«سلطان» الفنان فى غيبوبة.. تزوره حبيبته «جنات».. ثم الموديل «ماشاالله» التى يعتبرها تميمة نجاحه كفنان.. وربطته بها علاقة مركبة.. وتأتى هى أيضا للمستشفى متمنية أن تدخل الغيبوبة بدلا منه ليتفرغ هو لفنه!.. بعدها، تزوره ابنتها «لحظة» وتكشف عن سر تعلقها هى به وتعترف بتآمرها على أمها للفوز به.. وكيف نجحت فى استمالته وحطمت تحصيناته.. ولا تنسى أن تشكره لاكتشافه مواهبها التشكيلية التلقائية.. وتعده بألا تطارده. أما «سلطان» فيثيره أن «لحظة» تتعامل مع حياتها وحياته كلعبة، وأنها أوقعته فى شباكها.. لكنه يعترف بموهبتها ويشكرها على كل شيء! 7 «هدى» لا أصدّق.. هل ُيعقل أن يكون «سلطان» فى غيبوبة؟! أجلس أمامك، وأنظر إليك، ولا أصدّق. الغيبوبة.. وأنت، لا تجتمعان. فأنت الحياة والحيوية والعنفوان والصحة والجنون والفحولة والرجولة والقوة واليقظة، والرقة، والفن والروعة. فماذا حدث؟.. ماذا جرى؟.. وكيف جرى ماجرى؟.. لا أحد يتصوّر أن يحدث لك ما حدث. ولا أعرف كيف ستمضى حياتى وأنت فى غيبوبة.. مع من سأتبادل حديث الثقافة والفن. لمن سأتعرّى، وأبوح.. ومن سيصوّر مكنوناتى و«روحى» على مسطح اللوحة ومع من سأستمتع باللقاء الحميم والعشق الحار، واللّذة النادرة؟.. منذ عرفتك، عرفت معنى وجودى. أحسّست أن خيانة زوجى لى، كانت نعمة، وكنت أظنّها نقمة.. «ُربّ ضارّة نافعة».. وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. كان المفترض أن أكون أنا الخائنة. لما اشتهر عنى بين أهلى ومعارفى عن شقاوتى وحبّى للرجال.. بعض نساء عائلتى يعتقدن أننى ربما أحبّ الجنس أكثر من الحبّ. لكننى بعد الزواج عاهدت نفسى على الإخلاص لزوجى، صحيح أننا لم نعش قصة حبّ، وأننا أقارب.. وأن زواجى تمّ ضمن صفقة ما بين عائلتى وعائلته. لكننى عندما اقتربت منه قبل الزواج، أعجبت به، بهدوئه ودماثته، وأيضا برجولته وفحولته.. ولما أعلنت قبولي، كنت قد اتخذت مع نفسى قرارا: انتهى عهد اللعب والتنطيط. قلت لنفسى: اهتدى بالله يا «هدى».. لعبت كثيرا، وجاء وقت الجد. لا أعرف إن كنت حكيت لك كل هذا أم لا يا «سلطان»؟.. لكننى أجدنى بحاجة لأن أكشف لك عمّا لم تعرفه عنى من قبل، أعرف أنك فى الغيبوبة، لكننى قرأت وسألت أطباء وخبراء، قالوا لى أن وقوع الإنسان فى الغيبوبة لا يعنى بالضرورة ألاّ يكون قادرا على الإحساس والاستماع وربما الإدراك. بعض البحوث كشفت عن أن من يقع فى الغيبوبة، ربما يكون مصابا فقط بعدم قدرة عضلات جسمه على إدارة هذا الجسم وتحريكه. أو أن جهازه العصبى فقد الصلة بالمركز الذى يحرّكه فى المخ. وهناك من توصّل إلى أن الحديث معه، قد يساعد فى إخراجه من هذه الحالة المخيفة.. وطبعا هناك وقائع وقصص عن أناس عاشوا فترات فى الغيبوبة وخرجوا منها، وعادوا لحياتهم الطبيعية، وكأن شيئا لم يكن.. ليت ذلك يكون حظّك مع هذه الغيبوبة التى لا أعرف لها سببا معك. سأحاول أن أفهم من الأطباء ماذا يعتقدون أنه جرى لك.. مع أنهم ميالون إلى التحفّظ.. ويتصرّفون كالدبلوماسيين، يقولون كلاما كثيرا فضفاضا، بلا معنى واضح، محدّد. هل أنت معى يا «سلطان»؟.. كم أفتقد أيامنا معا.. سهراتنا الماجنة ومناقشاتنا الساخنة.. أتذكّر الآن أول مرة شفتك.. كنت تقدّم نفسك لأول مرة فى معرض.. فى قاعة «إخناتون» على ما أذكر.. شاب صغير، فنان جديد، خطوطه مميزة. عنوان المعرض هو الذى جذبنى إليه- قبل أن أراك طبعا-«حواء.. أسرار وأغوار». كان معرضك الأول مغامرة جريئة من طالب فنون جميلة لم يتخرّج بعد. كنت، عندما ذهبت لمشاهدته، أعيش أزمة وجود.. اكتشفت خيانة «أحمد».. هزّتني، زلزلتنى.. أحسست أن الأرض ستنشق وتبتلعني. فكّرت أننى ملعونة، وأن الأقدار تعاقبنى على شقاوة المراهقة. كانت أزمة وجود بالنسبة لى، فأنا لا ينقصنى شىء.. جمال وتعليم، وثروة، وكله. فما الذى يدفع «أحمد» لخيانتى.. كنت مطيعة ومهّذبة ومقبلة عليه، وأحترمه، وأحرص على مشاعره. ولم أتصوّر أبدا أن يحدث منه ما حدث.. العكس هو الذى كان متوقعا.. بعض من يعرفوننى من أيام الشقاوة، قالوا لى - بعد خيانة «أحمد» لى- إنهم كانوا يخشون أن تقع الخيانة منى. ومع ذلك.. كان يمكننى أن أسامحه، لو أنه جاء واعترف بشجاعة وطلب العفو والسماح. لم يحدث هذا.. كابر «أحمد» وأنكر. لكنّه اضطر للاعتراف بعد أن جئنا بالبنت وواجهناه بها وحكت الحكاية بالتفاصيل المملّة. بنت سكرتيرة صغيرة، غلبانة، تعمل لديه فى مكتبه.. أغواها أو أغوته هي، لا أعرف. وكان ما كان. لماذا أحكى لك مأساتى القديمة هذه، الآن؟.. لأننى أريد أن أحرّك مشاعرك، وأنبّه حواسك وعقلك.. لعل فى ذلك تمرينا لها كى تستعيد قدراتها، وتعمل بكل طاقتها فتعيدك إلينا. تعيدك لي.. مشتاقة لك يا..«سلطااااااااااااااااااااااااااااااان»! 8 «سلطان» يا هدى الحيران فى ليل الضنى أين أنت الآن؟.. بل أين أنا؟ لم أكن أظن أنك ستزوريننى يا «هدى».. لو كنت أعلم أن زيارتك الكريمة، تقتضى منى أن أروح فى الغيبوبة.. لرحت فيها من زمان! كنت أظن أن سرّية ما بيننا ستمنعك من الظهور العلنى معى فى أى مكان.. حتى هنا فى المستشفى، وحتى وأنا فى الغيبوبة! هذه مغامرة منك، ويبدو أن لى عندك مكانا محفوظا. وهذا يسعدني. ولعلك تعرفين أن لك عندى مكانة لا مثيل لها، فأنا لا أنسى من عاوننى وهيأ لى الظروف والفرص.. والإمكانات، حتى أقف على قدمى فى فنى الذى أحبّه وأخلص له ولا أخونه، ولا أقصّر فيه.. لا أنسى أول يوم رأيتك فيه، وكيف أنك كنت فى غاية الاندهاش من أن يكون صاحب المعرض واللوحات التى تقدّم دراسة تشكيلية، نفسية، فلسفية، جمالية، عن المرأة، ليس إلا طالب فنون جميلة لا يتعدّى عمره العشرين بأكثر من سنتين ثلاثة؟! وأنك انتظرت حتى خلا المكان من الزوّار، والأصدقاء والزملاء والزميلات.. وكانت «جنّات» قد تركت قاعة المعرض، لتعود إلى بيتها فى وقت مبكر. بادرتِنى بسؤالك المندهش هذا. وحاولت أن أشرح لك وقتها أننى أقرأ كثيرا، وأدرس بتبحّر، وأننى واخد الحكاية جد.. وباشتغل وأفكّر وأسأل وأبحث وأجرّب وأرسم «سكتشات».. وأحضّر عملى بعناية وجهد. لكنّك بدوت غيرمصدّقة لكل ما أقول. كنت تظنين أننى أقلّد أحد الأساتذة الكبار أو الفنانين العالميين.. وحاولتِ أن تسرّبى لى شكوكك هذه بطريقة حرصت ألاّ تؤذى مشاعري. قلت إن اللغة التشكيلية فى لوحاتي، لغة ناضجة، لغة خبير بالنساء.. لكن الفنان صاحب اللوحات أصغر من أن يكون قد اكتسب كل هذه الخبرة والتعمّق فى أغوار حواء.. ومحاولة فهم أسرارها، كما هو عنوان المعرض. ولا أعرف هل قصدّت أن تتحدينى وتستثيرى مشاعرى وتستفزى شيئا ما بداخلي، أم أن كل ذلك ورد تلقائيا، من وحى اللحظة؟ ومع أنك بعد فترة، أظهرت لى نوعا من الإحساس بالثقة فى.. والإعجاب بموهبتى، فقد سمحت لى بأن أخوض فى حياتك، عندما قلت إنك تجدين نفسك بدرجة ما فى إحدى اللوحات.. وقمنا نعيد النظر إلى اللوحة المقصودة، وحدّثتك عنها، قلت: - أنا هنا أحاول رصد لحظة إحساس المرأة بالفقد.. فقد الحبيب أو الزوج.. رفيق رحلة الحياة.. وقطعت كلامى فجأة.. توقفت عن مواصلة الشرح، عندما لمحت دمعة تتبلور فى مآقى عينيك. ووجدت نفسى أحتضنك وأربت على ظهرك، وانفجرت أنت ببكاء أسيان. ورويت لى عن معاناتك وشعورك بالضياع، خلال رحلة عودتنا بسيارتك، من قاعة المعرض فى «قصر النيل» إلى بيتك فى «الزمالك». طوال هذا الوقت لم يكن فى خاطرى سوى شيء واحد هو أنك إنسانة مثقفة، ومحبة للفن.. وأنك فى أزمة. وأن الصدفة جعلتك تفضفضين لى عما يختلج بداخلك. لم أفكّر فيك كأمرأة جميلة، ولا حتى كامرأة غنية.. وعندما رويت لى قصة زواجك، وخيانة زوجك لك، وطلاقك، لم يكن الأمر بالنسبة لى أكثر من مجرد.. فضفضة من جانبك، وحسن استماع من جانبى. وعندما ركبت معك سيارتك، ركبت لأنك متجهة إلى «الزمالك»، وهذا طريقي، فأنا عائد إلى الكلية، لدى لوحة دراسية أسهر على تنفيذها. وعندما وصلنا أمام الفيللا، وجدتك تلحّين عليّ أن أصعد معك لتناول الشاى أو القهوة.. قلت إن هذه أبسط تحية واحتفال بى وبمعرضى الأول. لم أكن أعرف أن «دخول الحمام مش زى خروجه». لم أكن أتصوّر أنك ستقدّمين لى كل هذا الذى قدّمتِه. فى ليلة واحدة اشتريت منى 4 لوحات. ووعدتنى بأن تدبّرى لى مكانا فى بيت تملكينه ضمن ميراثك، فى «خان الخليلي» ليكون مرسما لى.. قلت إنه مخزن قديم لا يستعمله أحد، ولم تكتفى بكل هذا، ففى آخر الليلة، أقصد فى صباح اليوم التالى، كان لك مطلب أخير.. أن أرسم لك بورتريها.. لوحة شخصية كبيرة. قلت لى إن هذه اللوحة سوف تجعلك تستعيدين شعورك بذاتك. هل تعرفين ماذا كان شعورى عندما غادرت بيتك فى الصباح التالى؟.. ربما لم تأت مناسبة أشرح لك فيها شعورى هذا. أحسّست أن طاقة القدر فتحت لى فى تلك الليلة. غمرنى شعور بأن طريقى مفروش بالورود.. وأننى من الآن أستطيع أن أعتبر نفسى فنانا.. فلوحاتى تباع، وسيكون لى مرسمى الخاص.. وهناك من يطلب منى أن أرسمه فى لوحة بفرشاتى وبأسلوبى الخاص.. وبمقابل! وطبعا أخجلنى سؤالك عن المبلغ الذى أطلبه مقابل البورتريه. فلم أكن قد رسمت أحدا بمقابل.. ولهذا قلت: - أنا ما بارسمش بفلوس. = لكن دى لوحة خاصة، مش للمعرض الجديد. كنت فى حيرة، فانأ أحتاج للمال، لكننى لا أتطلّع للعمل كفنان تجار ى»، يستأجره الأغنياء ليرسم لهم لوحات لا يراها الناس. فكّرت أن بعض أساتذتى الكبار يكاد يكون متخصّصا فى هذا المجال.. وأن بعضهم الآخر يرسم لوحات زيتية بورتريه لشخصيات معروفة أو غير معروفة - وليس لموديلات- ويعرضها فى معارضه ولا يسلّمها لمن رسمهم.. أو يسلّمها ويتقاضى مبالغ كبيرة، بعد فترة يكون قد عرضها فى معرضه الشخصى أو معارض أخرى مشتركة. وفكرّت أن من أساتذتى من يرفض تماما فكرة أن يكون «تحت الطلب».. ويكتفى بأن تباع لوحاته لمن يحبّ الفن، لا لمن يحبّ نفسه! شاركتك أفكارى.. وتناقشنا ولاحظت وأنا أحدّثك عن فن البورتريه وتاريخه وكبار مبدعيه، وحكاياتهم مع الطبقة الأرستقراطية وملوك وأمراء عصورهم، أن لك إلمامًا بمعظم ما تحدّثت عنه، واستغربت الأمر.. فانا أعرف كل هذا لأننى فنان ودارس للفن وتاريخه ومدارسه. - لكن أنت.. إيه سرّ اهتمامك بالفن التشكيلى يا «هدى»؟ سألتك ونطقت اسمك لأول مرة خلال سهرتنا الطويلة، بلا مجاملات.. أعرف أنك أكبر منى سنا ربّما بعشر سنين أو أكثر أو أقل.. لكننى لم أقل يا «هدى هانم».. أو يا «مدام هدى»! ولاحظت سعادتك بذلك.. كنت مستريحة لي، وعلى طبيعتك. وسعيدة بالتواصل مع إنسان آخر.. وفهمت أنك متعلّمة ومثقفة وتهتمين بالفنون والآداب والموسيقى. وأنك لا تعملين.. ولا تبحثين عن عمل، لأنك وارثة وحيدة لأملاك والديك. وتمضّين أوقاتك فى ممارسة هواياتك هذه. وإلى الأسبوع القادم. •