لم يكن فى مخيلته يوما أن يحصل على جائزة، ولم يسع إلى العالمية، ولكنه كان يبحث عن طريق للتواصل مع الآخر، فلم يجد وسيلة أفضل من الكتابة، التى جعلها مشروعه الخاص الذى يمده بالقوة لمقاومة الفناء، رغبة فى البقاء والخلود، لإيمانه الشديد بأن الأعمال الأدبية هى التى تبقى وليس الأسماء، وهو ما فعلته رواية «شوق الدرويش» للكاتب السودانى «حمور زيادة»، بعد وصولها للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» وذلك قبل مرور شهر من حصولها على جائزة «نجيب محفوظ للرواية العربية»، وهو ما يعد تسليطا للضوء ليس على أعمال «حمور زيادة» فقط، ولكن على الأدب السودانى كله.. وإلى نص الحوار. • الدكتور أمير تاج السر هو أول من وصل للبوكر من السودان ثم حمور زيادة، فماذا يعنى هذا بالنسبة لك؟ أنا ثانى سودانى يصل لهذه القائمة بعد الدكتور أمير تاج السر، وهذا أمر يحفز على مزيد من البحث والنظر فى الأدب السودانى الحديث، الذى يزخر بأسماء مثل إبراهيم إسحق، وبشرى الفاضل، وعبدالعزيز بركة ساكن، وكثيرين غيرهم، ومن الظلم لهم وللقارئ العربى ألا يعرفهم. • هل تساعد الجوائز الأدبية التى تم توزيعها على الأدباء والكتاب فى انتشار العمل الأدبى؟ بالتأكيد، فالجوائز الأدبية التى يحصدها العمل الأدبى، لها دور كبير، فى انتشاره، فمثلا رواية «شوق الدرويش»، لاقت رواجاً كبيراً من قبل الجمهور، بعكس أعمالى الروائية السابقة، وذلك لحصولها على جائزة نجيب محفوظ، وترشيحها للقائمة القصيرة فى البوكر العربية، والدليل على ذلك أن هناك العديد من الكتاب والروائيين السودانيين لم يحصلوا على جوائز، ولا يعرفهم الإعلام، ولا يحرر أخباراً لأعمالهم الأدبية، والسبب قلة تواجدهم بشكل كبير فى المشهد الثقافى. • هل تقدم الروايات السودان بالصورة اللائقة به؟ السودان ينتمى فى حضارته للقارة السوداء أكثر من أى حضارة أخرى، ولكن الواقع السودانى إلى الآن غير مكتشف أو معروف بالشكل الكافى للعرب أو للغرب، بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالغرب يعرف عن السودان المذابح أكثر من معرفته بالأدب السودانى، فالعرب أو المصريون تحديدًا يعرفون النيل، أو أن السودان أرض تصلح للزراعة أكثر من معرفتهم بالكتاب السودانيين، وبسبب هذا التجاهل فإن السودان بلدً مظلوم، ليس فقط للمصريين، ولكن للعالم فالناس لا يعرفون الكثير عن السودان، وثقافته. • لماذا تحدثت الرواية عن الثورة المهدية على وجه التحديد؟ الرواية تتحدث عن الثورة المهدية التى مر عليها أكثر من مائة عام، وهى إلى الآن لاتزال تؤثر على المشهد السودانى الثقافى والسياسى، لأن إشكالياتها وخلافاتها موجودة إلى الآن، فهى حدث مهم فى السودان والجدل حوله مستمر منذ أكثر من مائة عام، كالجدل حول ثورة 25 يناير هل هى مؤامرة أم ثورة، كما أن الثورة المهدية شكلت الواقع السودانى الحالى، وأسهمت فى تشكيل علاقة السودان بمصر. • لماذا تم التركيز على التطرف فى رواية «شوق الدرويش»؟. فى رواية «شوق الدرويش»، كنت مهتما بشكل خاص بموضوع التطرف، ليس فقط التطرف الدينى، لكن أيضا التطرف الناتج عن اليقين التام، فما تفعله «داعش» من جرائم قتل، وحب للدماء، نتيجة لأنهم وصلوا لحالة من الإدمان الناتج عن اليقين بما يؤمنون به، وأؤكد لك أنهم إذا توقفوا عن أفعالهم سيشعرون بضعف شديد. • هل كنت تقصد بالمتطرفين فى الرواية الدواعش الذين ظهروا فى المنطقة العربية مؤخرا؟. روايتى كانت محظوظة ب «داعش»، على عكس كل العالم، والإرهاب ليس حكراً على منطقة، وإنما هى حالة إنسانية، لكن للأسف فإن واقع المنطقة العربية، والخطاب الدينى المتشدد، ساعد معظم المتطرفين على الخروج من المنطقة، مقارنة بباقى دول العالم. • هل كنت تخطط للمجىء إلى مصر؟ لا، لكن جئت إلى مصر بالصدفة، والصدفة خدمتنى كثيرا عندما جئت إلى هنا حاملا معى كل الكتب التى توقعت أنه يصعب الحصول عليها بالقاهرة، ولكن لم أكن أتخيل أن «شوق الدرويش» ستخرج بالشكل الذى خرجت به، ولكن أثناء الكتابة تفرعت الأحداث، وأخذتنى الشخوص لعوالم أخرى، فخرجت «شوق الدرويش» كما هى الآن. • ما سر ارتباط الأدب السودانى بالأساطير؟ الإرث الثقافى من الأساطير كان حاضرًا ولايزال لدى الكاتب السودانى، فالكاتب الروائى الطيب صالح كتب الواقعية السحرية فى بداية الستينيات قبل أن يصلنا الأدب المترجم من أمريكا اللاتينية، وأساطير السودان ليست كما يدعى البعض دليلا على تخلفه، فنحن لدينا إرث ثقافى ملىء بالأساطير والحكايات الشعبية، فالطيب صالح كان ينتقد كثيراً أدباء أمريكا اللاتينية باعتبارهم هم فقط من كتبوا عن الواقعية السحرية، وقد كتب روايته «عرس الزين» فى الستينيات من القرن الماضى وبها الكثير عن كرامات الأولياء، والشيوخ الذين يتنقلون من مكان لآخر بعد وفاتهم. وهذه ليست مجرد أساطير فى مجتمع متخلف، لكنها فى السودان حاضرة وقوية لارتباطها بالثقافة الإفريقية التى تعلى من قدر الأسلاف والصالحين بشكل أكبر من الثقافة العربية، فالعائدون من الموت أسطورة حية فى السودان، تتحدث عن عودة الموتى إلى الحياة بعد 3 أيام من رحيلهم، وهذه أشياء يصدق بها المجتمع السودانى. • هل كنت تتوقع الفوز بجائزة نجيب محفوظ للرواية العربية؟ لم أتقدم للجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ، بل فوجئت بالحصول على الجائزة، فعندما جئت لمصر عام 2009 ذهبت مع صديق سودانى لحضور حفل توزيع جائزة نجيب محفوظ بالجامعة الأمريكية فى 11 ديسمبر 2009 ومنحت حينها للروائى خليل صويلح، وأعجبت حينها بالقاعة، وبالمهرجان الثقافى الذى لم أجد مثله فى السودان، ثم بعد 5 سنوات لم أتابع الجائزة خلالها، ولم يدر بخلدى أننى سأفوز بها يوماً وأن أعتلى مسرح الجامعة الأمريكية وأتسلم الجائزة، لذلك فهو حدث يتجاوز سعادتى. • هل وجودك فى الإعلام ساعد على انتشار رواياتك أم ماذا؟ بالتأكيد، الإعلام عادة لا ينشغل بالغائب، وجزء من وجود الكاتب هو أن يكون حاضراً فى الإعلام الذى يساعد على انتشار العمل الأدبى، وهذا لا علاقة له بالجودة، فالكاتب السودانى عبدالعزيز بركة ساكن يكتب أفضل منى لكن لا أحد يقرأ له لأنه غائب عن المشهد الإعلامى. • كيف تنظر للطيب صالح وهو الأديب الأكثر شهرة بين أدباء السودان؟ الطيب صالح هو أستاذى ومعلمى أتعامل معه تعامل المريد مع القطب الصوفى، ولا أعتقد أنه يمثل عائقا أو منافسة كما يقول البعض، فالبشر يختلفون وهكذا الكُتاب، لست مشغولاً به أتفوق عليه أو أكون مثله، هذه ليست مشكلة، المشكلة هى أن الإعلام اختزل الأدب السودانى فى الطيب صالح، لذلك هناك كُتاب كُثر فى السودان توقفوا عن الكتابة حين لم يجدوا اهتماماً بمشروعهم الروائى من الإعلام أو القراء، فقد منع الاهتمام بالطيب الصالح النظر لبعض المشاريع المهمة، وهذا برأيى خطأ القراء والإعلام الذى لم يركز سوى عليه. • كيف ترى ثورات الربيع العربى بعد أربع سنوات الآن خصوصا مع المشهد الذى نراه جميعا فى المنطقة العربية؟ المنطقة العربية كلها وليس فقط مصر فى واقع سيئ، فالثورات دائماً هكذا فى التاريخ، انفجارات عظيمة، فالثورة السلمية تقتل وتخرب وتسحل فى الشوارع لكن دون تخطيط مسبق، وهى نهاية مرحلة فى التاريخ وبزوغ أخرى، وهى فترة رمادية لا يمكن التنبؤ بما سيحدث فيها، وأقول إن الثقافة المصرية مهما أصبحت ظروفها سيئة فمن الصعب أن تموت، فكل مجتمع انغلق على نفسه وأكل من ثقافته وحده انتهى ومصر ليست كذلك. •