كوبا أسرع من الولاياتالمتحدة.. والعاصمة هافانا أكثر حركة من العاصمة واشنطن. هذا ما ظهر، أو هذا ما بدا منذ قرار واشنطن إنهاء فصول من النزاع والحرب الباردة مع هافانا، قبل 3 أشهر. منتصف أغسطس الجارى، وصل وزير الخارجية جون كيرى للعاصمة الكوبية فى زيارة وصفوها بالتاريخية.. رفع كيرى العلم الأمريكى على مبنى سفارة بلاده بعد قطيعة أكثر من 35 عاما. اعتبرت واشنطن رفع العلم حركة سريعة.. وغير متوقعة فى الطريق لغزو أمريكى ثقافى لكوبا.. لكن الذى كان أسرع وغير متوقع فعلا هو غزو السيجار الكوبى السوق الأمريكية.. قبل وصول كيرى لكوبا بأكثر من شهرين.. فى قمة بنما، مايو الماضى، صافح أوباما الرئيس الكوبى راؤول كاسترو فى حركة مفاجئة.. لم يكن أمام راؤول إلا أن يرد السلام.. قال أوباما إن بلاده لم تعد ترى أن العداء مع كوبا يجب أن يستمر.. عداء بدأ منذ قيام الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة وروسيا.. وكان لابد أن ينتهى بعد انتهاء الحرب الباردة.. وسقوط الاتحاد السوفيتى. يقولون إن الرئيس الكوبى ضحك بعد المصافحة.. فقد ابتسم الرئيس الأمريكى قائلا: سنغزوكم ثقافيا.. لكن كاسترو رد: نحن الأسرع دائما. وكان صحيحاً.. فقد صّدرت كوبا للولايات المتحدة صناديق سيجار من أفخر الماركات بحوالى 2.5 مليار دولار فى شهرين.. خلال الحصار الأمريكى على كوبا، كانوا يصنعون السيجار الكوهيبا والهابانا ويرمون بهما فى البحر.. لم تكن كوبا تستطيع أن تبيع أغلى سيجار فى العالم لا لدول أوروبا، ولا فى الأسواق الأمريكية.. الشهران الماضيان تداول الأمريكيون الهابانو.. والكوهيبا مقابل 135 دولارا للواحد.. بعد أن كان المواطن الكوبى الفقير يدخن 3 سيجار من الأنواع نفسها ويوميا خلال فترة الحصار الاقتصادى ببلاش. توعد أوباما كاسترو بالغزو الثقافى.. لكن كوبا هى التى بدأت الغزو على حق ربنا. فالسيجار فى كوبا رمز صناعة شعبية وتراث.. ثقافة الكوبيين وتراثهم هو الذى غرق أسواق بلاد أوباما أسرع مما يتصور أوباما نفسه. • انتصار جديد.. أكيد ينطق الكوبيون «الهافانا» هكذا: «هابانو».. والعود الواحد من عمود الدخان «هابانا» يصّنع يدويا، ومن ورقة دخان واحدة كاملة، تلفها عذارى من جنوب الكاريبى على أفخاذهن. أما «الكوهيبا».. فتحشيه العذارى من الجنوب الكوبى بأيديهن المعطرة «بماء الورد ورائحة التوت». وصل التراث الكوبى الولاياتالمتحدة، قبل وصول علم الولاياتالمتحدة إلى سفارتها فى كوبا. والضربة الكبرى.. أن الكوبيين رسموا على علب الهافانا.. والكوهيبا الخشب، بيتا خشبيا قديما وكتبوا تحته: «فيفا أرنستو جيفارا». كان قلما على وجه الأمريكان.. وضربة بشاكوش كبير على رأس أوباما وإدارة أوباما. فالبيت الخشبى هو المكان الذى قتل فيه جنود الامريكيين تشى جيفارا.. زعيم المقاومة الكوبية، ورفيق كفاح «فيدل كاسترو» ضد القوات الأمريكية فى السبعينيات من القرن الماضى. عذب جيفارا جنود الولاياتالمتحدة، وطياريها.. وجواسيسها وأجهزة التنصت والتتبع الدقيقة.. غلّبهم، واضاع النوم من أعينهم، إلى أن استطاعوا أن يقبضوا عليه، ويعذبوه.. ثم يقتلوه دون محاكمة.. ليدفنوه مكان ما قبضوا عليه.. ثم أخفوا مكان دفنه، تنكيلا به، وحرقا لقلب الكوبيين.. ومحاولة لإلغاء ذكراه. لكن جيفارا ظل ذكرى.. وميزانا.. ومعيارا للمقاومة.. والوطنية. قبل عامين، وبالصدفة، عثر الكوبيون على رفات جيفارا فى جراج سيارات بجانب البيت الخشبى إياه.. فأعادوا دفنه فى جنازة عسكرية.. وسخروا من البيت الأبيض، بدعوته لإيفاد مندوب لحضور مراسم الدفن! لم يعذب الأمريكان فى حربهم ضد كوبا، أكثر من جيفارا وكاسترو.. جيفارا مات، بينما أصبح كاسترو زعيما وبطلا قوميا.. ورئيسا لكوبا لأكثر من 30 عاما. استمر جيفارا رمزا للصمود.. بينما استمر السيجار الكوهيبا تراثا، اقترح الرئيس كاسترو أكثر من مرة إضافة صورة له إلى علم البلاد. . عفاريت الكوبيين.. غزو سيجارهم الأسواق الأمريكية، وعليه صورة مكان دفن جيفارا كف شديد على وجه أوباما. صحيح واشنطن نظمت احتفالا لا مثيل له خلال مراسم رفع العلم على سفارتها.. لكن الذى أثار العالم، فى القصة.. أن جيفارا الذى قتل، ودفن، بلا صلاة.. ولا قراءات مقدسة.. ولا حتى قبر مناسب.. عاد ليذكر الأمريكيين.. بحكايات المقاومة الكوبية.. ضد الاستعمار.. وضد فرض «الأمركة» بالقوة على خلق الله. توعد أوباما الرئيس الكوبى راؤول كاسترو بغزو بلاده بالثقافة.. رد كاسترو بعلب خشبية للهافانا.. والكوهيبا.. وصورة لقبر جيفارا. كسبت كوبا بعد أعوام من الحصار الأمريكى.. فى النهاية رزعت الولاياتالمتحدة قلما على الوجه.. أحدث صوتا.. وطرقعة.. وفى الطريق للمزيد. ففى بلاد الكاريبى أيضا.. أن «اللى يطرّقع ما يتحسبش»!!•