت بينه وجمال عبدالناصر علاقة صداقة متينة وقام أبوهيف بإطلاق اسم ابنه الوحيد ناصر على اسم الزعيم والصديق جمال عبدالناصر الذى قام بإهداء أبوهيف منزلا فى جزيرة الزمالك تقديرا لدوره وإنجازاته .. وكان قد قام بتكريم العديد من السباحين العظام مثل حسن عبدالرحيم ومرعى حماد .. وسعيد العربى وبكر سليمان وعبدالمنعم عبدة فى عبور المانش على مدار السنوات . وفى معظم الألعاب انتشر التفوق المصرى بفضل تشجيع ومؤزارة الزعيم عبدالناصر كماقال لى أكثر من بطل من أبطال الخمسينيات والستينيات عن سعادتهم الوافرة بتكريم الدولة ولقاء عبدالناصر، والذى تم فى عهده منح الرياضيين أوسمة للرياضة .. ومن جميع الأنواع طبقة أولى .. وثانية ووسام للجمهورية ويحصل عليها الأبطال البارزون الذين حققوا إنجازات لمصر . وكان ضمن أهم ممن حصلوا على هذا الوسام من لاعبى كرة القدم صالح سليم فى عام 1966، بالإضافة إلى كل من حقق إنجازا من أبطال الألعاب الفردية التى شهدت بدورها طفرة ونموا لم تحدث من قبل .. بل ظلت آثاره باقية حتى الآن .. وإطلالة على بعض أحداث هذه الألعاب تُشير إلى ما حدث من تفوق رياضى فى عهد عبدالناصر. • تنظيم الدورات والبطولات الكبرى فى كرة القدم قادت مصر حركة قيادة اللعبة فى القارة السمراء بتأسيس الاتحاد الأفريقى لكرة القدم، وأنشأ بطولة الأمم الأفريقية والفوز بها مرتين على التوالى 57، 59 وكذا تأسيس وإنشاء وإقامة واستضافة الدورات العربية وكانت الأولى سنة 53 بالإسكندرية، أما بالنسبة لدورة الألعاب الأفريقية فكانت فكرة وولادة ونشأة وتطوير مصرى رغم إقامتها بالكونغو برازفيل سنة 1965 بخبرة وقيادة مصرية 100٪، ناهيك عن بروز وتألق الأندية المصرية فى البطولات الأفريقية المختلفة التى شاركت فيها أندية الأوليمبى والترسانة والإسماعيلى .. والمحلة، وبالنسبة لتواجد هذه الأندية فى القارة السمراء كانوا بمثابة مشاعل إنارة ودور إنسانى رائع وقيادى لا يبارى .. مازالت آثاره باقية حتى الآن . وخلال هذه الفترة الزاهرة تم ضخ أكبر قدر من نجوم كرة القدم المصرية فى تاريخها فى كل أندية مصر .. ومازال هذا الجيل هو جيل النجوم الكبار الذين لو رصدنا أسماءهم وبطولاتهم لم تسعنا تلك الصفحات . وهذا يقودنا للسؤال هل كان عبدالناصر أهلاويًا أم زملكاويًا .. أم زمهلاويا . يجيب عنه النائب محمد أحمد السكرتير الخاص للرئيس عبدالناصر .. قائلاً : إنه لم يكن له اهتمام كبير بها ولم يكن ينتمى لا للأهلى ولا للزمالك ورغم ذلك كان يلبى أى مطلب يتعلق بالرياضة .. وكرة القدم . وهو ما أكده الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى نفس المصدر قائلاً : لم أشعر أن جمال عبدالناصر له انحياز واضح وانحيازاته فى واقع الأمر كانت متجلية فى أشياء مختلفة وأظن، والكلام لهيكل أن عبدالناصر كان مهتمًا بالأندية، أو بالرياضة من وجهة نظر السياسة، وأرى أن هذا جزء مكمل وضرورى لبلد يتصارع سياسيًا مع قوى كثيرة فى عدة مجالات بما فيها الرياضة . وأمامى قصة تؤكد هذا المعنى من استخدام الزعيم للكرة كدور سياسى واجتماعى ودور إنسانى، قيامه بحضور لقاء الأهلى والزمالك ومعظم مجلس أعضاء الثورة فى بطولة الدورى الممتاز لقاء الدور الأول، وانتهت بالتعادل بهدفين لكل فريق وذهب عبدالناصر ومجلس الثورة بالكامل من أجل جذب أعداد قوية من الجماهير فى اللقاء الذى حضره أكبر عدد من المشاهدين فى الخمسينيات، وبلغ إيراد اللقاء 2576 جنيهًا، تم تخصيص نصفها لتسليح القوات المسلحة المصرية . • الألعاب الأخرى لن نكون منصفين إذا مررنا عليها سريعًا ولكن اهتمام عبدالناصر بها سار على نفس خط اهتمامه بكرة القدم .. بل فى أحيان كثيرة أكثر .. والأمثلة: تنس الطاولة مثلاً التى تولى رئاستها السادات عضو مجلس قيادة الثورة الذى قام بتأسيس الاتحاد الأفريقى للعبة وقام بتنظيم بطولة أفريقيا الأولى سبتمبر 1962، وشارك أبطال اللعبة فى كل البطولات الدولية والعالمية وأصبحت مصر عضوا فاعلا ورئيسا فى الاتحاد الدولى للعبة بل تم إدراج اللغة العربية كإحدى اللغات الرسمية فى مخاطبات الاتحاد وهى المرة الأولى والأخيرة التى تم فيها هذا الإدراج . بل إن الرئيس عبدالناصر قام بإهداء الاتحاد الدولى للعبة كأس فضية كبيرة وضخمة باسمه وكان الرئيس الوحيد الذى قدم هذه الكأس وتم قبولها من المسئولين بالاتحاد الدولى فى اجتماع تاريخى للاتحاد بألمانيا سنة 59، وأصبحت تمنح للدول الفائزة بكأس العالم .. باسم الزعيم جمال عبدالناصر .. لسنوات طويلة . الملاكمة : شهدت ميلاد كوكبة من الأبطال والنجوم أصحاب الميداليات والإنجازات الحقيقية على رأسهم عبدالمنعم الجندى صاحب الميدالية الأوليمبية فى روما 60 وبطل العالم لسنوات . وهناك غريب عفيفى ومحيى الحماقى وصلاح شقوير وسيد النحاس وأحمد ماهر والدهشان وكمال صالح وإبراهيم الشموتى ومئات من الملاكمين البارزين فى كل بر مصر، ودليل اهتمام الرئيس بتلك الرياضة الشهيرة حضور الملاكم العالمى أحسن ملاكم فى التاريخ محمد على كلاى وملاقاة الزعيم عبدالناصر .. وأداء أكثر من لقاء استعراضى مع أبطال مصر .. وفى هذا الحضور ما فيه من دعاية سياسية وإنسانية ورسالة للعالم . وفى معلومة بلغ عدد الملاكمين فى مصر موسم 51 / 52 مائة ملاكم .. ارتفع موسم 60 إلى ألف ملاكم بما يتبع ذلك من مدربين وحكام وحلبات ملاكمة و ... الفروسية : طاف فرسان مصر الكبار الذين أصبحوا سفراء فى كل أنحاء العالم رمزًا للقوة والتوثب والشجاعة وارتفع عدد الأندية والهيئات الممارسة للعبة إلى تسع عشرة هيئة وهو أكبر رقم من الممارسين فى تاريخ اللعبة وأصبحت تتنافس فيما بينها على 14 درعا وكأس . التجديف : يكفى من صنع أمجاد اللعبة وإنشاء بنية تحتية إقامة المجرى الدولى للعبة فى نهر النيل الذى استضاف العديد من البطولات الدولية والعالمية وأقيمت بطولة النيل الدولية خلال الخمسينيات والستينيات التى كانت واحدة من أشهر بطولات اللعبة فى العالم، واكتسبت شهرتها من التواجد فى نهر النيل وعلى ضفافه . الإسكواش : سار على درب التفوق واحتل نجومه القمة، واحتكروا بطولات العالم فنبغ عبدالفتاح أبو طالب ومحمد الدردير وإبراهيم أمين امتدادًا للكبار عبدالفتاح عمرو ومحمود عبدالكريم . الكرة الطائرة : تأسسس اتحاد اللعبة سنة 54 عقب انفصاله من اتحاد كرة السلة، وبدأ تنظيم وإدارة اللعبة على الوجه الصحيح ويشارك فى البطولات الدولية وتنظيم البطولات الأفريقية والعربية والتأهل لأوليمبياد طوكيو 64 لأول مرة . وكرة السلة : تسيدت القارة دون منافسة وانتشرت الملاعب والصالات والأبطال بقيادة محمد حبيب وفؤاد أبو الخير وشهدت الستينيات واحد من أحسن الأجيال فى تاريخ اللعبة عادل صبرى وعادل شرف وطلعت جنيدى ورياض شرارة وسامى صلاح وطلعت توفيق و .. كثيرين حملوا اللواء وعلم مصر فى كل المناسبات والبطولات الكبرى . الملف الرياضى فى عهد عبدالناصر امتلأ بالأحداث والأسماء والأرقام .. حاولنا قدر الإمكان اختزالها فى هذا الملف . المراجع : 1 - الثورة والرياضة .. ملف وثائقي نجيب المستكاوى وآخرون 2 - حكاية الدوري خالد توحيد 3 - حكايات رياضية عبدالرحمن فهمي 4 - الأهلى تاريخ فى الرياضة والوطنية حسن المستكاوي. •